دخل حزب الله اللبناني، في أزمة مالية نجمت عن العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيران، والتي أثرت بشكل موجع على حجم الدعم المالي الذي كان يتلقاه الحزب من إيران. وأكدت مصادر إن عملية تسريح جماعي للموظفين داخل المؤسسات التابعة للحزب تجري منذ عدة أشهر، وأن الحزب بات غير قادر على تسديد رواتب مقاتليه بشكل كامل، وأنه يعتمد برنامجا لدفع الرواتب بشكل جزئي، على نحو يطرح أسئلة حول مستقبل الحزب داخل دوائره العسكرية.
وقال المبعوث الأميركي الخاص لإيران براين هوك في تصريحات إعلامية، إن حزب الله تنظيم إرهابي وإن من يؤمن الدعم المادي له معرض للمحاكمة الجنائية.
وتعد إيران أكبر داعم مالي وعسكري لميليشيات حزب الله في لبنان، إذ قدر مسؤول أميركي هذه المساعدات بنحو 700 مليون دولار أميركي سنويا، بحسب تقرير وكالة بلومبيرغ.
اقرأ أيضًا:
استهداف "حقائب الأموال" أحدث وسائل واشنطن لإفلاس حزب الله اللبناني
وكان جزء آخر من تمويلات حزب الله يأتي من الحكومة العراقية بتكليف من إيران سواء من خلال تجارة النفط المهرب أو من خلال ميزانية الحشد الشعبي. إلا أن مصادر لبنانية أكدت توقف هذه التمويلات بضغوط أميركية منذ عهد رئيس الحكومة العراقية السابق حيدر العبادي.
ويسود اعتقاد بأن الأزمة المالية لحزب الله تحد من مساحة المناورة لديه، سواء في خياراته السياسية المحلية، أو حتى تلك العسكرية التي لطالما يلوح بها نصرالله ضد إسرائيل أو ضد خصومه في لبنان.
أزمة مالية كبيرة
وأكد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أن تمويل حزب الله لم يعد كما كان في السابق، أي قبل إعادة فرض الولايات المتحدة للعقوبات على إيران.
وقال في مقابلة مع قناة العربية “كلما اشتدت العقوبات على إيران انعكست على تمويل حزب الله”.
وأضاف “ضعف التمويل يؤثر بكل تأكيد على حزب الله، فهو في جزء كبير منه عقيدة وأيديولوجيا، ولكن في جزء آخر فإن عناصره متفرغون بأعداد كبيرة، بعشرات الآلاف، ويقبضون رواتب ولدى الحزب مؤسسات اجتماعية ومساعدات كثيرة وبالتالي كله يؤثر”.
ورأى مراقبون أن لغة حزب الله الجديدة تسعى لتبديد أي أجواء توحي بأن حربا قد تنشب قريبا، وأنه يعتمد منهجا يروم من خلاله أن يتبع مسارات إيران في صراعها مع الولايات المتحدة دون أن يجازف بموقف نافر على اللغة التي تستخدمها طهران في هذا السياق.
ونقل عن مصادر سياسية في جنوب لبنان، حيث الكتلة الناخبة الأكبر لحزب الله ومنطقة التماس مع إسرائيل، أن حزب الله وإيران لم يعودا قادرين على تمويل البيئة الأهلية في الجنوب في حال اندلاع أي مواجهة بين حزب الله وإسرائيل على غرار ما حصل في حرب عام 2006، ناهيك عن أن جمهور الحزب في جنوب لبنان لم يعد داعما لأي “مغامرة” قد يقوم بها الحزب كما قبل 13 عاما.
ولفت مراقبون إلى تصريحات صادرة عن بعض نواب حزب الله، كما عن منابر الحزب الإعلامية، تتحدث عن الهدوء في الجنوب وطمأنينة الأهالي للرد على أجواء الخوف من حرب مقبلة، كما لفتوا إلى تأكيد نصرالله نفسه أن لا معطيات أو معلومات تفيد بأن إسرائيل تخطط لشن حرب ضد حزبه.
وأشار المراقبون إلى أنه في غياب المعطيات التي تحدث عنها نصرالله، والتي أراد من خلالها التأكيد لجمهور الحزب وللبنانيين كما للمجتمع الدولي أن لا نوايا لحزب الله في الانخراط في أي عمليات عسكرية، ردا على العقوبات الأميركية التي تشتد على إيران، لاسيما ابتداء من الخميس.
وقالت أوساط سياسية لبنانية إن الأزمة المالية التي يعاني منها حزب الله تضرب جانبا مهما من قوته ونفوذه لدى الطائفة الشيعية في لبنان، وأن رجال الأعمال الشيعة باتوا حذرين من التورط في أي علاقات مالية مع الحزب قد تعرضهم للعقوبات الأميركية.
وأضافت أن الأمر ما زال تحت السيطرة حتى الآن داخل الطائفة الشيعية، خصوصا في غياب أي بدائل سياسية بإمكانها أن تكون ملاذا لجمهور الحزب.
وأشارت إلى أن الحدود ما زالت مرسومة بدقة بين حزب الله وحركة أمل بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأنه في غياب اتضاح الخرائط السياسية الجديدة، المتعلقة خصوصا بمستقبل إيران وسوريا، فإن الثنائية الشيعية متلاحمة متضامنة المواقف والمصالح.
واعتبرت مصادر برلمانية أن حزب الله يسعى لتمويل مناطق حواضنه الشعبية من خلال النفوذ الذي يملكه داخل الحكومة اللبنانية والبلديات التي يسيطر عليها.
وأضافت المصادر أن الحزب لم يعد قادرا على تقديم الخدمات لجمهوره، وأنه يعمل على النهل من الميزانيات المخصصة للوزارات والبلديات في محاولة للاستمرار في ربط هذا الجمهور بالحزب وفق قواعد الولاء المعتمدة منذ سنوات.
ويقول خبراء في شؤون حزب الله إن الحزب بات يعتبر الساحة اللبنانية استراتيجية بالنسبة لبقائه ومستقبله، وأنه وعلى الرغم من علاقاته الوجودية مع نظام الولي الفقيه في إيران، إلا أنه بات يشعر أن مصالح طهران في أي اتفاق محتمل مع الأميركيين قد تضيق من هامش اعتماد الحزب على التمويل الإيراني.
ويضيف هؤلاء أن الحزب ينظر بعين القلق إلى الأنباء التي تحدثت عن احتمال سحب ملفات إقليمية عديدة من يد الجنرال قاسم سليماني لصالح حكومة حسن روحاني ووزارة الخارجية بالذات.
حزب الله يراقب إجراءات الحكومة التقشفية
ونقل عن مصادر برلمانية لبنانية أن بعض نواب الحزب أبدوا قلقا من التحولات الجارية في العراق لاسيما الانفتاح الذي تبديه الحكومة العراقية برئاسة عادل عبدالمهدي على السعودية.
ولم تنسحب أجواء ذلك الانفتاح من قبل مرجعيات سياسية قريبة من طهران في العراق على مواقف حزب الله في لبنان من السعودية. وفهمت المصادر من هذه الأجواء شعور بعض أوساط الحزب بأن إيران تمنح حلفاءها ضوءا أخضر للتعامل بإيجابية مع السعودية في العراق مع إيعازها باستمرار إطلاق الحزب مواقف سلبية ضد الرياض من لبنان.
وباتت معاداة الحزب للخليج والسعودية تقابل بامتعاض داخل الطائفة الشيعية، خصوصا أنه بات واضحا داخل الطائفة أن “فائض القوة” الذي يمتلكه الحزب، كما حروبه في عدد من بلدان المنطقة، لاسيما في سوريا، لم يحصنا الشيعة من تداعيات الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان.
ويلوذ حزب الله بالصمت هذه الأيام بشأن الإجراءات التقشفية التي تنوي الحكومة اللبنانية اتخاذها اتساقا مع موازنة 2019 التي تسعى لإقرارها، على نحو يتناقض مع خطاب الحزب الذي يزعم الدفاع عن الشيعة وحقوقهم والذود عن مظلوميتهم. واعتبر هؤلاء أن في هذا الصمت إقرارا من قبل الحزب بجسارة الأزمة الاقتصادية، وتضامنا مع الحكومة اللبنانية لاحترام التدابير والمعايير التي يجب أن تتقيد بها وفق شروط مؤتمر “سيدر” للمانحين الدوليين.
قد يهمك أيضًا:
لبنان أمام أسبوع مفصلي لحسم قضية خفض العجزِ في موازنة 2019
واشنطن تُلاحق "حزب الله" بمكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار
أرسل تعليقك