تظهر الأرقام التي أوردتها تقارير رسمية حكومية في مصر، تراجع مقدرات الثروة الزراعية في البلاد، وسط تراكم مشكلات تحاصر الفلاحين تؤثر على جودة الأراضي والبذور، وبالتالي تحميل المواطن أو المستهلك النهائي أعباء غير مسبوقة.
وفي هذا الإطار، تواصل "مصر اليوم"، مع خبراء ومتخصصون لشرح ما تعانيه الزراعة في مصر والمطلوب لاستعادة عافيتها مرة أخرى.
وأظهر تقرير حديث للمركزي للتعبئة والإحصاء المصري، أن إجمالي المساحة المحصولية المزروعة خلال عام 2015/ 2016، بلغت 15.8 مليون فدان، مقـابل 15.6 مليون فدان عام 2014/ 2015، بزيادة بلغت نسبـتها 1.1%، أي زيادة بنحو 200 ألف فدان فقط خلال عام كامل.
وقال نائب وزير الزراعة الأسبق، محمد عبد التواب، إننا بحاجة إلى ضبط عدة نقاط، خاصة بالمنظومة الزراعية، والتي تعتمد عليها البلاد فيما لا يقل عن 50 % من مختلف شؤونها وقطاعاتها ومنتجاتها، فلابد أن نلجأ للمحاصيل الإستراتيجية، التي تحقق استدامة في الاستفادة من المحصول، مع الحفاظ على الأرض الزراعية، مع تلبية احتياجات السوق الداخلية والخارجية، بحيث لا نركز فقط على منتجات استهلاكية، وإنما أخرى للتجارة والاستفادة الاقتصادية.
وأضاف لـ"مصر اليوم"، "لدينا مفتاحين للنجاح في منظومة زراعية رائدة، أولا الالتزام الجاد بالمعايير العالمية المستقر والمتعارف عليها للزراعة، ثانيًا، اللجوء إلى تعزيز مخرجات البحث العلمي، من خلال الاستفادة الفائقة من أحدث نظم زراعية وبحوث متقدمة في هذا الصدد، اللجوء دائمًا إلى آخر ما يجود به العلم في هذا الصدد، ما يحقق استفادات عديدة تواكب أحدث ما يظهر في دول العالم المتقدمة.
وأختتم أنه علينا النظر جيدًا إلى احتياجاتنا الداخلية، وموائمة ذلك مع المساحات المنزرعة، علينا من أجل تقليل الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج، أن نتوسع أفقيًا باستصلاح مساحات زراعية بوتيرة أعلى مما نحن عليه، وسيساعدنا في ذلك رغبة صادقة لدى القيادة السياسية، التي تدرك جيدًا مخاطر الزيادة السكانية التي تتخذ شكل الانفجار السكاني، وتقدر أهمية وفائدة مشاريع الاستصلاح الزراعي الضخمة.
وانتقد أحمد الخطيب، أستاذ الاقتصاد الزراعي في مركز البحوث الزراعية، القرارات والإستراتيجيات الحكومية في هذا الصدد، قائلًا إن سياساتها تؤدي إلى إلحاق الخسارة بالزراعية المصرية، ورفع أسعار مدخلات الزراعة، مما يؤدي إلى رفع تكاليف الإنتاج، بخلاف ارتفاع تكاليف الري والحصاد، ما أرهق ميزانية المزارعين بشكل غير مسبوق، وهو ما وصل في النهاية إلى تحميل الأسر المصرية إلى مزيد من الأعباء، ليوصي الحكومة بسرعة تبني الأفكار الجديدة، وتحديدًا فيما يخص القمح، الذي قال أنه بمثابة أمن قومي لمصر.
وطالب الخطيب بإجراءات سريعة لتحسين المنتج الزراعي من ناحية، وإلحاق ذلك بإجراءات رادعة صارمة للتصدي لطبقة جديد،ة ظهرت من المحتكرين للسلع الزراعية، وهو ما ظهر في أزمة البطاطس الأخيرة، ومن قبلها الطماطم وغيرها من المحاصيل والفاكهة، مشيرًا إلى أن أسرع الطرق لإحداث المواطن المصري باسترداده عافية الزراعة التي كان يجيدها أجداده من آلاف السنين، هو إقرار سياسات جديدة خاصة بتسعير الأرض، ليبدأ من بعد ذلك كل شيء في المنظومة الزراعية، الاتجاه نحو الاستقرار والنمو والزيادة.
وتوصل "مصر اليوم" أيضًا، مع عبد الباسط جاد الحق، أحد العاملين في الزراعة منذ خمسة عقود في محافظة القليوبية، وقال إن الأحوال على أرض الواقع، تشير إلى وجود أزمات مستعصية منفصلة عنها الحكومة، قال أنه قديمًا كانت الزراعة مورد هام جدًا، ويضخ الكثير من الأموال في جيوب المواطنين، وبالتالي ينعش الاقتصاد، أما الآن فهناك علاقة واضحة بين تدهور القطاعين الزراعي والاقتصادي، تداعى هذا لذاك، مشيرًا إلى أن صدى القرارات التي يتم اتخاذها منذ العام 2005، لا تخلف إلا السلبيات فقط على الفلاح وعلى أحوال الزراعة.
وتابع جاد الحق، أن الفلاحين أرهقوا من كثرة المطالبات بإنقاذ جودة الأطيان والأراضي، والبذور التي توقف الاهتمام بنوعيتها، وفي المقابل لا يتم الكف عن لوم المواطن وتوصيته بالترشيد والتشديد عليه في ذلك، في الوقت الذي تعد الأسر في القرى والأرياف من أفضل ما يكون في التدبير وإدارة الموارد، ولكن في المقابل نريد استعادة الثروة الزراعية كما كانت في العقود الماضية.
وتعتبر مصر من أكثر دول العالم، استيرادًا لمحصول القمح والسلع الإستراتيجية الأهم، كما ستصبح مستوردًا كبيرًا للأرز بعد تقليص المساحات المزروعة بسبب استهلاكها كميات ضخمة من المياه.
وتُشير بيانات البنك المركزي إلى أن إجمالي القروض الموجه للقطاع الزراعي بالعملة المحلية والعملات الأجنبية من قبل البنوك باستثناء البنك الزراعي، سجلت نحو 14.832 مليار جنيه بنهاية أغسطس/آب الماضي مقابل نحو 8.685 مليار جنيه بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2015، بزيادة نحو 70% خلال ما يقرب من 3 أعوام .
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عقد آخر اجتماعاته مع رئيس الحكومة ووزير الزراعة، منذ أيام، وقد وجهه خلال الاجتماع بتحسين عمل وزارة الزراعة في جميع القطاعات، مع استعراض ما تم من إنجازات خلال العام الجاري ،2018 وأهم التحديات القائمة وكيفية التغلب عليها، وذلك في إطار توجيهات مكثفة بإنشاء مجتمعات زراعية جديدة لزيادة إنتاج المحاصيل، وكذلك التوسع في إقامة مشاريع للإنتاج الحيواني والسمكي.
أرسل تعليقك