تعتمد التنظيمات الإرهابية التي تسعى في الأرض فسادًا، على مصادر دخل قوية تساعدها على القيام بعملياتها الإجرامية، سواء في مناطق النزاع في سورية والعراق وأفغانستان، وغيرها من الدول التي تسعى إلى تخريبها التنظيمات الإرهابية.
وتستخدم هذه التنظيمات هذا الدخل أيضًا لإغراء واستمالة أعضاء جُدد لاستقطابهم إلى التنظيم سواء من الشرق الأوسط أو من البلدان الغربية، فهناك من يُجزم بوجود قوى عظمى تعمل على تمويل تلك الجماعات الإرهابية التي تنفذ أجنداتها في مناطق النزاع، إلا أن مثل هذه التكهنات لا تستند على دليل يبرهن على صحتها، في حين أن هناك حقائق أخرى بشأن مصادر الدخل بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، والتي تكمن في العصابات الإجرامية ومافيا المواد المخدرة والتهريب وغسيل الأموال التي توفر أموالًا طائلة للتنظيمات الإرهابية التي تعمل فيها بشكلٍ مباشرٍ من خلال الاتجار أو توفير الحماية اللازمة لعبور المواد المخدرة والبضائع المهربة عبر الأماكن التي يسيطرون عليها.
وكان العالم توقف طويلا عند طبيعة الإجراءات المطلوبة لتجفيف منابع تمويل الإرهاب، والتي بلغت ذروتها مع الإجراءات التي اتخذتها الدول الداعية لمكافحة الإرهاب، الإمارات ومصر والسعودية والبحرين، ضد النظام القطري الذي ما زال يلجأ إلى أساليب ملتوية للالتفاف على كل الحقائق المثبتة، وراح يتخبط في سياسته العمياء، حتى عادى الأشقاء وتحالف مع الأعداء.
ورأى بعض الخبراء أن التجارة في المواد المخدرة ، هي المنبع الأول لتمويل تلك الجماعات، فضلًا عن المنابع الأخرى، فيما أطلقوا عليه اسم "الاقتصاد الأسود"، الذي يعتبر عاملًا أساسيًا من عوامل هدم الدول وكسر الأمن الاجتماعي، وإخراج الدولة من منظومة الاقتصاد الرسمي إلى الغير رسمي، بحيث تكون هناك أموالًا مرئية لكن ليست في موقعها الحقيقي السليم، ويجعل المواطنين يشكون من الفقر، واختناق الدولة بطريقة ليست مفهومة.
وأكد الخبراء، أنه بدون مواجهة سلاح المواد المخدرة بأنواعها المختلفة، الذي يُعد سلاحًا خطرًا، كسلاح الشائعات، هو نوع من أنواع استنزاف الناتج القومي للدولة، لتتحول من دولة مؤسسات إلى دولة أفراد او جماعات تتحكم بها، أو من خلال ما يسمى بالجمعيات أو المراكز البحثية، وفي بعض الأحيان يُطلق عليها منظمات حقوقية.
وأكد مركز بصيرة الذي أعلن من خلال تقريره الصادر عن الفترة الزمنية من 2014 وحتى نهاية 2016، أن حجم تجارة المواد المخدرة في مصر بلغ نحو 400 مليار جنيه، وهو ما يُمثل نحو 50% أو 51% من إجمالي الناتج القومي للدولة.
وقال اللواء طيار هشام الحلبي، المستشار في أكاديمية ناصر العسكرية، وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية، إلى "مصر اليوم" بشأن توافق هذه الأرقام مع الأرقام الصادرة عن بيانات القوات المسلحة في الفترة الماضية بشأن العملية الشاملة سيناء 2018، وما سبقها من عمليات تواجه الإرهاب بأشكاله المختلفة، وأسلحته المتنوعة، وأنظمته وأجهزته التي تحاول ضرب استقرار هذه الوطن "إن سلاح المواد المخدرة وبأنواعه المختلفة لا يقل خطورة عن سلاح الشائعات، مشيراً إلى أن الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة، راحت تغير من تكتيك وأسلوب تعاملها مع مصر كهدف استراتيجي لها.
وأوضح "الحلبي" أن هذا قطاع المجتمع المدني، لم يتفهم طبيعة التحديات التي تغيرت أشكالها بسرعة، وباتت تتطلب تغير في سلوك الدولة المستخدم للتصدي للصراعات والتهديدات الجديدة، وتفادي نطاق الاختراق الحديثة، التي تستهدف مراكز الثقل داخل المجتمع في شكل معروف هو الترويع وإثارة الذعر الذي يتم التعامل معه، وذلك بعدما فشلت في النيل من القوات المسلحة.
وأشار مستشار أكاديمية ناصر العسكرية، إلى أن مركز ثقة الدولة وقوتها في مصر تمثل نحو 60 مليون فرد، مقسمة لشريحة من 15 لـ 39 سنة وهم أكثر من 40 مليون نسمة، وهي تمثل شريحة مهمها لأن منها تستمد القوة المنتجة، وقوة تجنيد الدولة، وأخرى من 40 لـ 64 سنة، تقترب من حوالي 20 مليون نسمة، وهذه الفئة هي رمز طاقة العمل في الدولة، لافتًا إلى أنه بعد نجاح الدولة في التصدي لمرض فيروس سي، والأمراض الخطيرة الأخرى، بدأ العدو يُفكر في المواد المخدرة كسلاح لاستهداف الدولة، بداية من الفئة العمرية الأقل من 15 عاماً، باعتبارها عنصر القوة القادم.
وأوضح الحلبي، أنه في عام 2017 تمكنت القوات المسلحة وقوات حرس الحدود من ضبط 118 طن بانجو، و17 طن حشيش، وأكثر من 32 مليون قرص مخدر، بالإضافة إلى 413 كيلو جرام كوكاين وأفيون وهيروين، وإحكام السيطرة على 175 فدان زراعات مخدرة، وفي 2018 تحت إطار العملية الشاملة استطاعت مصر في أقل من 5 أشهر، أن تقضي على 320 مزرعة المواد المخدرة ت، وضبط 70 طن مواد مخدرة جاهزة للتداول والاتجار، وإحباط مخطط العبور بمصر من دولة تعاطي فقط، إلى القضاء عليها ومحو طبيعتها.
وقال اللواء مختار قنديل الخبير العسكري إلى "مصر اليوم"،"إن التنظيمات الإرهابية تحاول الاستمرار وفرض بقائها على الأرض، دون استسلام، باحثة عن مصادر تمويل جديدة وثابتة، ووجود الأموال اللازمة لإغراء عناصره وتوفير السلاح لتنفيذ عملياته الإرهابية لذا لجأ لتجارة المواد المخدرة .
وأضاف قنديل أن التحقيقات في معظم القضايا سواء المتعلقة بالإرهاب، أو العصابات الإجرامية وتجار الالمواد المخدرة ت، كشفت عن أن عدداً من عناصر التنظيمات الإرهابية يتمتع بعلاقات جيدة مع مهربي المواد المخدرة والذين كانوا يتولون تهريب الأسلحة لهم قبل ذلك، والعكس.
وتابع أن "التنظيم اعتمد خلال الفترة الماضية على المواد المخدرة كمصدر من مصادر التمويل نظرا لنجاح أجهزة الاستخبارات المصرية والدولية في تعقب مصادر التمويل الرئيسية، مشيراً إلى أن حالة التفكك التي لحقت بهذه الجماعات في سوريا والعراق دفعت عناصر سيناء إلى البحث عن مصادر تمويل جديدة".
وأوضح الخبير العسكري، أن الطبيعة الجغرافية لمنطقة الأوسط بشمال سيناء التي يتواجد أغلب بؤر التنظيم تسهل لهم عملية استزراع المواد المخدرة بعيداً عن أعين الشرطة والجيش، الأمر الذي استطاعت القوات المسلحة تفاديه والسيطرة عليها، وعرقلة مسيرته.
وقال أحمد بان الباحث والخبير في شؤون الحركات المتطرفة إلى "مصر اليوم"، "إن الطبيعة الجبلية تجعل من السهل تهريب السلع، هذا بالإضافة إلى أن الجماعات تستخدم التخدير لعناصرها قبل تنفيذ العمليات، فضلاً عن التخطيط لاستهداف شريحة الشباب بفئاته المختلفة ليعمل في مسار متوازي مع مسار العمليات الإرهابية المدمرة".
وأشار بان إلى أن تجارة هذه الجماعات في المواد المخدرة ، هي بمثابة عمليات تفنن غير نمطية للسيطرة على الشباب القادمين على تنفيذ عمليات انتحارية، بالإضافة إلى عملية التجارة لكسب المال ودعم مصادر التمويل.
ولفت إلى أن داعش سيناء بدأت بالفعل منذ أشهر عدة البحث عن عناصر تمويل جديدة لتمويل عملياته الإرهابية، مؤكدًا أنه على رأس هذه المصادر تهريب المواد المخدرة باعتبار أن استزراع المواد المخدرة وتروجيها كمصدر آمن للتمويل بالنسبة للتنظيم في سيناء.
وأوضح الباحث في شئون الحركات المتطرفة، أن هناك اختلافًا عقائديًا داخل تنظيم داعش، بشأن عمليات تهريب الالمواد المخدرة ت، إلا أنهم يلجأون إليها كما لجأ لها تنظيمات مثل القاعدة في أفغانستان من أجل فك الضغط عنه وتقويض مصادر تمويله، ووفقًا للتقارير الصادرة عن منظمات دولية، فإن عوائد "داعش" تصل إلى ما بين مليون إلى ثلاثة ملايين دولار في اليوم الواحد، من الأنشطة المشبوهة.
وقال مختار الغباشي المحلل السياسي ونائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى "مصر اليوم"، "إن تجارة المواد المخدرة أو تصنيعها أو بين السلاح أو خطف أسرى وطلب فدية، يعتبر جزءًا أساسيا من حياة التنظيمات الإرهابية، لأنهم من خلالها يستطيعون أن يؤسسوا حياتهم عن طريق الأموال التي تأتي لهم من تجارة الالمواد المخدرة ت.
وأكد غباشي، أن أموال المواد المخدرة تأخذها التنظيمات الإرهابية وتصرف بها على العناصر الإرهابية التابعة لها وتعد لها العتاد وتشتري لهم الأسلحة، إضافة إلى ذلك تقوم بتدريبهم بها.
وأشار نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إلى أن عام 2018 هو أحد النقاط المهمة على الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة كافة، والتي قامت خلاله قوات إنفاذ القانون بالتعاون مع القوات المسلحة، بعزل الإرهاب الموجود في مصر عن الخارج، كما استطاعت إحكام السيطرة على سيناء.
وقال الدكتور إبراهيم عسكر مدير عام البرامج الوقائية لصندوق مكافحة الإدمان، في تصريحات خاصة إلى "مصر اليوم"، "إن المسح القومي لقضايا تعاطي المواد المخدرة والإدمان، كشف عن أن نسبة التعاطي وصلت لـ 10.4% من حجم التعاطي لفئة من 15 لـ 65 سنة، وهو ضعف المعدل العالمي للتعاطي في الدول التي تصل فيها النسب لـ 5 % وأقل، مشيراً إلى أن سلاح المواد المخدرة والاتجار بها، من أهم أسلحة هدم الدول .
وحذر عسكر من تضاعف النسبة لأرقام أخرى، خاصة وأن حجم تعاطي المواد المخدرة لطلاب المدارس في أعوام سابقة وصل لـ 7.7 % من حجم التعاطي ، أغلبهم طلاب المرحلة الثانوية الصناعية والتجارية، وفي أغلب محافظات الجمهورية، وهو ناقوس الخطر الذي يهدد المستقبل.
وأوضح مدير عام البرامج الوقائية لصندوق مكافحة الإدمان، أن الصندوق يعمل على إحداث تغيير في خريطة الوقاية من التعاطي والإدمان، ومواجهة كافة المستجدات، خاصة وأن هناك مصنفات جديدة كشفتها الدراسات التي أجريت على المدارس في محافظة، حيث جاءت في المرتبة الأولى محافظة بورسعيد بنسبة 15 %، كأعلى نسبة بين المحافظات.
وأكد عسكر بشأن أكثر المواد المخدرة استهلاكًا وتداولًا، "أن مخدر الترامادول، هو أكثر المواد انتشاراً وذلك لسهولة استخدامه وحمله، والتصور الخاطئ بأنه مصدر للطاقة وزيادة معدلات التركيز، وهذه أفكار خاطئة، وبعض المعتقدات لدى الطلبة الغير صحيحة مثل أن البانجو والحشيش ليست إدمان، وهو ما يشكل خطورة أكبر".
وكشف عسكر أن نسبة تعاطي الهيروين في مصر وصلت إلى نحو 25.6%، ووصل تعاطي مخدر الترمادول لـ 51.8%، بينما سجل المخدر الحديث "الاستروكس" نسبة تعاطي نحو 4.3%، و23.3% نسبة تعاطي لمخدر الحشيش.
أكد الدكتور مصطفى السيد رئيس إدارة التفتيش الصيدلي في وزارة الصحة إلى "مصر اليوم" أن المواد المخدرة هي سلاح من أسلحة هدم الدولة، لكسر المجتمع واستهداف العادات والتقاليد، بممارسات غير مألوفة وغير مقبولة، وهي أحد الأسلحة القوية لإستهداف مصر من خلال المجتمع، الذي تسعى القوى الخارجية لتقسيم جيله من خلال استهداف هذه الشرائح العمرية الهامة في الوطن.
وأوضح رئيس إدارة التفتيش الصيدلي في وزارة الصحة، أن الإدارة تحاول من مراقبة الأسواق والصيدليات، الوقوف على مكونات الأنواع الجديدة من المواد المخدرة، مثل الاستروكس والفودو، لوضعها على جداول المحظورات، ووأد مصادرها وانتشارها، مساهمة في دور الدولة في الحفاظ على أمنها القومي.
وأوضح السيد، أن هذه المركبات التي تتكون منها الفودو والاستروكس والآنواع الجديدة، هي عبارة مركبات كيمائية لنسبة مختلفة من 500 نوع من الأدوية العادية الموجودة في الأسواق، ويتم خلطها ليكون هناك منتج جديد، يعطي هذه النتائج، مشيراً إلى أن هناك 6 مواد جديدة تم التوصل إليها، وقامت الإدارة برفع مذكرة بهم إلى وزير الصحة، ولجنة السياسات العامة للدولة، لتتبعها وإلحاقها بالجداول، من خلال اللجنة الثلاثية ولجنة الطب الشرعي.
وتابع "هناك مخططات بالفعل تستهدف تحويل الدولة من دولة مؤسسات لدولة أفراد يتحكمون بها أو من خلال بعض المراكز البحثية، من خلال هذا الاقتصاد الأسود الذي يستنفذ ثروات الدولة لإسقاطها في إيديهم".
أرسل تعليقك