القاهرة - مصر اليوم
شهدت الدورة السادسة والعشرون من معرض بكين الدولي للكتاب، حضورًا مصريًا كبيرًا، يؤكد أن العلاقات المصرية الصينية لا تسير فقط على مسار التعاون الاقتصادي ولكن الثقافي أيضًا، حيث تواجد المصريون على المستوى الرسمي ممثلاً في السفير أسامة المجدوب، سفير مصر ببكين، فيما تواجد الناشرون المصريون في فعاليات المعرض من ندوات وحفلات توقيع كتب في مشهد أكد أن بكين لا تزال تعتمد على القاهرة كمركز للانتشار الثقافي والمعرفي في كافة أنحاء الدول العربية.
انطلقت نسخة معرض بكين الدولي للكتاب في الفترة من 21 حتى 25 آب بمشاركة 2600 عارض من 95 دولة ومنطقة لعرض أكثر من 30 ألف عنوان على مساحة تقترب من 106.8 ألف متر مربع، وتأتي أهمية نسخة هذا العام، من كونه يتوافق مع الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وقد خصصت الإدارة الوطنية الصينية للصحافة والنشر، جناح مميز للمؤلفات والأعمال الأدبية الصينية بمناسبة تلك الذكرى، زينه شعار كبير باللون الأحمر يرمز للذكرى السبعين لتأسيس الصين، وضم نحو 5000 كتاب ومجلة موزعة على أربع مناطق هي "مختارات الكتب" و"المنشورات المميزة المحلية والأجنبية" و"المجلات الممتازة" و"نسخ كتب نموذجية منذ تأسيس جمهورية الصين"، ما خلق أجواء حماسية بين زوار المعرض للاحتفال باليوم الوطني الصيني.
كان حفل توزيع مسابقة الكتاب المتميز أبرز فعاليات المعرض بالنسبة للعرب، حيث حيث فازت المصرية يارا المصري بجائزة هذا العام ضمن قائمة محدودة من الفائزين، وذلك عن أعمالها المتميزة في مجال ترجمة الكُتب الصينية إلى اللغة العربية، وخاصةً في مجال الأدب.
وقد شارك السفير أسامة المجدوب، سفير مصر في بكين في مراسم الحفل، وأكد في تصريحات رسمية أن معرض بكين الدولي للكتاب يُعد واحدًا من أهم المعارض على الساحة الدولية في الفترة الأخيرة، من حيث حجم الإصدارات المعروضة وعدد الدول المشاركة به، مشيرًا إلى أن جائزة الكتاب المتميز تم إطلاقها في عام ٢٠٠٥، ويتم منحها للكُتّاب والمترجمين الأجانب الذين ساهموا في نشر الثقافة والحضارة الصينية حول العالم.
فيما مثل مصر في المعرض مؤسسة بيت الحكمة للاستثمار الثقافي والنشر، وهي تعتبر أكبر دار نشر مصرية مهتمة بالترجمة ونشر مؤلفات عن الصين والعلاقات مع الدول العربية، وذلك باللغتين العربية والصينية، حيث قال رئيسها الدكتور أحمد السعيد، إن مصر أكثر الدول العربية تأثيرا في التعاون الثقافي بين الصين والدول العربية، نظرًا للعلاقات التاريخية القديمة والحضارتين المتشابكتين، موضحًا أن بكين تتخد من مصر مركزًا لانتشارها الثقافي بالوطن العربي، وأن الدور الإماراتي يتزايد بشكل كبير في الفترة الأخيرة، لأنها دولة مهمة على الحزام والطريق ولديها محتوى ثقافي كبير تعمل خلالها على جمع المحتوى العربي ونشره في العالم كله، مضيفًا أنها تأتي في المركز الثاني بعد مصر، وأن معرض أبو ظبي من أهم المعارض الذي تشارك فيه الصين كل عام ثم تأتي المغرب في المركز الثالث.
وأضاف الدكتور أحمد السعيد، أن الحركة الثقافية بين الصين والدول العربية تواجه مشكلة، تتمثل في أن حجم الكتب الكتب التي تصدر من الصين للعالم العربي 200 عنوان في حين أن العناوين القادمة من الدول العربية للصين 20 عنوانا فقط، وأن سبب تلك الفجوة هو أن الحكومة الصينية تدعم الناشرين لزيادة حركة الترجمة من خلال 5 مشاريع، لكن الدول العربية ليس لديها مشروع مماثل، والناشر يخشى تحمل مغامرة ترجمة كتاب من لغة أخرى، خشية الخسارة.
معرض بكين الدولي للكتاب
وأضاف الدكتور السعيد، أن الصين مهتمة بالتكنولوجيا في نقل المعرفة، موضحًا أن إدارة المعرض خصصت جناحًا لأول مرة للنشر الإليكتروني والروسم المتحركة والنشر الرقمي والتعليم الرقمي، وأن مؤسسة بيت الحكمة قررت الاستفادة من تلك التكنولوجيا الجديدة، وحصلت على أول مكتبة رقمية صينية من 300 ألف عنوان سوف تتاح في المكتبات العربية، وأنها بدأت بالمكتبة الرئاسية في الإمارات بأبوظبي باللغة الصينية على موقعها الإليكتروني، مضيفًا أنه في مجال النشر الرقمي هناك أكثر من شركة صينية تحول المحتوى العربي الورقي لمحتوى رقمي، وأن مؤسسة بيت الحكمة، نجحت في تقديم أول مكتبة عربية رقمية تتاح في الصين تحوي حتى الآن 50 ألف عنوان، مشيرًا إلى أنها كتب عربية أصلية تتاح للطلبة الصينيين الدارسين اللغة العربية، خصوصًا وأن هناك 43 جامعة في الصين تدرس اللغة العربية.
وأشار رئيس مؤسسة بيت الحكمة، إلى أن دار النشر المشهورة عربيًا تجاوزت فكرة الترجمة وبدأت حاليا في التعاقد مع مؤلفين عرب لنشر كتب تحكي رويئتهم الحقيقية عن الصين، وأن الدار تخطط لتقديم سلسلة كتب يكتبها 10 مؤلفين من 10 دول عربية سلسلة ويتم نشرها بالعربية والصينية.
وأضاف أن مصر تشارك من خلال مؤسسة بيت الحكمة في معرض بكين الدولي للكتاب للسنة التاسعة على التوالي، وأنه خلال نسخة العام الحالي احتفلت الدار بإطلاق كتاب "تاريخ التبادلات العربية الصينية"، والذي ترجمه الدكتور حسين إبراهيم المستشار الثقافي السابق بسفارة مصر ببكين، والدكتورة نجاح عبد اللطيف، فضلا عن أول موسوعة علمية صينية باللغة العربية في التاريخ، ضمن مشروع سلسلة كنوز التراث الصيني والتي ترجمتها الدكتور إسراء عبد السيد، وتنظيم حفل توزيع جوائز مسابقة "الصين بعيون أجنبية"، والتي ألقى كلمة المسابقة فيها الدكتور أحمد ظريف مدير عام شركة منارات للثقافة والترجمة، مضيفًا أنه تم التوقيع عقود 20 كتاب جديد للترجمة من الصينية للعربية أهمهم كتاب " كيف كافحت الصين الفقر؟ "، وكتاب "الاقتصاد الصيني الواقع والمستقبل" تأليف نائب رئيس البنك الدولي لين يي فو.
معرض بكين الدولي للكتاب
ولفت إلى أن بيت الحكمة منذ تأسيسها وحتى الآن تعاونت مع أكثر من 75 دار نشر صينية في تعريب ونشر اكثر من 500 عنوان من الصينية للعربية، وأكثر من 50 عنوانا من العربية للصينية، كما أنها وكيل حصري لكتب ومناهج ومعاجم تعليم اللغة الصينية بالمنطقة العربية، ووكيل حصري لأكبر دور النشر الصينية المتخصصة في اصدار كتب تعليم اللغات، كما دشنت بيت الحكمة بالقاهرة مكتبين للتحرير، أحدهما بالشراكة مع دار مجموعة اليانغستي الصينية الشهيرة للنشر والإعلام وهو مكتب متخصص في كتب الثقافة الصينية والمعارف الرئيسية عن الصين، ومكتب التحرير المصري الصيني بالتعاون مع دار نشر ساينولنغوا التابعة للمجموعة الصينية للنشر الدولي وهو مكتب متخصص في تحرير وتأليف وتعريب مناهج تعليم اللغة الصينية للطلاب العرب، إضافة إلى أن بيت الحكمة للاستثمارات الثقافية شريك لواحدة من أكبر دور نشر كتب الأطفال بالصين وهي دار نشر جيلي لكتب الأطفال في أول دار نشر عربية باستثمارات صينية وهي دار نشر جيلي الدولية للثقافة والنشر بالقاهرة والتي تنتج كل عام أكثر من 40 عنوانا خاصا بالأطفال.
معرض بكين الدولي للكتاب
مصر تواجدت أيضًا خلال حفل إطلاق كتاب موسوعة "تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية"، الذي يعتبر إنتاجا مشتركا بين مؤسسة بيت الحكمة ومؤسسة دار نشر شاندونغ التعليمية، وهو الكتاب الذي يرصد مسيرة التبادلات الثقافية والأدبية منذ القدم بين الحضارتين الصينية والعربية، والترجمات الصينية الأولى للأدب العربي، كما يسلط الضوء على الأدب الصيني في الدول العربية، ورحلة التبادلات بين الأدباء العرب والصينيين والأحداث التاريخية التي واكبت محطات حركة التبادلات الأدبية بين الجانبين.
وقال وو شو لين، نائب الرئيس التنفيذي لجمعية النشر الصينية خلال كلمته التي ألقاها في حفل تدشين الموسوعة الشاملة، إن على الشعوب من جميع أنحاء العالم تعزيز التفاهم المتبادل والدفع لبناء مجتمع المصير المشترك عبر التعدد الثقافي والاعتراف بالآخر. مضيفا أنه من اللازم تبادل تاريخ الدول والحضارات ونقل أفكار الشعوب من خلال الكتب والقراءة، ما يجعل "الاعتراف الثقافي" قويا وفعالا.
وأشار وو إلى أن حركة التبادل الثقافي بين الصين والعالم العربي بدأت مع شق طريق الحرير القديم، وقال "الآن ينبغي علينا الاجتهاد في تفعيل دور الترجمة للتعريف بالكتب الثرية لدى الجانبين، ما يشكل فهم واعتراف قائم على أساس متين، وهو بالضبط المغزى من نشر موسوعة تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية".
ويرى وو أنه يجب تركيز الجهود على تحقيق نشر وتوزيع جيدين بعد عملية الترجمة عالية المستوى، لتدخل هذه الموسوعة مزيدا من المكتبات الجامعية والمكتبات العامة، ليتمكّن مزيد من القراء في الدول العربية من مطالعتها.
ومن جانبه عبّر الدكتور حسين إبراهيم، المستشار الثقافي والتعليمي والعلمي السابق لدى سفارة مصر بالصين، الذي شارك في ترجمة العمل إلى اللغة العربية مع الدكتورة نجاح أحمد عبد اللطيف، عن اعتزازه بتوثيق جوانب مسيرة التبادلات الأدبية بين الصين والدول العربية المفعمة بالأعمال المثمرة. مؤكدا أهمية هذا التوثيق قياسا بما تحقّق من إنجازات متنوعة على مدى سنين طويلة كان لها التأثير المباشر في تعزيز الترابط والتعاون على المستوى الشعبي بين الصين ودول العالم العربي.
وأوضح إبراهيم بأن كلا من الحضارتين العربية والصينية مثلتا كنزا للحضارة الإنسانية، وقد اسهمتا بشكل كبير في تقدم وتطوّر المجتمع البشري، ورسّختا مبادئ الحوار والتبادل بين الحضارات. مشيرا إلى أن مؤلفي موسوعة "تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية" تشي بو خاو ودينغ شو هونغ وتسونغ شياو في، قد نجحوا في تسليط الضوء على عمق التبادلات الأدبية والثقافية بين الصين والدول العربية، وهو ما يبشّر بمستقبل مشرق في العلاقات بين الجانبين.
وأشار إبراهيم في كلمته خلال حفل تدشين موسوعة "تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية" على هامش أعمال معرض بكين الدولي للكتاب، إلى ان عام 2015 الذي صادف عام التبادل الثقافي الصيني المصري، شهد حفل توقيع مخرجات حقوق النشر للنسخة العربية للموسوعة، وقال: "اليوم، وبعد ثلاث سنوات نجتمع مجددا في معرض بكين الدولي للكتاب، ويسعدني أن أشارك في حفل إطلاق الموسوعة بنسختها العربية".
وحول الصداقة بين الصين والدول العربية، أوضح تشي بو خاو المشارك في تأليف الموسوعة، أن العلاقة عميقة وراسخة، وقد أسس طريق الحرير بشقيه البري والبحري جسرا للتبادل الثقافي الأدبي بين الصين والبلاد العربية.
ونوّه تشي بأن هذه الموسوعة تشرح أحوال التبادلات الثقافية الأدبية الصينية العربية من جوانب مختلفة، معتبرا أنها ليست تفسيرات ظاهرية لتاريخ التبادلات الأدبية بين الجانبين، ولكن تمثّل دراسة معمّقة وتبني أساسا متينا لمواصلة البحوث والدراسات حول التبادلات الثقافية الأدبية الصينية العربية، ما سيساعد على تطوير علاقات الصداقة والتقارب بين الجانبين.
وشارك في نشر هذا العمل الذي يورّث ويرسخ لروح التعاون والتبادل على طول طريق الحرير ويبني لمستقبل المصير المشترك للبشرية، كل من مؤسسة دار نشر شاندونغ التعليمية، ومؤسسة دار الحكمة للاستثمار الثقافي والنشر، ومؤسسة منشورات ضفاف، ومؤسسة منشورات الاختلاف، ومؤسسة دار الأمان للنشر والتوزيع.
وترصد موسوعة "تاريخ التبادلات الأدبية الصينية العربية" التاريخ الطويل للأمة العربية في التواصل التجاري والثقافي والأدبي مع الصين، حيث عرفت الصين العرب منذ القرن الثاني قبل الميلاد مع رحلة المبعوث الصيني تشانغ تشيان إلى الغرب في عصر الإمبراطور هان وو دي، ثم عبر طريق الحرير البري القديم وطريق الحرير البحري (طريق التوابل) اللذين شهدا تدفقا للتجار العرب على الصين لتنتعش التبادلات الثقافية والأدبية إلى جانب التجارية بين الجانبين يوما بعد يوم.
ومن أوائل المترجمات عن العربية كانت في عام 1890، حيث ترجم ما آن لى "البردة" للبوصيري، ونشرها في مدينة تشينغدو في نسخا مطبوعة على ألواح خشبية باللغتين العربية والصينية. وتبعها عدد من الإسهامات الجليلة في التبادلات الثقافية الصينية العربية، منها ترجمة "ألف ليلة وليلة" ورائعة ماو دون "منتصف الليل".
وبعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، ومع تعزيز الروابط الدبلوماسية والاقتصادية مع الدول العربية، تطورت التبادلات الثقافية والأدبية لتصل إلى ذروتها بعد إطلاق العنان لسياسة "الإصلاح والانفتاح"، حيث تطوّر تعليم اللغة العربية في الصين بشكل ملحوظ، وأقبل عدد من أساتذة الجامعات والباحثين المتخصصين ومحبي الأدب العربي على ترجمة الأعمال الأدبية العربية من مصادرها.
قد يهمك أيضًا:
الأمن التونسي يُوقف طاقم طائرة سعودية للاشتباه في وقوع محاولة قتل
مصر للطيران تمنح باقة إنترنت مجانية للمسافرين على طائراتها
أرسل تعليقك