القاهرة ـ محمد الدوي
رحّب الأديب والروائي المصري يوسف القعيد، بأعلام الثقافة الكويتيّة الذين حضروا ضمن أنشطة وفعاليات معرض القاهرة الدوليّ للكتاب، حيث تحلّ الكويت كضيف الشرف، وهم وكيل وزارة الإعلام لشؤون التخطيط الإعلاميّ والتنمية المعرفيّة د. هيلة المكيمي، والروائيّ طالب الرفاعي، والروائية ليلى العثمان، والروائي والأديب الفلسطينيّ يحيى
يخلف.وقال القعيد، "لم يكن الأديب الكويتيّ إسماعيل فهد إسماعيل منكفئ على الداخل الكويتّ، بل صال وجال بإبداعه الروائي المحيط العربي، وإذا كان كاتبنا الكبير محمد حسين هيكل هو الأب الروحي للرواية العربية، والكاتب الكبير نجيب محفوظ هو من أصّل الرواية العربية، فإسماعيل هو الهرم الثالث إلى جوار هاذين الهرمين، فلا ذكر للرواية الكويتيّة والعربية من دون أن يكون إسماعيل في مقدمة الصفوف، فقد كتب الشعر والنص المسرحي والقصة القصيرة، إنه استثناء في عالم الرواية، وهذا يبدو واضحًا في المقدمة الرائعة التي كتبها شاعرنا الكبير صلاح عبدالصبور في تقديمه لأولى روايات إسماعيل، ويبدو أن إسماعيل وُلد كبيرًا، ولم يتدرج مثلنا منذ البداية، بشهادة عبدالصبور".
وأعرب الروائي الكويتي عن سعادته بالحضور وبوجوده ضمن أنشطة وفعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، وأشار إسماعيل، إلى أنه تعرّف على القعيد في سبعينات القرن الماضي، عن طريق صديقه الكاتب والروائي الكبير جمال الغيطاني، ومن هنا سارت علاقة صداقة وطيدة جمعت بينهما.
وعن البدايات الأولى له؟ وهل كان هناك وجود للرواية الكويتية قبل ظهوره على الساحة؟ وهل تأثر في أعماله بمشروعات كويتية أو عالمية سابقة؟ وما هي الأعمال التي لفتت نظره وجعلته يُقبل على عالم الرواية؟، أجاب فهد إسماعيل، "أعتقد أن أي كاتب في البدء يمر بمرحلة التيه، حيث ينتابه عددًا من المشاعر المتداخلة في وقت واحد، وهنا يبدأ في البحث عن أصدقائه وأهله المقربين لإشراكهم في ما يجيش بداخله، وكانت بدايتي مع كتابة الشعر وأنا في سن الثانية عشر من عمري، وكتبت العديد من الأشعار في هذه المرحلة، ثم تحوّلت بعد ذلك إلى كتابة القصة القصيرة، وأولى قصصي القصيرة نشرتها في البصرة في العراق، ونشرت بعد ذلك عددًا من قصصي القصيرة في الكويت بين عامي 1960و1961، ثم توجت ذلك بطباعة مجموعتي القصصية الأولى، والتي صدرت من العراق، وفي هذه المرحلة طالما راودني وأرّقني حلم أن أصبح مخرجًا سينمائيًا، وبسبب عدم وجود سينما وقتها في العراق والكويت على غرار ما كان موجود في مصر، فقد تنازلت عن هذا الحلم، وبدأت أبحث عن حلم آخر، ووجدت ضالتي المنشوده في أن أقوم بإخراج ما يطوف بمخيلتي على الورق، ومن هنا جاءت روايتي الأولى "كانت السماء زرقاء"، ثم تعددت رواياتي وتوارى حلم الإخراج إلى الوراء، ومنذ الرواية الأولى وصولاً لروايتي الأخيرة، كان لدى اهتمام قوي بالقومية العربية، لدرجة أن الباحثين في الكويت كانوا يقولون إني أحلق خارج السرب، فكنت دائمًا أبحث عن الهوية العربية، وروايتي الأخيرة هي نموذج لرحلة البحث عن الهوية، ولا زال البحث عن الهوية جاري.
وعن سؤال القعيد عن الإشكالية التي يقع فيها القارئ، عندما يقرأ أعمال إسماعيل الروائية، والتي تعلّقت بحوادث سياسية توارت في طى النسيان؟ قال إسماعيل، "الأجيال الجديدة دائمًا لديها فضول لمعرفة ما الذي حدث في الماضي، بشكل أدبي وفني إلى جانب الشكل التاريخي، فهم في حاجة دائمًا إلى الجانب الإنساني، الذي غالبًا ما يتوه في زحمة الأحداث السياسية التي تطغى على كل ما بجوارها، فهناك أدب سياسي، وأدب يتلمس السياسة من دون أن تُسيطر عليه، وهناك أدب آخر تحريضي أو ما يُطلق عليه "أدب المنشور السياسي" وهذا يموت سريعًا، فالأدب يجب أن يؤدي الدور المنوط به نت دون الدخول إلى أيدلوجيات، وأعتقد أن هذا الأدب باقي لمعرفة التاريخ بعيون أدبية".
وعما يحدث الآن من اختصار بعض الأعمال الروائية على غرار ما حدث مع رواية "الحرب والسلام"، والتي تم صدور طبعة جديدة منها مُختصرة في جزء واحد بدلاً من أربعة أجزاء، وكذلك ما يحدث من اختصار بعض الأعمال الروائية المهمة لتناسب المرحلة السنية للأطفال من خلال خبراء في هذا المجال، ورأيه في ذلك أفاد الروائي الكويتي، أنه ضد اختصار أي عمل أدبي، لأن أي إنتاج أدبي بعد صدوره، خرج من إطار ملكية صاحبه، ليصبح ملكًا للتاريخ، فالعمل الأدبي يُسجّل أحداث العصر التي عاصرها، أما تقديم النص بشكل آخر مُبسّط، سواء كان على شاشات التلفزيون أو السينما أو خلافه، فأنا لا أعارض في ذلك، بشرط أساسي وهو المحافظة على رؤية كاتب النص الأساسية، وهذا العمل يترك لدى الأطفال آثار إيجابية وخصوصا في مرحلة الطفولة المبكرة.
وبشأن عدم تحويل الأعمال الروائية المهمة له ولأقرانه من المبدعين الكويتيين إلى أعمال سينمائية؟ قال إسماعيل، "بدأنا تجارب سابقة في هذا المجال، وتجري الآن تجربة جديدة على يد جيل الشباب، ولكن ينبغي أن نشير إلى أنه لا توجد سينما بالمعنى الروائي خارج مصر، فمصر لها تاريخها السينمائي الطويل منذ عشرينات القرن الماضي، وبالرغم من وجود عدد من المحاولات المماثلة في عدد من الدول العربية منها المغرب والجزائر والإمارات، لكنها للأسف نشاطات فردية، فصناعة السينما في حاجة إلى مؤسسات وجيش من الفنيين وهذا ما يتوافر في مصر، ومن جانب آخر فصناعة السينما في حاجة إلى مجتمع مدني ضارب بجذوره في الحضارة، والمجتمع الخليجي دخل المدنية قريبًا، وتحديدًا بعد اكتشاف النفط، وهذا ترك أثرًا سلبيًا في هذا المجال، وربما تتعدل هذه الصورة في السنوات المقبلة، وفي الكويت تجاربنا حتى الآن في هذا المجال هي تجارب فردية، وقد تحولت بعض أعمالي الروائية إلى أعمال مسرحية، ومنها رواية الشياح والتي طبعت لعشر مرات وعرضت على خشبة المسرح في العراق وحققت نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وحضر حفل الافتتاح نائب رئيس الجمهورية وعدد كبير من كبار رجال الدولة والمثقفين والفنانين، وأنا في أعمالي لا أكتب النص إلا مرة واحدة، أما السيناريو والحوار فله متخصصين، وتبقى الصناعة السينمائية في حاجة إلى مجهود كبير، ونحن نضع أمالاً كبيرة على مصر في مجال السينما.
وأشار الأديب الكويتي الكبير، إلى ترجمته عدد من أعماله الروائية، في ألمانيا واليابان والهند وعدد من الدول الأخرى، ولكن تلك الترجمة كانت من أجل عدد من الأبحاث العلمية رسائل الماجيستير والدكتوراة، لا للنشر التجاري، وأن مشكلة الترجمة هي مشكلة معقدة للغاية، وإذا لم تتولى الدولة مسؤولية ترجمة أعمالنا الأدبية والثقافية، سيبقى الأدب العربي حبيس المنطقة العربية، وبالتالي علينا أن نتحرك ونسعى بجدية وإرادة واعية، للتواصل مع الآخر.
وفي تعقيبه على قضية الترجمة، أوضح القعيد، أن مشكلتنا الكبيرة هي انبهارنا بالغرب، فمنذ قدوم الحملة الفرنسية لمصر عام 1798 ونحن نترجم عن الغرب من دون أن نطلب من الغرب أن يُترجم عنّا، وهذه قضية مرتبطة بالدونية الحضارية، فلازلنا نعيش بمنطق أننا تابعون.
وعن الروائيين الكويتيين من الروّاد والشباب، أكد إسماعيل، أن هناك طفرة هائلة موجودة في الكويت الآن، من خلال الاهتمام بالثقافة والفنون والآداب، وأتذكر أننا كنا ثلاثة روائيين في مطلع الستينات، أصبحنا ستة في السبعينات، ثم عشرة روائين في التسعينات، والآن أصبح لدينا أكثر من خمسين روائي كويتي، هذا بخلاف الشعراء والنقاد، وكان عدد المتعلمين في الكويت في الستينات يُعدون على أصابع اليد الواحدة، وكنا نلتقي في أحد البيوت لنقرأ كل أسبوع مجموعة من الأعمال الأدبية والفلسفية وعددنا لم يتجاوز السبعة أفراد، والآن أصبح لدينا أكثر من مائة مجلس للقراءة يوجد في المجلس الواحد أكثر من مائة وخمسين فردًا.
وفي مداخلة من الروائي والكاتب الفلسطيني يحيى يخلف، أبدى شكره وتقديره للروائي الكبير إسماعيل فهد والروائي المصري يوسف القعيد، وسعادته البالغة بأن يقام معرض القاهرة للكتاب هذا العام بالرغم مما تمر به مصر من أحداث، وأن تكون الكويت هي ضيف الشرف.
وفي ما يتعلق بالتيارات الدينية الموجودة في الكويت، ومهاجمتها للإبداع الفكريّ، رأى إسماعيل، أنه حتى الآن لم يدخل في صدام مع هذه الجماعات، ولكن هذا لا يمنع أنه قد يصطدم معهم في يوم ما، فيما أثنى على الثورة المصرية، وقال "إن الثورة المصريّة قد حمت مصر والمنطقة العربية من شبح أسود كاد أن يسيطر على المنطقة كلها، وهو شبح جماعة (الإخوان المسلمين)، فالجماعة أرادت أن تقتل الهويّة المصرية والعربيّة، ومن المعروف أن الهويّة تنعدم في ظل الجماعات الشموليّة والفاشيّة، على غرار ما قام به هتلر وموسيليني من قبل، وما كان يحلم به هؤلاء الظلاميون".
وفي إجابته عن السؤال الذي وجّهته له الروائية الكويتية ليلى العثمان، في ختام اللقاء الذي امتد قرابة الساعتين، عما إذا كانت ثورات الربيع العربي ستقود المنطقة إلى الأفضل أم لا، قال إسماعيل، "بالتأكيد يجب أن يكون للأفضل، لأنه لا يوجد أسوأ مما عايشناه من طغيان وظلم ودكتاتورية، فهؤلاء الشباب عندما خرجوا ليواجهوا الموت كان ذلك لأنهم شعروا بأن الحياة لا قيمة لها، ولذا فعلينا إذا أردنا أن نتقدم للأمام أن نتخلى عن كراسينا طواعية لهؤلاء الشباب، وأن نحتضنهم ليقودوا المستقبل قبل أن يأتي يومًا يُجبرون فيه على ترك هذه الكراسي.
أرسل تعليقك