كشف عالم المصريات الدكتور منصور النوبي، عن أن احتفالات المصري القديم بعيد رأس السنة ارتبطت بالطعام منذ قديم الأزل، مشيرا إلى أن القدماء المصريين كانوا يحرصون خلال احتفالاتهم برأس السنة على تناول «بط الصيد» و«الأوز» التي كانت تشوى في المزارع بجانب الأسماك المجففة التي كانوا يعدون أنواعا خاصة منها خلال الأعياد.
وقال النوبي، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية الأربعاء، لمناسبة احتفالات العالم برأس السنة الميلادية الجديدة، إن القدماء المصريين حرصوا على تسجيل مظاهر احتفالاتهم بعيد رأس السنة على جدران مقابر النبلاء بجبانة طيبة في البر الغربي لمدينة الأقصر. وأضاف أن هناك قرابة 19 مقبرة تُعد بمثابة سجل تاريخي يصور لنا كيف كان يستقبل القدماء المصريون عامهم الجديد، وكيف كانوا يحتفلون بليلة رأس السنة. وأشار إلى أن القدماء المصريين وخصوصا كبار الموظفين منهم، كانوا يفخرون بمشاركتهم في احتفالات الأعياد ورأس السنة، ويسجلونها في صورة لوحات ونقوش على جدران قبورهم الخاصة.
ولفت النوبي إلى أن مظاهر احتفالات رأس السنة، وصورة الأعياد في مصر القديمة شغلت الكثيرين من علماء المصريات والمؤرخين، من أمثال الألماني شوت سيجفريد، والفرنسية كريستيان دي روش نوبلكور، والمؤرخ اليوناني هيرودوت. وأوضح أن عالم المصريات الألماني شوت سيجفريد رصد وجود تفاصيل لاحتفالات قدماء المصريين بعشرات الأعياد، على جدران معابد مدينة هابو.
وحول مظاهر احتفالات رأس السنة في مصر القديمة، قال النوبي إن احتفال القدماء المصريين برأس السنة، وقدوم عام جديد، كان مناسبة عظيمة يجتمع فيها كل المصريين وكان يخرج تمثال المعبودة حتحور في ذلك اليوم للنور لتراه الجموع وكأنه يمنح الحياة لعام آخر جديد.
كان للمعبودة حتحور حضور كبير في تلك الاحتفالات فهي ربة السعادة والمرح والسرور لدى القدماء المصريين.
ووصفت عالمة المصريات الفرنسية كريستيان دي روش نوبلكور، مشهد احتفال القدماء المصريين برأس السنة، في دندرة حيث معبد حتحور الجميل، بأنه كان موكبا مهيبا يرأسه الكهنة، ويسير نحو قدس أقداس المعبد ويعود حاملاً تمثالاً على هيئة طائر برأس امرأة مصنوع من الذهب اسمه «باي» وكان يتم وضع هذا التمثال داخل ناووس زجاجي صغير، ويسير به الكهنة في الموكب الذي كان يتوقف في أماكن محددة بالمعبد، لوضع تيجان مختلفة رمزا للقوى المتعددة التي تتمتع بها المعبودة حتحور. وأضافت أنه عند وصول الموكب إلى سطح المعبد يتجه لإحدى الغرف لوضع الناووس والتمثال الموجود به، وعندما تشرق الشمس في موعدها فإن أول شعاع لها يسقط على وجه «باي» داخل الناووس الذي أزيلت عنه الستائر، وكأن الحياة تدب فيه مع الموسيقى التي كانت تعلو أصواتها في كل البلاد وبعد هذا تعم الاحتفالات ومظاهر الفرح والسرور طوال اليوم.
وحول المدة التي كانت تستغرقها احتفالات القدماء المصريين برأس السنة وقدوم العام الجديد، أشار عالم المصريات الدكتور منصور النوبي إلى أن تلك الاحتفالات كانت تستمر ليالي وأياما، وكانت موسما للإجازات وحفلات الخطبة والزواج وإقامة المناسبات الاجتماعية السعيدة. وأشار إلى أنه مناسبة لإحياء تقاليد إنسانية عظيمة تفرد بها القدماء المصريون في الاحتفال برأس السنة، فخلال تلك الاحتفالات بحلول العام كان على الجميع أن ينسوا خلافاتهم ويتجاوزوا منازعاتهم، وكان من تعاليم عقيدتهم آنذاك أن يستقبل الناس رأس السنة الجديدة وهم في صفاء وإخاء ومودة.
ويضيف النوبي أن أعياد القدماء المصريين وعلى رأسها احتفالات رأس السنة وقدوم العام الجديد، كانت تجرى بمشاركة مئات الآلاف من الناس وارتبط الكثير من الأعياد المصرية القديمة، بالحج إلى المعابد والأماكن المقدسة.
وحسب المؤرخ اليوناني هيرودوت فإن أعياد مدينة بوباسطة كانت تستقبل 700 ألف من الزوار والحجاج، وأما أعياد الكرنك حيث مقر المعبود آمون رع فكانت تشهد تدفقات تجاوزت مئات الآلاف من الزوار، وكانت الاحتفالات تجرى وسط أجواء من البهجة والمرح والصخب.
ووجدت أوستراكا محفوظة الآن بالمتحف المصري، مكتوبة بالهيراطيقية، واكتشفت بمقبرة رمسيس الرابع، وتتضمن نصفا يصف لنا كيف أن جماعة من عمال وادي الملوك وعددهم 120 رجلاً، أمضوا الأربعة أيام لعيد أمنحتب رب المدينة، يلهون أمام الآلهة مع نسائهم وأطفالهم.
يذكر أن الدكتور منصور النوبي، هو عالم مصريات وأكاديمي مصري، متخصص في دراسة الأعياد المصرية القديمة، وحملت رسالته لنيل درجة الدكتوراه عنوان «مناظر الأعياد في مقابر أفراد الدولة الحديثة بجبانة طيبة»، وقد عمل أستاذا للآثار المصرية القديمة في الجامعات المصرية، وشغل منصب عميد كلية الآثار بجامعة جنوب الوادي في صعيد مصر، وشارك في تأسيس كلية الآثار بجامعة الأقصر، وشغل منصب أول عميد للكلية، وله الكثير من البحوث والدراسات والمشاركات في مؤتمرات أثرية داخل مصر وخارجها.
قد يهمك أيضًا:
المجلس الاستشاري للإيسيسكو يعقد اجتماعه الخامس في الخرطوم
"الإيسيسكو" تدين التفجير الإرهابي في مدينة قيصري التركية
أرسل تعليقك