حقّقت الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية المصرية إنجازًا جديدًا، يُضاف إلى قائمة الإنجازات التي حقّقتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، في الحرب التي تخوضها مصر في مواجهة التطرف، الذي ابتليت به عقب عزل جماعة "الإخوان" المحظورة من حكم البلاد، إذ تمّكنت الأجهزة الأمنية، في أقل من 48 ساعة على وقوع الحادث المتطرف الذي استهدف الكنيسة المُرقسية في الإسكندرية، الذي راح ضحيته 18 قتيلاً وأكثر من 45 جريحًا، من تحديد هوية المتهمين .
وجاء في بيان وزارة الداخلية أنه باستخدام الوسائل والتقنيات الحديثة، وفحص مقاطع الفيديو الخاصة بحادثي كنيستي مارجرجس في طنطا والمرقسية في الإسكندرية، ومضاهاة البصمة الوراثية لأشلاء الانتحاريين، التي عُثر عليها في مسرح الحادثين، البصمة الوراثية لأهالي العناصر الهاربة والمشتبه فيهم، تم تحديد هوية منفذ حادث التعدي على الكنيسة المُرقسية في الإسكندرية، وتبين أنه يدعى محمود حسن مبارك عبدالله، من مواليد 28 سبتمبر / أكتوبر 1986 في قنا، ويُقيم في حي السلام في منطقة فيصل، في محافظة السويس، وهو عامل في إحدى شركات البترول، ومطلوب توقيفع في القضية رقم 1040/2016 حصر أمن دولة.
وتبين ارتباطه بإحدى البؤر المتطرفة التي يتولى مسؤوليتها الهارب عمرو سعد عباس إبراهيم، من مواليد 18 نوفمبر 1985، في قنا، وحاصل على دبلوم فني صناعي، وهو زوج شقيقة الانتحاري منفذ العملية، الذى اضطلع بتكوين خلايا عنقودية يعتنق عناصرها الأفكار التكفيرية المتطرفة، فضلاً عن قناعة بعضهم بالأسلوب الانتحاري لاستهداف مقومات الدولة ومنشآتها وأجهزتها الأمنية، ودور العبادة المسيحية.
ونشرت وزارة الداخلية في بيانها أسماء باقي المتهمين الهاربين، والتي ضمت كل من عمرو مصطفى يونس عبد الرحيم، من مواليد 1982 ويُقيم في محافظة قنا، ومحمد بركات حسن أحمد، من مواليد 1985، ويُقيم في قنا، وممدوح أمين محمد بغدادي، من مواليد 1977، ويُقيم في قنا، وطلعت عبد الرحيم محمد حسين، من مواليد 1986، ويُقيم في قنا، وحامد خير علي عويضة، من مواليد 1979، ويُقيم في قنا، ومصطفى أحمد محمد مصطفى، من مواليد 1986، ويُقيم في قنا، وحمادة جمعة محمد سعداوي، من مواليد 1987، ويُقيم في قنا، وأحمد مبارك عبد السلام متولي، من مواليد 1992، ويُقيم في قنا، وعبد الرحمن كمال الدين علي حسين، من مواليد 1993، ويُقيم في قنا، وسلامة عبد الله عباس إبراهيم، من مواليد 1982، ويُقيم في قنا
.
واللافت للنظر عند الاطلاع على أسماء المتهمين أن جميعهم ينتمون إلى محافظة واحدة، وهي محافظة قنا، في أقصى صعيد مصر، وهو ما يُثير تساؤلنات عن الأسباب الرئيسية التي تدفع أمثال هؤلاء الشباب إلى انتهاج أفكار متطرفة، تدفعهم في النهاية إلى ارتكاب جريمة من أكبر الجرائم، وهي العمليات الانتحارية.
وأكد مصدر أمني محافظة قنا أنه، من خلال التحري وفحص أسماء أسر هؤلاء المتهمين، تبيّن أن جميعهم ينتمون إلى أسر معدومة الدخل، إذ أن أغلب أفرادها لم ينالوا حظًا من التعليم، بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يعيشون فيها، ويعلمون في مهن بسيطة تُدر عليهم دخلاً يوميًا، كالسباكة والزراعة.
وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن المتهمين من العناصر الموالية لجماعة "الإخوان" المحظورة، وسبق وإن شاركوا في عدد من المظاهرات المُنددة بعزل الرئيس الأسبق، محمد مرسي، كما أشارت التحريات إلى وجود اتصالات ولقاءات بينهم وبين قيادات الجماعة الإسلامية.
وعرض "مصر اليوم" المعلومات السابقة على خبراء علم النفس والاجتماع، في محاولة للوصول إلى إجابة لهذا التساؤل الذي يشغل الكثير من المعنيين بالشأن المصري، عن السبب الرئيسي الذي يدفع هؤلاء الشباب إلى اعتناق الأفكار المتطرفة وارتكاب مثل هذه الجرائم .
وأكد الخبراء أن الفقر هو السمة الرئيسية المشتركة التي تجمع بين هؤلاء المتهمين، فكان من السهل أن يتم استقطابهم من جانب قيادات الجماعات الإسلامية، المنتشرة في محافظات الصعيد، وتتخذ من الجبال مخابئ لها . وقال الدكتور يونس صبري، أستاذ علم الاجتماع في جامعة أسيوط، أنه من المعلوم أن صعيد مصر عانى، على مدار الـ600 عامًا الأخيرة، من الإهمال والتقصير في جميع نواحي الحياة، فلا تعليم ولا صحة ولا فرص عمل، وهو ما دفع أغلب الأسر الصعيدية إلى التوجه إلى القاهرة والإقامة فيها، لما توفرّه من خدمات غير متوفرة في محافظاتهم.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع: "أما باقي الأسر البسيطة فلم يكن بإمكانها الهجرة من الصعيد إلى القاهرة للإقامة فيها، نظرًا لأوضاعهم الاقتصادية الصعبة، ففضّلوا الإقامة جبرًا في قرى الصعيد، إلى أن وقّع أبناؤها فريسةً للجماعات الإسلامية، التي تنتشر في محافظات الصعيد منذ التسعينات، ولاسيما محافظة قنا، التي ينتشر فيها قيادات هذه الجماعات، حيث تمكّنوا من استقطاب المئات من الشباب، مستغلين الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.
وأوضح الخبير في مركز البحوث الجنائية والاجتماعية، الدكتور هيثم سليم، أن الدولة تدفع ثمن إهمالها الشديد لمحافظات الصعيد طوال العقود الماضية، فالحكومات المتعاقبة قصرت أغلب خطط التنمية على القاهرة ومحافظات الوجه البحري، ولم يُنظر إلى الصعيد وأهله بعين الاهتمام، إلا خلال الفترة الأخيرة عندما نظمّت الدولة مؤتمرًا في أسوان، خرجت منه بمجموعة من التوصيات لتنمية الصعيد .
وطالب سليم الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية بتشديد الرقابة على أنشطة وتحركات قيادات الجماعة الإسلامية، التي تنشط في محافظات الصعيد، وتعمل على استقطاب الشباب وبث سمومها وأفكارها المتطرفة، التي تُعادي الدولة والأقباط، لافتًا إلى أن هؤلاء الشباب قبل أن يكونوا جُناة مطلوبين للعدالة هم ضحايا للإهمال والتقصير من جانب الدولة.
أرسل تعليقك