القاهرة ـ محمد الدوي
استضافت القاعة الرئيسة في معرض القاهرة الدوليّ للكتاب، الخميس، ندوة عن عميد الأدب العربيّ د.طه حسين، بعنوان "طه حسين رائد التنوير"، تحدّث فيها ثلاثة عمالقة امن كبار الكتّاب في مصر لدكتور سيد ياسين، والدكتور جابر عصفور، وتلميذ طه حسين الدكتور عبدالمنعم تليمة.وأجمع المشاركون في الندوة على أن طه حسين خالد
ومُتجدّد كما النيل، وأعماله كالآثار المصرية القديمة، تزداد قيمة كلما مرّ عليها الزمن، وفي حاجة إلى من يكتشف المزيد منها، حيث صنع أسطورته الشخصية بما يملكه من فكر صدّره إلى العالم، وكان سببًا في الهجوم عليه، لكنه كان يعرف حقيقة وجوده، وجوهر رسالته التي لابد أن تصل إلى الجميع في أقطار الأرض كافة، وتحتفظ بهويّتها المصريّة في الوقت ذاته.
وقد خاطب الدكتور عبدالمنعم تليمة الحضور، بما كان يخاطب به طه حسين جمهوره، فقال "آنساتي، سيداتي، سادتي، وصمت ياسين ـ وساد القاعة هدوء الإنصات وانطلق صوته من جديد ـ إن طه حسين لا يكذب، وكان صادقًا مع أهله، وإذا أردنا أن نلتمس بيانا للنهضة نلتمسه عند جملة واسعة من رواد تركوا خوالد من إبداعات ودعاوى، أن طه حسين حين صاغ بيان النهضة بموهبة فريدة وتنزيل من التنزيل، وكان البيان النهضوي والتنويري ساطعًا لديه في الابداعات الادبية، بينما منهجه القويم المستقيم امتد ليكون منهجا لتراثنا الفكري والحضاري، وهو من سعى إلى وضع مصر في قلب العالم عبر بدايات مبكرة وممتدة وخالدة، وكأنه ليس أديبًا وناقدًا، وإنما كان يضرب في حاجات النهضة ليلبي غاياتها، وكتاب "طه حسين رائدًا للتنوير" يمكن الحديث عنه من خلال نهرين، المنهج النقدي والتقويمي، حيث كان هناك منهج محمد عبده في تأسيس علم الكلام الحديث، وكان المنهج القديم يثبت الدين، أما علم جديد الكلام فيناقش المتغيرات الثقافية والاجتماعية، ولم يكن طه حسين يُعمل العقل في الأمور الشرعية، ولكن في الأمور الحضارية والإبداعية والفلسفية".
وافاد الدكتور سيد ياسين، بأن علاقته بطه حسين بدأت منذ كان طالبًا في الثانوية، من خلال تقليد المسابقات الذي يضيف إلى المجموع الكلي، وأنه دخل في مسابقة اللغة العربية، وكان يدرس ديوان حافظ إبراهيم، و"مصرع كيلوباترا" و"المتنبي" لطه حسين، وأن عميد الأدب العربي أدخله الى عالم المتنبي، مضيفًا "فُتنت بعالم طه حسين وقرأت كل ما كتبه وأتاحت لي الظروف حضور مؤتمر في كلية الاقتصاد عن السياسة المصرية، وألقيت المحاضرة الختامية عن غشكاليات الثقافة، ووضعت إطارًا يتحدث في أربعة أمور: استيراد الثقافة، والتحولات في الثقافة السياسية المصرية أسبابها وتداعيتها وتجلياتها، وسلفية الثقافة السياسية، وتجديد الثقافة المصرية، وفي موضوع التحولات قمت بدراسة حالة تحولات المثقفين الليبرايين، وهي مسألة تحتاج إلى تأمل، واطلعت على كتاب عبدالرشيد صادق محمود، الذي جمع كتابات طه حسين الفرنسية، ووجدت نصًا نادرًا لطه يقوم فيه بدور الناقد الثقافيّ، وهو في الواقع لعب الدور في وقت مبكر، وفي العام 1950 ألقى طه محاضرة في (اليونسكو) عن الكاتب المعاصر، وتحدث عن دور المثقف في المجتمع، وهي الإشكالية التي ناقشها عبدالله العربي وإدوار سعيد، وقدم تحليلاً لتحوّلات الكتّاب الليبراليين، والنص الذي كتبه حسين عن الاتجاهات الدينية في الأدب المصريّ يُبرّر لماذا تحوّل مع العقاد وهيكل إلى الكتابات الإسلامية، فلقد كان يتعقب الحركة التي بدأها الأفغاني ومحمد عبده للخروج بالفكر الإسلامي من الجمود، وتحدّث عن تحرير المرأة المسلمة، فخرج كتاب علي عبدالرازق (الشعر الجاهلي)، الذي أثار الضجة، وعلى الرغم من الضجة التي أُثيرت حول الكتابين، إلا أنه توقف عند انتصار حركة التفكير في العالم الإسلامي لا في مواجهة الرأي العام ولكن في مواجهة السلطة، حيث يُشير طه حسين إلى أن تحول الكتاب الليبراليون إلى الكتابة الإسلامية جاء احتجاجًا على التعصب، وما أن حصل انصار الحداثة على حقهم حتى توقفوا وأعادوا النظر في التاريخ القديم للإسلام، وطبق طه هيكل منهج جمال الدين ومحمد عبده للتوفيق بين العقيدة والحضارة المعاصرة، فيما قدّم عميد الأدب العربي تفسيرًا ثقافيًّا، وهناك تفسير آخر قدمه مؤرخ أميركي هو سميث، عن سبب تحول هيكل إلى الكتابة الإسلامية وهو ظهور "الإخوان المسلمين" مما حرّض هيكل على اجتذاب الجماهير التي انسحبت من الميادين.
واعترف الدكتور جابر عصفور، بأن أحب الأشياء إلى قلبه هو الحديث عن طه حسين، فقال إن فكر عميد الأدب العربي تأسس بالعقلانية والحرية والنزعة الانسانية والعدل والنظرة المستقبلية، ويمكن الفصل في أمور عدّة، أن العقلانية تعني الاحتكام إلى العقل وجعله أساس الحكم على الاشياء، وهو ما اعتمده المعتزلة في فكرهم فشاع في الحضارة الاسلامية قبل أن يستعين عليهم اهل السنة بالمتوكل ويسود الفكر السلفي، والعقلانية عند طه حسين لها مصدر إسلامي وهذا التراث الإسلامي جعل المعتزلة يذهبون الى مذهب الشك.. لا سبيل إلى يقين لا بعد الشك وهذا الجزء التراثي كان عند حسين وأضاف اليه الميراث الفلسفي الأوروبي، ثم عاد الى مصر، واول ضجة حدثت من استخدامه لهذا العقل من خلال مصادره الاسلامية والغربية، وكان من الطبيعي أن يصطدم بالمسلمات ويشك فيها، وهكذا بدأ حاله بأول ثمرة إيجابية هي الشك، وأول ما بدأ الشك فيه هو العصر العباسي، ثم انتقل خطوة إلى شعراء الغزل، وكان الشك يؤدي به إلى أن الكثير من شعرهم غير أصيل، وأن العرب اخترعوا حول مجنون ليلى الكثير من الحكايات التي لا اصل لها، ثم انتقل إلى الشعر الجاهلي وانفجرت الدنيا وقامت القيامة، وأصرّ على ما قال، وبعد أن هاجت الدنيا وسحبت الكتاب من الأسواق وتقدّم شيخ اأازهر والنواب باستجواب وزير المعارف، ذهب إلى النائب العام محمد نور الذي أوقف التحقيق وحصل على البراءة، وهكذا سببت العقلانية الصدام الأول، والثاني حدث في الثلاثينات عندما تأسست جماعة "الإخوان" وفرضت فكرها بمساعدة الإنكليز والملك، وكان لابد أن تنظر إلى طه حسن على أنه كافر ومنحرف، وفي كتابه "مستقبل الثقافة" ذهب البنا إلى جمعية "الشبّان المسلمين"، وألقى محاضرة هاجم فيها طه حسين/ ونتيجة الهجوم وشعبية "الإخوان" انتهى طه حسين والمثقفين الى أنهم أمام "جهالة دينية ونقد يؤذي العقيدة الإسلامية"، فحاربهم طه بالعقل ولجأ إلى التاريخ الاسلامي وصياغة السيرة صياغة عقلانية، حيث يقدم للمسلمين سيرة نبوية لا تجافي العقل ولا تصطدم به.
أرسل تعليقك