بدأت قصة الاهتمام بالدراجات الهوائية كرياضة أو وسيلة مواصلات فى مصر، بعد ظهور الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أكثر من مرة مستقلًا دراجته الهوائية، ونُشرت صورته على الصفحات الأولى للجرائد والمواقع الإخبارية، ليسير على طريقته عدد من الشباب، ويؤسسوا مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعى لتنظيم رحلات أسبوعية صباحية، تُشجع على ممارسة الرياضة، فيما أخذها البعض وسيلة للمواصلات.
وأطلقت وزارة الشباب والرياضة مبادرة “دراجة لكل مواطن”، لتغيير ثقافة الانتقال اليومى للمواطنين، وتحسين لياقتهم البدنية، بعد اتفاق مع الهيئة العربية للتصنيع على تصنيع 100 ألف دراجة محلية الصنع، لكن تظل التحديات كبيرة لتغيير الثقافة المجتمعية، إلى جانب تحديات الطرق والبنية التحتية، وأمور أخرى يناقشها هذا الملف.
قبل نحو 5 أعوام، كان “عمر محمد” لا يتجاوز الثانية عشرة، يُحب ركوب الدراجات الهوائية باعتبارها هواية ومتعة يمارسها وقتما تسمح ظروفه، وبعد أن وصل للخامسة عشرة، قرر أن تكون وسيلة تنقله فى كل تحركاته، خاصة الدراسية، فأبلغ أسرته بوقف دفع اشتراك الحافلة المدرسية التى تقله يوميًا من مسكنه فى منطقة امتداد رمسيس بمدينة نصر، إلى مدرسته “المنارة الثانوية” بشارع مكرم عبيد، وقال لهم: “وفروا الفلوس دى أنا أولى بيها، هروح المدرسة بالعجلة خلاص”، ليلاحظ بعد قراره هذا أنه لم يخدم أسرته فقط بتوفير المبالغ التى كانت تدفعها لركوبه الحافلة المدرسية، بل اكتشف توفيره للوقت أيضًا، يضيف: “كنت بروح بالباص فى نص ساعة، ولما ركبت العجلة بوصل فى ربع ساعة بس، يعنى وفرت نص الوقت، لأن الباص بيقف كل شوية ينزل ده ويركب ده، ويقف فى الزحمة”.
اقرأ أيضًا:
انطلاق ماراثون الدراجات الهوائية في محافظة أسيوط
"عمر" وفر اشتراك حافلته المدرسية بركوب الدراجة: "أنا أولى بفلوس الباص.. وبمارس الرياضة كمان"
حياة “عمر” تغيرت منذ قراره اتخاذ الدراجة الهوائية وسيلة للمواصلات قبل نحو عامين، وهو الآن فى عمر الـ17 عامًا، اعتاد على قطع مسافات طويلة، والذهاب إلى أى مكان يقصده داخل مدينته بالدراجة، ولم يعد بحاجة للذهاب إلى النوادى وممارسة الرياضة أيضًا، لأن ذهابه وإيابه اليومى للمدرسة أو لزيارة أحد أصدقائه، يعنى أنه أحرق سعرات حرارية توازى ممارسة أى نشاط رياضى، ككرة القدم أو غيرها، يتابع: “المشوار بتاعى كأنى كنت باتدرب وبحرق السعرات الحرارية اللى فى جسمى، وبتشد جسمى وعضلاتى”.
لم يفكر “عمر” فى ترك الدراجة بعدما اعتاد عليها، ويرى أنها الوحيدة التى تساعده على تحسين صحته، خاصة مرض الضغط الذى ورثه من أسرته، يقول: “أنا مريض ضغط بالوراثة، وطبعًا بحس إن العجلة دى اللى بتظبط لى الضغط شوية، وكلها فوايد، أنا بحارب مرض الضغط بالعجلة”، واصفًا مبادرة “عجلة لكل مواطن” بالجيدة، متمنيًا الاهتمام بها من الناحية الإعلامية والحكومية لتحقق نجاحًا على أرض الواقع، وألا تكون ضمن المبادرات التى تظهر فجأة وتختفى مع الوقت، موضحًا ضرورة أن تحصل المبادرة على اهتمام من الجهات التى تقدم الخدمات، لتشجيع المواطنين على ركوب الدراجات، مطالبًا بتنظيم حارات لراكبى الدراجات فى الشوارع، لحمايتهم من السيارات، ويشير إلى أن مجموعات الدراجات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعى، صباح كل جمعة، أحد الأسباب التى تشجع الشباب والكبار على ركوب الدراجة، وبمثابة البداية لمن قرر جعل الدراجة وسيلة مواصلاته الوحيدة، قائلًا: “الناس فى البداية بينزلوا فى مجموعات وما يبقوش خايفين لأنهم مع بعض، وده بيكسر رهبة الشارع، وبعد كده الواحد فيهم بياخد على الشارع ويروح مشاويره لوحده، وجروبات العجل اللى على الفيس بوك بتكون دايمًا البداية”، مشيدًا بالمبادرة التى أطلقتها محافظة القاهرة العام الماضى بعنوان “سكتك خضرا”، وتخصيص “بارك” صغير للدراجات عبر نصب أعمدة حديدية قصيرة لربط الدراجات على الأرصفة بجوار الحدائق.
"ريم": نحتاج إلى تشجيع حكومى لترسيخ ثقافة ركوب الدراجات.. وانتقادات الناس لركوب الفتيات ستنتهى مع الوقت
من جانبها، تشيد “ريم عصام”، 23 عامًا، من منطقة الهرم بالجيزة، تعمل فى شركة خاصة، بالمبادرة، حيث تُشجع المواطنين على ركوب الدراجات، مشيرة إلى أن الفكرة تحتاج لدعم إعلامى لكسر الحاجز الثقافى لدى المواطنين، وأن البعض يتعرض للحرج من ركوب الدراجات، خاصة الفتيات، وأنه من الضرورى تجاوز مرحلة العادات والتقاليد، حتى لو تعرضت الفكرة لانتقادات فى البداية، فمع الوقت ستنتهى بعد أن يعتاد الناس على مشهد الدراجات، ولن يصبح ركوب الفتاة الدراجة أمرًا مستغربًا، مطالبة بمزيد من التوعية والنشر الإعلامى عن فوائد ركوب الدراجات وأهميتها للصحة العامة، وكذلك من الناحية الاقتصادية والبيئية، وتضيف “ريم”: “المسئولية تقع على الحكومة فى تخطيط الشوارع، وإتاحة مسارات لراكبى الدراجات قبل البدء فى طرح الدراجات نفسها بأسعار مناسبة، وتشجيع الناس على ركوبها، منعًا للمخاطر الوارد حدوثها من أصحاب السيارات، وسيشجع ذلك الأهالى على أن يتركوا أولادهم وبناتهم يذهبون إلى المدارس الإعدادية والثانوية بالدراجات دون خوف”، وتستطرد: “لما الأهالى يلاقوا الحكومة مهتمة، وبتخطط الشوارع مش هيخافوا على ولادهم، وبعدين لازم عساكر المرور يأمنوا الطرق الخاصة بالعجل لمنع أى مضايقات للفتيات”، مطالبة بأن توفر الحكومة الدراجات للمواطنين بالتقسيط، وتستطرد: “أنا مستعدة أبدأ من بكره بس ألاقى فعلًا تحرك حقيقى، وحاجة ملموسة على الأرض”.
"رمضان": "السيارات لا تكترث براكبى الدراجات.. ولا بد من تخطيط مسارات خاصة" وقائد بـ"ستار بايك": نحتاج إلى تحديد مسارات وفرض قوانين وإشارات مرورية منظمة
ويقول “محمد رمضان”، 26 عامًا من المنصورة، موظف بأحد البنوك الحكومية، إن المبادرة جيدة من الناحية النظرية، لكن التحدى الحقيقى يكمن فى تنفيذها على أرض الواقع، فى ظل عدم وجود ثقافة ركوب الدراجات فى المجتمع، إضافة إلى عدم وجود مسارات خاصة بالدراجات، مشيرًا إلى أن إتاحة مسارات جديدة أمر صعب، لأن البنية التحتية غير مؤهلة لذلك، مضيفًا: “كنت بركب دراجة من 4 سنين، وتوقفت بعد تعرضى لحادث، واصطدامى بسيارة ما أسفر عن إصابتى بجروح متفرقة، والحادث يعود لاستهانة سائقى السيارات براكبى الدراجات، وعدم تنبيههم بالإشارات المرورية”، ويتابع: “الفكرة رائعة وتوفر فى الوقت، حتى أخويا كان بيركب العربية، وأنا العجلة، وساعات كنت أوصل المشوار قبله، يعنى بسابق العربيات فى الطرق، وطرق القاهرة كويسة وتشجع على ركوب العجل”، مشيرًا إلى أن ظهور الرئيس عبدالفتاح السيسى مستقلًا دراجة هوائية، شجع الكثير من الشباب والفتيات على تقليده، ويستطرد: “من ساعة ما الرئيس ظهر راكب العجلة شجع شباب وبنات كتيرة على كده، وناس كتير حبت الفكرة خاصة أنها مفيدة للصحة”، لافتًا إلى ضرورة مراعاة ذلك، بوضع مسارات للعجل، عند تخطيط المدن الجديدة.
ويشير “محمد عبدالعزيز”، 23 عامًا، أحد مؤسسى فريق “ستار بايك”، المتخصص فى تنظيم رحلات جماعية بالدراجات الهوائية، إلى حاجة سائقى الدراجات الهوائية لقانون مرور ينظم سيرهم فى الشوارع، واصفًا المبادرة بأنها “غاية فى الأهمية”، ولا توفر المال فحسب، بل تُحسن الصحة العامة، لأن الرياضة تقلل الإصابة بالكثير من الأمراض، والمبادرة ترقى لأن تكون توجهًا عامًا للدولة، موضحًا أنه ينظم مع زملائه رحلات صباح كل جمعة، لتشجيع المواطنين والشباب على ركوب الدراجة، قائلًا: “الفكرة كانت فى بداية الأمر تثير استغراب المواطنين، وبمرور الوقت أصبحت شيئًا عاديًا”، ويضيف “عبدالعزيز” قائد فى الفريق: “بدأنا تأسيس (الجروب) قبل عام 2015، وأعداد المشاركين زادت بمرور الوقت، خاصة المشاركة النسائية، وبنمشى فى شوارع كتيرة والناس بتبقى متعودة على رؤية المشهد ده، ومع الوقت الثقافة هتترسخ بس محتاجة مساعدة من الدولة بتحديد مسارات، وفرض قانون وإشارات مرورية للى بيركبوا عجل”، لافتًا إلى انتشار ثقافة ركوب الدراجة فى معظم المناطق، باستثناء المناطق الشعبية، حيث ما زالت تُثير استغراب الأهالى.
قد يهمك أيضًا:
انطلاق العد التنازلي لفعاليات سباقات الدراجات الهوائية في غلاسكو
أنباء عن وفاة نيكي هايدن بطل العالم السابق في الدراجات الهوائية
أرسل تعليقك