بغداد – نجلاء الطائي
تأسست مدرسة الموسيقى والباليه، أول مدرسة في الشرق الاوسط والوطن العربيّ عام 1968، بدأت باسم "مدرسة بغداد للموسيقى" أضيفت إليها الباليه عام 1969 وأصحبت المدرسة مدرسة الموسيقى والباليه، وأضيف إليها القسم الشرقي عام 1970، وتكاملت المدرسة وأقسامها عام 1971، وبدأ الطلاب بالتهافت عليها من أنحاء العراق كافة، ويكون قبولهم بعد اختبارهم، (أذن وسمع وذاكرة وإيقاع) لمعرفة إمكانيّة استجابة وتقبّل الموسيقى وتقبّلها.
ويحرس رجال الأمن بوابات المدرسة، فيما يدخل أطفال يحملون حقائب آلات الكمان، أو يرتدون تنورات قصيرات، ورغم وقوعها في منطقة خطيرة، (تقع بالقرب من مطار المثنى، وهو الآن قاعدة عسكريّة كانت هدفا لكثير من الهجمات الانتحاريّة وهجمات بقذائف المورتر التي يشنها مسلحون بين الحين والآخر)، يقول الطلبة وهم خليط من المسلمين، وكذلك المسيحيين، أنهم يجدون السلوى في المدرسة، بعيدًا عن المشاكل والهموم والصراع الطائفيّ.
فتقول ميديا سرمد، البالغة من العمر 14 عامًا، "كان جدي يعزف على آلة الكمان، لذا شجعتني أسرتي على أن أتعلم العزف عليها. أحب أن اعزف أعمال موتساتا، أريد الاستمرار في هذه المدرسة رغم الأوضاع السيئة، يوما ما أريد أن أكون مؤلفة موسيقيّة".
كما تشير بلسم عماد ذات العشرة الأعوام وهي ترتدي تنورة حمراء براقة وقميصًا أبيض، "عندما أدخل قاعة الباليه أنسى كلّ شيء عن الفوضى في الخارج. ويملأ الصوت الشجي لكمان جنبات أحد فصول الدراسة".
وفي قاعة الباليه يرقص الفتيان والفتيات أزواجًا يتدربون بأناقة على حركاتهم، فيما يوجههم المعلمون.
وقالت مديرة المدرسة ناجحة نايف، إنه "قبل الحرب كانت المدرسة تواجه مشكلة صعوبة قبول كلّ من يتقدم للالتحاق بها. ويضمّ المركز الآن 200 طالب، وما زال قادرًا على الاستمرار جزئيًا بفضل المعونات الأجنبيّة، وأضافت فقدنا الكثير من الطلبة الموهوبين".
وتكمل مديرة المدرسة ناجحة نايف الحديث وتقول إن المدرسة تعمل ومنذ تأسيها بشكل نظاميّ ولم تتوقف أبدًا، وخرّجت المدرسة أجيالًا كثيرة، ورفدت الساحة بالعديد من الفنانين والموسيقي. وفي عام 2009 تمّ افتتاح روضة الموسيقى والباليه حيث تقبّل الأطفال من أعمار 4 أعوام، وتعلمهم الموسيقى وحسب مناهج عالميّة منها منهج سوزكي، والذي يختصّ بتعليم الأطفال دون سن 6 أعوام للموسيقى وتأهيلهم لفرز الموهوبين منهم، لإكمال دراستهم في المدرسة، بعد أن يجروا اختبار يؤهلهم لدخول المدرسة حسب الضوابط المعمول بها.
وتشير نايف هنا الى منح كلّ طالب آلة موسيقيّة مناسبة له، حسب حجمه، وكلما كبر حجمه تتغيّر الآلة هناك لجنة مخصّصة لفرز طلاب الصف الأول الابتدائيّ وتصنفهم حسب الآلات، من خلال طول الاصابع والشفة.
وأكدت نايف ارتباط المدرسة ارتباطا مباشرًا بوزارة الثقافة (دائرة الفنون الموسيقيّة)، كما ترتبط بوزارة التربية من حيث الإشراف والمتطلبات المدرسيّة والأمور كافة التي تحتاجها المدرسة لتدريس المناهج التربويّة.
وعن أهم المشاركات قالت إن للمدرسة مشاركات عديدة في المهرجانات والفعاليات، خلال العام الدراسي والعطلة الصيفيّة.
كما أشارت إلى أنّ المدرسة تشكّل الجانب الثقافيّ والحضاري للعراق من خلال زيارة السفراء والملحقيات الثقافية لكل الدول، لافتة الى انقسام المدرسة الى ثلاث اقسام، هي الباليه والموسيقى الغربيّة والموسيقى الشرقيّة.
وأوضحت مديرة المدرسة أن المدرسة تتميّز عن بقية المدارس بكونها مختلطة من الابتدائية حتى اكمال الدراسة، وهذا يمنح الطلبة ثقافة أكثر وثقة كبيرة بالنفس بالتعامل مع كلا الجنسين، ويؤهله تربويًا قبل التخرج، مبيّنة أن الطالب يمنح شهادتين الأولى شهادة السادس العلمي، والثانية شهادة الدبلوم الفنيّ.
وأكّد بلال عوف 12 عامًا الذي يعزف على آلة المزمار، أن أسرته انتقلت من منطقة الدورة الخطيرة، بعد تلقي تهديدات بالقتل، وهو أمر شائع هذه الأيام، فيما يمزّق العنف الطائفي العراق.
وأردف "إذا لم نذهب إلى المدرسة وجلسنا في المنزل ستموت الثقافة العراقيّة. وتقول إيثار ماجد 8 أعوام، التي تعزف التشيللو، إنها أحيانًا تحتاج ساعات للوصول الى المدرسة، وتؤخرها متاهات نقاط التفتيش وأمتار من الأسلاك الشائكة التي تعجّ بها بغداد. يُحضرني أبي الى المدرسة. كنت خائفة من الانفجارات وإطلاق النار في البداية، لكنني اعتدت عليها مع الوقت. أحب عزف الموسيقى والانضمام لأصدقائي هنا".
وفي أيام مجدها كانت المدرسة توفد طلابها الى روسيا والمجر وتشيكوسلوفاكيا، في علامة على صلات الرئيس العراقي السابق صدام حسين الطيبة مع دول الكتلة الشيوعيّة السابقة.
وحضر أساتذة من دول أوروبا الشرقيّة لتدريس الموسيقى والباليه للطلبة العراقيين، لكنهم غادروا جميعًا بسبب الحرب والعقوبات في تسعينات القرن الماضي. ورغم صعوبات الحياة يقول الطلبة إنهم يحلمون بيوم ينضمون فيه الى الأوركسترا السيمفوني الوطنيّ العراقيّ أو يرقصون فيه أمام جمهور في مسرح بغداد القوميّ.
وأوضحت رولا فالح، البالغة من العمر 14 عامًا أنّها تحب الباليه، أنه المكان الذي أستطيع فيه التنفس.
وتعود فكرة تأسيس المدرسة لمجموعة من الفنانين العراقيين، في تلك الفترة، ومنهم الفنان الراحل عزيز علي، والأستاذ سعد محمود حكمت، وقد تمّت الاستعانة بعدد من الأساتذة المختصين من روسيا، للتدريس فيها وهذا منحها دفعة كبيرة للنجاح والتطور.
هذا وأعلنت بريطانيا تبرعها لمدرسة الموسيقى والباليه أكثر من 11 ألف دولار، لتمكين أكثر من 450 من أطفال العراق وشبابه "التعبير عن أنفسهم"، من خلال الموسيقى وتنمية صداقات مع زملائهم، عادة أن الموسيقى والرقص من "أوجه الجمال والمهارات".
وقالت السفارة البريطانيّة في بغداد، في بيان لها، إن "مسؤولين في السفارة حضروا احتفالاً للموسيقى والرقص في مدرسة الموسيقى والباليه في بغداد"، مبيّنة أنه كان "يومًا رائعًا للاحتفاء بمهارات الأطفال والشباب الذين اجتمعوا للغناء والرقص والعزف على الآلات الموسيقية".
وأعربت السفارة، عن "فخر بريطانيا بتقديم أكثر من 11 ألف دولار للمدرسة، لتمكين أكثر من 450 من أطفال العراق وشبابه، التعبير عن أنفسهم من خلال الموسيقى وتنمية صداقات مع زملائهم"، عادة أن "الموسيقى والرقص هما مجرد اثنتين من وسائل اجتماعنا معًا للاحتفاء بما في العراق من أوجه الجمال والمهارات".
ويذكر أن مدرسة الموسيقى والباليه، التابعة لدائرة الفنون الموسيقيّة، في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، تواصل تنظيم فعاليات مهرجان ربيع الأطفال الثقافي الثامن بمشاركة أكثر من 600 طفل من مدارس بغداد، وبأعمار تتراوح بين 12 ـ 14 عامًا، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وتقدّم فيه أعمالاً فنيّة ومسرحية وورشة للرسوم الأطفال ومعرضًا لكتب الطفل، وشعر وخطابة وغناء وعروض أفلام للرسوم المتحركة.
أرسل تعليقك