تعد صناعة الدواجن من الصناعات المهمة، التي تعتبر أمل مصر في زيادة نصيب الفرد من البروتين الحيواني، فلحوم الدواجن تُعد من أرخص أنواع البروتين، وأغلاها قيمة.
وعلى الرغم من ذلك إلا أن صناعة الدواجن يحيط بها العديد من المشكلات، خاصةً في ظل فشل الحكومات المتعاقبة في التعامل مع الأزمات التي يمر بها هذا القطاع الحيوي، منذ ظهور فيروس أنفلونزا الطيور لأول مرة في مصر في شباط/ فبراير 2006.
وشهدت أسعار الدواجن خلال السنوات الماضية، ارتفاعًا ملحوظًا، خاصًة الحية، وفقًا لما أكده الدكتور عبد العزيز السيد رئيس شعبة الدواجن بالاتحاد العام للغرف التجارية، والذي أرجع ارتفاع الأسعار إلى ثلاث أسباب:
الأول، هو ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج، وعلى رأسها العلف، الذي زاد سعره بنسبة 50%.
السبب الثاني، أكده عبد العزيز أنه يرجع إلى نقص اللقاحات والأمصال اللازمة للقضاء على الأمراض الوبائية والمستوطنة، فلا أحد يتصور أن مصر تستورد 98% من اللقاحات وتنتج 2% فقط، وهي النسبة التي زادت مؤخراً إلى 7% بعد دخول شركة ثالثة تعمل في مجال إنتاج اللقاحات، وهي نسبة ضئيلة في ظل وجود الكفاءات القادرة على إنتاجه محلياً.
والسبب الثالث، يرى رئيس شعبة الدواجن أن آخر هذه الأسباب هو عدم هيكلة صناعة الدواجن حتى الآن، حيث أكد على ضرورة ترخيص المزارع القديمة، حتى يكون عليها رقابة وإشراف وتوجيه، مع ضرورة إنشاء قاعدة بيانات لحصر المزارع العشوائية.
ولفت عبد العزيز إلى أهمية استغلال المخلفات الزراعية في إنتاج الأعلاف غير النمطية، والتي يصل نسبة الفاقد منها إلى 40 مليون طن، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض أسعار الأعلاف، ومن ثم زيادة إنتاج الثروة الداجنة لسد الفجوة التي تمر بها الأسواق وخفض نسبة الاستيراد من الخارج لتوفير العملة الصعبة.
فوضى اللقاحات
ويقول الدكتور محمد الشافعي نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن "إن التحليل الغذائي للحوم الدواجن أثبت أن نسبة البروتين فيه تصل إلى 20.6 مقارنةً باللحم الكندوز الذي تصل فيه النسبة إلى 16.4 وهو ما يوضح الأهمية الغذائية للدواجن كمصدر قوي ورخيص للبروتين، فالكيلو من لحم الأبقار يحتاج من 6 : 7 كجم من العلف، بينما يصل في الدواجن إلى 1.8 كجم من العلف. وكذلك يتميز معدل النمو في الدواجن بالسرعة، حيث تصل نسبة الزيادة اليومية في نمو الدواجن إلى 2.8 بينما في العجول 0.2".
وأكد الشافعي أن إنتاج مصر من الدواجن يمثل فقط نسبة 23% من إنتاج الدواجن في الوطن العربي، وتعتبر مصر أكبر الدول العربية إنتاجاً في هذا القطاع بحوالي " 3600 طائر/ كم المربع"، مضيفًا أن عدد العمالة في هذا القطاع حوالي 2 مليون عامل، يعولون حوالي 6 مليون فرد، أي بنسبة من 6 : 7% من إجمالي السكان.
وحذر الدكتور محمد الجارحي الخبير البيطري وكيل وزارة الصحة السابق، من التربية العشوائية للدواجن في مصر، في ظل انتشار فيروس أنفلونزا الطيور الذي بدأ في الظهور بالعالم في أكتوبر من عام 2002، قبل أن يصل إلى مصر في 17 شباط/ فبراير 2006، ويتسبب في خسارة 273 مليون جنيه، نتيجة لإعدام 15 مليون طائر، بالإضافة لبيض التفريغ والكتاكيت، كما تسبب أيضًا في توقف أصحاب المزارع المقترضين من الصندوق الاجتماعي عن سداد القروض، وزايد من أعداد المتعطلين عن العمل.
ويرى الجارحي أنه على الرغم من الجهود المبذولة لمكافحة المرض، إلا أن تحور المرض منذ 2009 تسبب في إغلاق العديد من المزارع، ونفوق من 15: 30% من القطيع الداجني، خاصةً التسمين من عمر 15 : 22 يوم، وهي مرحلة البيع.
وأضاف أن مزارع الدواجن المصرية تواجه نقصًا شديدًا في نظم الأمان الحيوي لمواجهة الأمراض، وأن السبب الرئيسي في انتشار هذه الفيروسات وعلى رأسها مرض الالتهاب الشعبي المعروف باسم "الآي بي"، هو فوضى استخدام اللقاحات والتحصين، مقترحًا حلول عدة تسهم في الخروج بصناعة الدواجن من هذه الكبوة، مثل ضرورة الإسراع بنقل المزارع إلى الظهير الصحراوي بعيداً عن الأماكن كثيفة الأنشطة الحيوية، وإتباع الأبعاد الوقائية، وكذلك الالتزام بالأمن الحيوي، والرقابة على نقل الطيور الحية بين المحافظات، ومنع الاستخدام العشوائي للقاحات البيطرية حيث يوجد أكثر من 32 لقاح لأنفلونزا الطيور، وأكثر من 92 لقاح للنيو كاسيل.
استيراد المجزءات
وقال المهندس أسامة البوهي أحد أصحاب المزارع "إن مصر تنتج حوالي مليار كتكوت سنويًا، مؤكدًا أن صناعة الدواجن من الصناعات كثيفة العمالة، حيث يعمل بها 2 مليون عامل في مختلف أنشطتها، وتبلغ الاستثمارات في هذا القطاع أكثر من 25 مليون جنيه، موزعة على قرى مصر، حيث لا يوجد قرية ليس بها استثمار داجني، نظراً لأنها تمثل استثمارا أساسياً لصغار المستثمرين.
وأشار فريد بشأن استهلاك الفرد من الدواجن في مصر، إلى أنه يعتبر منخفض لدرجة كبيرة، فهو يتراوح مابين 10 : 12 كجم للفرد، وإذا ارتفع يصل إلى 20 كجم للفرد لتصبح مثل بعض الدول الأفريقية، فيعني ذلك أن الصناعة من الممكن أن تتضاعف اسثماراتها.
ويرى الدكتور محمود العناني رئيس مجلس إدارة إحدى شركات الدواجن، أن صناعة الدواجن والصناعات الزراعية يتم دعمها وحمايتها في الدول الأجنبية بطرق مختلفة، مثل الإجراءات الحمائية الفنية وفرض الجمارك على المنتجات عندما تتعارض مع مواسم الإنتاج المحلي، وتدعم التصدير، والأمر نفسه يحدث في بعض الدول العربية مثل السعودية التي تدعم تكلفة إنشاء المشروعات، وتتحمل جزء كبير من ثمن الأعلاف.
وأشار العناني إلى أن منظمة التجارة العالمية أقرت نسبة الحماية لصناعة الدواجن في مصر بـ 82%، بينما قامت الحكومة المصرية قبل الثورة بتخفيض الحماية إلى 32% ثم إلى 30% طوعياً بعد أنفلونزا الطيور، لافتًا إلى أنه يتم التحايل على هذا القرار بطرق كثيرة منها تخفيض ثمن الفاتورة أو الاستيراد من دول بيننا وبينها اتفاقيات إعفاء جمركي ويتم تغيير شهادة المنشأ.
وأكد العناني أنه من وقت إلى آخر يتم الحديث عن استيراد المجزءات، والتي تعتبر مخلفات في بلادها ويصعب تحديد مصدرها، وبذلك لا تعتبر مذبوحة إسلاميًا، وتقاومها جميع الدول لحماية صناعتها الوطنية.
أنفلونزا الطيور
وقالت الدكتورة سهير عبد القادر استشاري قومي بمنظمة الأغذية والزراعة "فاو"، بشأن دور الطب الوقائي في تعافي صناعة الدواجن "إن أنفلونزا الطيور الشديدة الضراوة تشكل حوالي 15% من المسببات المرضية، بينما يمثل الالتهاب الشعبي المعدي حوالي 45%، والنيو كاسيل 25%، وباقي المشاكل الفيروسية والبكتيرية 15%، ويتم تطبيق استراتيجية مكونة من ثلاث مراحل للتعامل مع أنفلونزا الطيور، المرحلة الأولى هي التحكم والسيطرة، بينما المرحلة الثانية هي الثبات، والثالثة القضاء النهائي على المرض".
وأضافت عبد القادر أن الخطة التنفيذية الحالية تعتمد على محاور رئيسة هي، تطبيق الأمان الحيوي عن طريق منع إصابة الطيور وحماية البيئة المحيطة عند حدوث الإصابة، وكذلك الرصد المبكر للمشكلات المرضية بالتقصي، وأخيرًا الاحتواء السريع بواسطة فرق الاستجابة المكونة من طبيب الإعدام وطبيب البحث الوبائي وطبيب التوعية والإرشاد، مشيرة إلى أن هناك مجموعة من التحديات تواجه هذه الصناعة أهمها عشوائية ما لا يقل عن 70% من مزارع قطاع التسمين.
ويرى الدكتور مجدي القاضي أستاذ أمراض الدواجن وعميد كلية الطب البيطري بجامعة بني سويف أن مرض أنفلونزا الطيور شديدة الضراوة "H5N1 " من الأمراض الفيروسية الخطيرة المؤثرة على صحة الإنسان، وكذلك على الاقتصاد القومي، ويعيق خطط التنمية في مجال تطوير صناعة الدواجن، حيث يوقف تمامًا فرص التصدير ويسبب عجزًا في نصيب الفرد من البروتين الحيواني.
وأضاف القاضي أنه قبل دخول المرض إلى مصر في شباط/ فبراير 2006 كان هناك أسباب عدة ساهمت في تفاقم المشكلة أهمها "الهستريا الإعلامية" عن المرض بشكل مبالغ فيه، والتي أدت إلى امتناع الكثيرين عن شراء الدجاج، وهو ما تسبب في خسائر فادحة للمربين، بالإضافة لعدم وجود خطة طوارئ لاحتواء المرض في حالة ثبوته في ظل عدم توافر البيانات الإحصائية اللازمة لمزارع الدواجن، وكذلك عدم توفر المخزون اللازم من لقاح " vaccine bank " لاستخدامه في وقت الحاجة إليه.
وأضاف القاضي "أن صناعة الدواجن حتى الآن ما زالت عشوائية، وهو ما ساعد على انتشار أنفلونزا الطيور وتوطنه في مصر بشكل كبير، فالمزارع البدائية منتشرة داخل الكتلة السكنية، وبالقرب من بعضها، ووسائل النقل التي تحمل الدواجن للتجار تفتقر إلى أقل قواعد الأمن والأمان الحيوي، والأخطر من ذلك التخلص غير الصحي من الطيور النافقة والفرشة (السبله)، وعدم توافر مجازر دواجن بشكل يستوعب الطاقة الإنتاجية، حيث أنها لا تستوعب أكثر من 20% من حجم الإنتاج".
وأكد القاضي بشأن الوضع الراهن للمرض "أن هناك انتشار صامت وإكلينيكي للعدوى بين القطعان، على الرغم من التقارير الرسمية، فهناك عدوى صامتة في كثير من القطعان، بمعنى وجود علامات مؤكدة للمرض ولكن بدون أعراض إكلينيكية ظاهره، ولا يتم تأكيد الإصابة إلا بالفحوص المعملية".
لقاحات محلية
وحمل الدكتور زكريا حداد أستاذ الاقتصاد الزراعي، مسئولية تدهور صناعة الدواجن للهيئة العامة للخدمات البيطرية، لتقاعسها عن دورها في وقف انتشار فيروس أنفلونزا الطيور، نتيجة تواطأ بعض الأطباء البيطريين - فيما سبق - مع أصحاب بعض المزارع، وحصولهم على أموال، مقابل إثبات سلبية نتائج فحص عينات الدواجن المصابة بالمرض.
ودعا إلى ضرورة ضخ موارد مالية من الدولة، والاتحاد العام لمنتجي الدواجن، في معهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية للمساهمة في إنتاج لقاحات محلية الصنع كبديل عن اللقاحات المستوردة، والتي لا تتعدى كفاءتها 45% وفقاً للتقارير الواردة من الجهاز المركزي للمحاسبات.
أرسل تعليقك