توقيت القاهرة المحلي 14:21:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اجتمعت في "فيلا عودة" أعمالًا بصرية وسمعية تحية لـ"بيروت"

معرض "الفن الجريح" ولادة جديدة للوحات ومنحوتات متضررة من كارثة المرفأ

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - معرض الفن الجريح ولادة جديدة للوحات ومنحوتات متضررة من كارثة المرفأ

معرض "الفن الجريح"
بيروت - مصر اليوم

شكَّل انفجار بيروت في 4 أغسطس /آب الماضي، كارثة طالت الحجر، كما البشر. فهو خلف وراءه الضحايا وأتى على عمارات وأحياء. دمر بيوتاً ومنازل، ومحا ذكريات عبقت بها بيروت في مناطق الجميزة ومار مخايل والكرنتينا. الفن أيضاً طاله هول الكارثة، أصيب بفجيعة وتقطعت أوصاله وضربه الشلل. متاحف تكسرت محتوياتها وغاليرهات أطبق الانفجار على أنفاسها، وعصف بلوحاتها ومنحوتاتها. ومجموعات فنية أخرى لدى أشخاص يحتفظون بها ككنز ثمين ضاعت منهم بعد أن تمزقت أمام أعينهم.

وفي معرض «الفن الجريح» (L’art blesse) في «فيلا عودة» الواقعة في شارع السراسقة البيروتي العريق، تجتمع بعض هذه القطع. هنا المعادلة اختلفت والمشهد الفني خرج إلى النور معلناً عن ولادة جديدة له. ويأتي المعرض الذي يستمر فاتحاً أبوابه أمام الزوار لغاية 16 يناير (كانون الثاني) المقبل كتعبير فني جديد. فهو مستوحى من فن «كينستوجي» الياباني لعلاج الخزفيات، وإعادتها إلى الحياة بعد الاعتناء بها. ثلاثة أنواع من الأعمال يتضمنها المعرض في الطابقين الأول والثاني من فيلا عودة. فإلى جانب لوحات مستوحاة من الكارثة، أخرى أتلفها عصف الانفجار، وثالثة أحيطت بعناية فائقة، بحيث يشاهد ناظرها عبورها من الموت إلى الحياة مباشرة أمامه.

لوحات ومنحوتات موقعة من نحو 35 فناناً تؤلف محتويات المعرض الـ66 الموزعة على طابقين من الفيلا. فنشاهد أعمالاً لشفيق عبود وفريد عواد وصليبا الدويهي وبول غيراغوسيان وحسن جوني وسيسي سرسق وغيرهم مطبوعة لوحاتهم بآثار الكارثة. وآخرون أمثال هلا عز الدين ونبيل نحاس وأروى سيف الدين وهادي سي وميساك طرزيان وغيرهم رسمت لوحاتهم بعد انفجار 4 أغسطس، مترجمة تشبث أصحابها بمدينتهم وبالفن. وتواكب هذه الأعمال تغليفة فنية حديثة تتمثل بقصائد وأشعار لجبران خليل جبران وناديا تويني وشارل قرم وغيرهم. وتنساب من تلك الغرف الحاضنة لهذه الأعمال أنغام موسيقى غابريال يارد وعبد الرحمن الباشا وأسامة الرحباني وزاد ملتقى وغيرهم، فيما بعضها تلونها رسوم غرافيكية.

تحفة المعرض تتمثل بلوحة للرسام الإيطالي غيدو ريني من القرن السابع عشر، تصور القديس يوحنا المعمدان. اللوحة هي واحدة من مقتنيات متحف سرسق في بيروت. في 4 أغسطس الماضي طالها الانفجار وأتلفها، فحضرت في معرض «الفن الجريح» كبوابة عبور إلى الحياة من جديد. صحيح أن الكارثة فجرتها وتتمسك إدارة المتحف بإعادة عرضها في صالاتها كما هي في حالتها الحاضرة، إلا أن معرض «الفن الجريح» أحياها. فبتقنية الغرافيك الحديثة حولها إلى ألبوم رسومات لفنانين عالميين تناولوا الشخصية نفسها في أعمالهم. وأنت تتفرج على هذه اللوحة التالفة، تطالعك أخريات لمايكل أنجلو وليوناردو دا فنشي ورافاييل، وآخرين مروا بريشتهم عبر القرون على هذا القديس ورسموه.

جان لويس مانغي المسؤول عن تنظيم هذا المعرض، الذي يقف مصرف «بيمو» وراء فكرته، يقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «هذه الأعمال وضعناها متلاصقة لتؤلف لوحة (بازل) تؤكد أنه مهما شهد الفن من تجريح وتدمير وأفسده الانفجار يبقى حاضراً بروحه». ويتابع: «الفن هو عالم بحد ذاته يدور في نظام حركة دائمة يتحول باتجاهات مختلفة، ويعايشنا كظلنا ولا يمكنه أن يموت. وإذا ما غاب حضوره هذا عنا علينا أن ننفخ فيه الحياة. وما يمكنني قوله هو أن الأفكار التي ترونها هنا هي بمثابة مدخل إلى هوية وولادة يجددان حياة هذه الأعمال».

تشعر وأنت تتجول في أرجاء المعرض على مستوى الطابقين الأول والثاني، وكأنك في متحف عالمي. فكل ما فيه وضب بجمالية واستحدثت له مساحات فنية بإضاءة خافتة تتحدث مع اللوحات بخفر وتبوح لها. فهنا علاج اللوحات من صدمتها يجري بصمت على أنغام موسيقى راقية. وإحاطتها بكتابات تهمس في أذنها الشعر هي رعاية وعناية مننوع آخر تخفف من آلام جروحها المفتوحة.

وفي الطابق الثاني للمعرض الذي يستضيف لوحات تنبض بحياة ما بعد الانفجار، تطالعك مجموعة أعمال رسمها فنانوها بعد انفجار 4 أغسطس. واحدة من صالات المعرض مر عليها عصف الانفجار، فتركها منظموه على حالتها كشاهد حي لكارثة تعد الثالثة من نوعها في العالم من حيث ضخامتها. مشهد السقف المخلوع والحديد الملتوي والمتناثر هنا وهناك، يضمحل أمام روعة القطع الفنية المعروضة في هذه الصالة. في وسطها تنتصب منحوتة برونزية لهادي سي تحمل اسم «بيروت». وعلى وقع موسيقى غابريال يارد، تتفرج على لوحتين ضخمتين لأروى سيف الدين تندرج على لائحة الأعمال الفنية الثلاثية الأبعاد. «منذ وقوع الانفجار وهول ما رأته بدلت الفنانة سيف الدين وجهتها الفنية، وتحولت إلى فن النحت بدل الرسم. وهذه المنحوتة التي تتقدم اللوحتين هي من تصميمها»، توضح مايا حلبي المشرفة على المعرض لـ«الشرق الأوسط». تكمل مشوارك لتطالعك منحوتة أخرى ترسم في طياتها أحرف الحب بالإنجليزية (Love)، وفي مقابلها أخرى تحمل اسم «السلام» (peace) للفنانة التشكيلية نايلة رومانوس وقد تأذيتا من الانفجار.

وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «القطعتان كانتا معروضتين في فندق (لو غراي) وسط بيروت. وإذا ما تأملنا التشوه الذي تعرضتا له إثر الانفجار نلاحظ أن منحوتة (الحب) جاءت إصابتها سطحية وطفيفة. فيما منحوتة (السلام)، وخيوطها الحديدية الرفيعة تأذت بشكل أكبر. وكأن المنحوتتين تترجمان مدى فعاليتهما في الواقع. فالحب متين وصلب لا يهتز، فيما السلام يمكنه أن يتزعزع بسرعة ويفقد قوته».

وكاتيا طرابلسي فنانة أخرى تشارك في المعرض من خلال منحوتتين. إحداهما تكسرت وانفصلت أقسامها عن بعضها، وبقيت محافظة على رأسها، وهي معروضة في صندوق شفاف مصنوع من مادة «البليكسي غلاس». وأخرى تنتصب بلونها الأزرق الملكي، وقد شوهتها شظايا الانفجار. وتعلق طرابلسي لـ«الشرق الأوسط»: «صحيح أن أعمال الفنان يشبهونها بفلذات الأكباد. ولكن في هذه الحالة الاستثنائية شعرت أن كل بيت تدمر وكل شخص تأذى تربطني به علاقة وطيدة. فلم أقم الحداد على قطعي الفنية فقط بل على كل هؤلاء مجتمعين. نعم كانت هذه المنحوتات بمثابة أولادي عندما نفذتها. فالأولى نحتها في عام 2015 عندما جرى تدمير أثارات بغداد فحاولت إعادة بناء تاريخ العراق من خلالها. والثانية صنعتها في عام 2019 اليوم، وفي حالتهما المشوهة تدخلان التاريخ من باب آخر، وتشهدان على كارثة دوت في بيروت. مصير أعمالي تأخذه الحياة إلى حيث ما تريد، نفترق ويذهب كل منا في طريق اختاره».

الحداثة والأفكار الإبداعية تلمسها عن قرب في معرض «الفن الجريح». لوحتان زيتيتان ضخمتان تعودان إلى الرسام الكوبي أندي ليانز، أصابتهما شظايا الانفجار. «كانت معروضة في غاليري (ساوث بوردر) في بيروت، ونالتا حصتهما من الانفجار» توضح مايا حلبي. تقترب من اللوحتين المتشظيتين لتكتشف مربعات صغيرة مدموغة برمز مشفر تغطي ثغرات اللوحتين بفكرة لكارلو مسعود. تضع عين كاميرا المحمول عليها فيخرج منها «لينك» تقرأ فيه رسائل عن بيروت المنكوبة ضمن شريط فيديو قصير أو صورة فوتوغرافية.

 ساعات قد تمضيها في معرض «الفن الجريح»، وأنت تلملم جروحات لوحات ومنحوتات تخضع للعناية الفائقة. تدقق وتتأمل في أخرى تنبض فيها حياة ما بعد انفجار 4 أغسطس. تخرج من المعرض فخوراً بلبنان وفنانيه فهو لا يزال بخير رغم كل شيء.

قد يهمك أيضًا:

"لزوم ما لا يلزم" يعرض 200 قطعة فنية وأدوات حرفية وصناعات قديمة

الآثار المصرية تعلن خطة مشاركة 84 قطعة أثرية في معرض بالسعودية

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معرض الفن الجريح ولادة جديدة للوحات ومنحوتات متضررة من كارثة المرفأ معرض الفن الجريح ولادة جديدة للوحات ومنحوتات متضررة من كارثة المرفأ



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:38 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 09:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 09:56 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 12:18 2016 الإثنين ,12 كانون الأول / ديسمبر

الروح والحب والإخلاص " ربنا يسعدكم "

GMT 23:59 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق مبدئي على إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا

GMT 18:11 2024 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

3 تحديات تنتظر الزمالك قبل غلق الميركاتو الصيفي

GMT 07:33 2019 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

"سيسيه يؤكد رفضت عروضا من أجل البقاء مع "الاتحاد

GMT 05:59 2024 الأحد ,14 تموز / يوليو

محمد النني يقترب من الدوري السعودي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon