توقيت القاهرة المحلي 01:32:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تشابك مريع بين السلطة والجنس والعنف

كتاب "لا أحد يسمع صرخاتي - سجينة في قصر القذافي"

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - كتاب لا أحد يسمع صرخاتي - سجينة في قصر القذافي

الرئيس الليبي السابق معمر القذافي
باريس ـ مصر اليوم

في قصر القذافي تشابك مريع بين السلطة والجنس والعنف حسب ما توثق الصحفية الفرنسية أنيك كوجان في كتابها "لا أحد يسمع صرخاتي - سجينة في قصر القذافي". صفحات الكتاب تبين الدرجة المريعة التي وصل إليها في هوسه بالسلطة والجنس.ثمة كتب تتمتع بتأثير مشابه لما أكد عليه الأديب البارز فرانتس كافكا لكونها "فأساً يكسر سطح البحر المتجمد داخل البشر". من هذه الأعمال كتاب ألّفته الصحفية الفرنسية أنيك كوجان بعنوان : "لا أحد يسمع صرخاتي - سجينة في قصر القذافي". الكتاب يحمل في طبعته الفرنسية الأصلية عنوان Les proies، أي الفرائس.الفرائس كانت بالنسبة لمعمر القذافي، الذي حكم ليبيا لمدة 42 عاماً، كل أولئك النساء اللاتي تصور الصحفية الفرنسية مصائرهن في كتابها. كانت أولئك النساء فرائس لحاكم كان متوحشاً ومحتفىً به في آن واحد، فقد كان يستخدم الجنس طوال فترة حكمه كوسيلة لممارسة نفوذه على نحو لا يمكن تخيله، حاكم تحرش بنساء واغتصب عدداً لا يمكن إحصاؤه.وكانت كوجان التي تعمل مراسلة لصحيفة "لوموند" قد سافرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 إلى طرابلس لتقصي الدور الذي قامت به النساء خلال الثورة، ولمعرفة التطور الذي عايشنه بعد الثورة. وخلال قيامها بالبحث الصحفي التقت مصادفةً بامرأة شابة أطلقت عليها في كتابها اسم "ثريا". كانت هذه الشابة تحمل بداخلها، وما زالت تحمل، حكاية مريعة، حكاية تعود إلى حقبة معمر القذافي في ليبيا. لم تكد كوجان تصدق ما سمعته، وهكذا بدأت تكتب ما مرت به ثريا. هذا التقرير هو الجزء الأول من الكتاب.بكتابها"لا أحد يسمع صرخاتي - سجينة في قصر القذافي" نجحت أنيك كوجان في كشف جرائم القذافي علانية، ومنح الضحايا صوتاً في النهاية.
في قبو التعذيب في باب العزيزية
لم تكد ثريا تبلغ الخامسة عشرة من عمرها بعد حين اختطفها رجال القذافي، ثم حبسوها مع فتيات ونساء أخريات في قبو يقع في مقر حكمه في باب العزيزية. ظلت ثريا ثلاثة أعوام سجينة هناك، وخلال تلك الفترة اغتصبها القذافي وعذبها وأهانها مرات ومرات. كل يوم من أيام حياتها في تلك الفترة كانت تعيشه في ظلال القمع والعنف والخوف.
قصة ثريا هي في الواقع قصة كيان مُدمَّر. لقد كان هناك، ولا يزال، جدار من الصمت والخوف في المجتمع الليبي ما زال حتى اليوم يعمق من شعور ثريا بالوحدة والضعف. كانت هناك نساء يعملن مع القذافي، ومن ناحيتهن كن أيضاً يعذبن فرائسه.
عديدات من تلك الفرائس اغتصبهن "القائد العظيم: بابا معمر"، مثلما كان يجعلهم يطلقون عليه. وبذلك كان طريق العودة لعائلاتهن مسدوداً أمامهن – فحتى اليوم ليس هناك مكان في المجتمع الليبي لامرأة تعيش وحدها. بعض النساء اعتقدن أن الطريق الوحيد للخروج من المأزق هو التعاون، وهكذا تغدو الضحية جانية، جانية متوحشة.
لم تسر ثريا على هذا الطريق. ولكنها هي أيضاً عانت من تضافر الصدمة النفسية مع القمع المجتمعي: بتفاصيل دقيقة وحساسية مرهفة ترجمت كوجان إلى كلمات ما مرت به ثريا التي كانت طفلة في البداية حُملت بما لا طاقة لها به، فأضحت في النهاية تعاني من صدمة نفسية عميقة. يشعر القارئ أنه يقرأ ما تقوله ثريا نفسها، ويعايش خلال القراءة رعباً حقيقياً.
حرب القذافي على النساء
القمع بدلاً من التحرر: بدافع شهوة السلطة، ثم لاحقاً بتأثير أقراص الفياغرا، كان الديكتاتور الليبي يغتصب يومياً العديد من النساء اللاتي كان يدعي بأنه يحررهن.
في الجزء الثاني من الكتاب تجمع الصحفية أنيك كوجان نتائج ما قامت به من أبحاث، وتوثق مصائر نساء ليبيات أخريات مررن بتجارب شبيهة بما عايشته ثريا. وتلخص الكاتبة ما شهد به أحد العاملين في الدائرة المقربة من الديكتاتور الذي ولد ابناً لبدوي لا يملك شيئاً ثم أصبح، وفق شهادات أخرى كثيرة، مهووساً بالسلطة والجنس على نحو لا يكاد يتخليه أحد، وكيف كان ينتقم من كافة أصحاب الامتيازات أيضاً بإخضاع زوجاتهم لسيطرته، وذلك بالهدايا أو بالعنف إذا لزم الأمر.
كان الاغتصاب وسيلة من الوسائل التي استخدمها القذافي. ممارسة السلطة على مفاوضيه عبر الاستيلاء على زوجاتهم، بدافع من شهوة السلطة، ثم لاحقاً بتأثير من أقراص الفياغرا أيضاً، كان الحاكم الليبي يغتصب يومياً عديداً من النساء و(الرجال)؛ أحياناً لربع ساعة، وهو ما كان يحدث في بعض الأحيان وسط مفاوضات سياسية كان يقطعها، وفي أحيان أخرى لأيام وأسابيع أو، كما حدث في حالة ثريا ونساء عديدات أخريات، طوال سنوات. كان القذافي يخوض حرباً على النساء اللاتي كان يدعي أنه يحررهن.
وقد سجلت الصحفية والكاتبة الفرنسية، التي نالت جوائز على عملها، الحوار الذي أجرته مع امرأتين من حارسات القذافي اللاتي أطلق عليهن "جيش أمازون"، وكذلك تقريراً للرئيس السابق لقطاع التربية والتعليم يتضح منه كيف استخدم هو ورجاله نفوذهم بلا رادع داخل المؤسسات، كالمدارس والجامعات والسينما والمسرح والعروض الراقصة، لإمداد القذافي بالنساء. هذه الشهادات وغيرها، التي جمعتها كوجان بجرأة وعرضتها باستنكار واضح، جديرة بالملاحظة وتجعل كتابها عملاً مفزعاً ومحذراً في آن واحد.
وقد نُشر كتاب "الفرائس" Les proies في البرازيل أيضاً وتُرجم إلى اللغة العربية، ونالت الكاتبة عنه العام الماضي الجائزة الكبرى للصحافة العالمية Grand Prix de la Presse Internationale. كما حازت دول عديدة أخرى حقوق الترجمة. لقد لقي الكتاب صدى كبيراً، وبيع منه حتى كتابة هذا المقال في العالم العربي 7000 نسخة.
نضال النساء ضد النسيان
من أجل مكافحة النسيان خرجت نساء من إحدى المنظمات الأهلية إلى الشوارع وتظاهرن أمام البرلمان. ولكن حتى لو جسدت حملة كهذه القوة النضالية الحازمة للنساء، فما زالت ثريا ونساء أخريات مررن بأشياء مشابهة يعانين من عواقب ما حدث لهن، إذ أن الخجل والإحساس بالذنب والضعف يجعل من المستحيل عليهن أن يعيشن حياة "عادية".
هذا ما ينطبق أيضاً على أولئك اللاتي اغتصبتهن عصابات القذافي خلال الحرب الأهلية في ليبيا لكسر شوكة المتمردين المقاومين. ويرى الخبراء أن عدد أولئك النساء في ليبيا لا يقل عن 2700 امرأة، وربما يكون هذا الرقم قمة الجبل الجليدي فحسب. أولئك النساء هن أيضاً فرائس وقعن ضحية مباشرة للتشابك الوحشي بين السلطة والجنس والعنف الذي كان القذافي يستمتع به.
إن موت القذافي يحول دول الملاحقة القضائية للجرائم التي ارتكبها. ولهذا يحظى كتاب أنيك كوجان بهذه الدرجة من الأهمية. لقد نجحت في إنجاز ما لم يتحقق بشكل مؤسساتي: كشف جرائم القذافي علانية، ومنح الضحايا صوتاً – أخيراً.
ولهذا لا بد من أخذ كتاب كوجان الذي يهز القارئ هزاً على محمل الجد: كتحذير ونداء لتطبيق المساواة بين الجنسين، وتقوية حقوق النساء والكفاح من أجل ترسيخها في الدستور، في ليبيا وفي كافة دول العالم.
أنيك كوجان: "لا أحد يسمع صرخاتي - سجينة في قصر القذافي". صدر الكتاب عن دار "أوفباو"، برلين 2013، ويتضمن 296 صفحة.

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب لا أحد يسمع صرخاتي  سجينة في قصر القذافي كتاب لا أحد يسمع صرخاتي  سجينة في قصر القذافي



GMT 08:05 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر المقبل

GMT 13:10 2024 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

نقوش تكشف أسرارا جديدة عن المصريين القدماء في معبد إسنا

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon