القاهرة - محمد التوني
حينما يتعلق الأمر بمعركة اليونسكو، التي تخوضها مصر الآن، من خلال الدفع بالسفيرة مشيرة خطاب فلابد أن يكون الفنان فارق حسني حاضراً وبقوة فهو إلى جانب كونه أشهر وزير ثقافة على مدى ربع قرن مضى، إلا أنه صاحب تجربة لا يمكن إغفالها، اكتسبها من خوضه انتخابات اليونسكو، تجربة ستظل محفورة في تاريخ المنظمة، خاصة بعد أن كان قريبًا من الفوز بهذا المنصب الرفيع، بل اعتبره المجتمع الدولي فائزا آنذاك، وتحدث فاروق حسني في حوار نشرته صحيفة مصرية، عن رؤيته حول المعركة التى تخوضها مصر من أجل الفوز بالمنصب، وكانت البداية المنطقية بسؤاله عن رأيه، في مسألة اختيار السفيرة مشيرة خطاب والدفع بها لهذا المنصب.
دون تفكير رد قائلاً: السفيرة مشيرة خطاب تتمتع بالعديد من المقومات التي تؤهلها وعن جدارة للترشح بل وللفوز بهذا المنصب، فهي بالفعل قادرة على إدارة هذا الكيان الدولي المهم بجدارة ، ويكمل ضاحكا: وبالطبع فإنها بفوزها ستكون قد أخذت بثأري الشخصي ممن خدعونا في اللحظات الأخيرة أثناء التصويت النهائي.
وعلى ذكر كلمة التصويت سألته عن تصوره لموقف الدول العربية ويتوقع إلى أين ستذهب أصوات المنطقة العربية .. فلم يدعنى أكمل السؤال حتى فاجأني بقوله أن المنطقة العربية هي أكبر "لغز" في انتخابات اليونسكو المقبلة، موضحاً أننا وبنظرة متعقله نجد أنفسنا أمام موقف "مرتبك" وعلاقات متشابكة "معلنة وغير معلنه"، بل أنها معقدة للغاية ، خاصة مع وجود 3 مرشحين من مصر ولبنان وقطر.. ثم أمامنا توجهات واضحة وضوح الشمس منها على سبيل المثال المملكة المغربية التى يجب أن نضع فى اعتبارنا تلك العلاقة المتشابكة بينها وبين فرنسا وبالتالى فإن صوت المغرب سيذهب بكل تأكيد لصالح فرنسا أو لما يخدم توجهات فرنسا، فوزيرة الثقافة الفرنسية من أصل مغربى كما أن والدها كان مستشاراً للملك الحسن الثانى وللملك محمد الخامس . ..وهنا ألفت الانتباه الى ضرورة عدم الاستهانة من التحرك القطرى الدولى والوضع فى الاعتبار طبيعة علاقات قطر بأمريكا وبعض الدول العربية وتواجدها أيضاً فى بعض الدول الأفريقية.
ولأن الشيء بالشيء يذكر سألته عن تصوره بشأن الدول الأفريقية وماذا يتوقع بشأن أصوات أفريقيا فقال: دعنا نحلل ما حدث من قبل ونضع المقدمات لنرى ماذا ستكون النتائج ، فالمقدمات تقول أن علاقاتنا بهذه المنطقة تشوبها بعض التوترات وبالتالى فإن أصواتهم ليست مضمونة بالكامل ويمكن ان نقول أنها "في علم الغيب"، ففي الانتخابات السابقة كنا قد حصلنا على اجماع عام من دول افريقيا وتم ذلك من خلال الرئيس القذافى وبالتنسيق مع الوزيرة فايزة أبو النجا فقد كان القذافى يلقب نفسه بملك افريقيا .. وكانت المفاجأة أننا لم نحصل على صوت واحد من الدول الافريقية وهذا مؤشر على أن ما يقال فى العلن شئ بينما الواقع يقول أشياء أخرى .
ويكمل حسني قائلاً : نحن الآن نواجه قوى مادية وسياسية تتحرك بلا قلب ولا تعرف العواطف وسط عالم يموج بالفوضى وعدم وضوح الرؤية حيث الحروب والصراعات شرقا وغرباً بشكل لم نره من قبل حتى في أسوأ فترات الصراع بين القوى العظمى، وهو ما يدفعنى إلى التأكيد على مسألة ضرورة الاستفادة من التوازنات الدولية وما تفرضه من ممارسة ضغوط بأشكال معينة، وعلينا ان نضع فى الاعتبار أن مصر كانت سبباً رئيسيا فى دعم منظمة اليونسكو فى وقت كانت المنظمة لا أحد يشعر بوجودها فبسبب الحضارة المصرية ومشروع انقاذ آثار النوبة فى الستينيات استطاعت المنظمة ان تحقق لنفسها شهرة دولية بهذا المشروع الذى لم يكلفها شيئاً فقد كانت نفقات المشروع بالكامل من خلال ما جمعته من تبرعات دولية.
وعلى الرغم من تلك الصورة التى تبدو قاتمة فكان رده عن اوروبا يبعث على التفاؤل حيث قال: ان مصر تتمتع بعلاقات ثقافية قوية مع تلك الدول وأعتقد أن ذلك سيكون له دور كبير فى التوازنات الدولية فمصر بها أعداد كبيرة من البعثات الأثرية الاوروبية وتعمل حاليا فى الحفريات وهذا المدخل ينبغى علينا أن نستثمره فى الحصول على الأصوات الاوروبية لأن المصالح سيكون لها دور كبير فى تغيير توجهات تلك الدول. وحينما أخذنا الحديث الى هذا الجانب المهم المتعلق بمخاطبة الغرب والآلية التى ينبغى الاعتماد عليها فى هذه المسألة ، لفت الفنان فاروق حسنى الانتباه الى مسألة فى غاية الأهمية والخطورة أيضا تتعلق بضرورة مخاطبة تلك الدول من خلال الاعلام الغربى لأننا بالافراط فى الحديث عن الموضوع من خلال إعلامنا المحلى فإننا نخاطب انفسنا وهذا لن يخدمنا على الإطلاق وكانت المفاجأة فى قوله : أثناء فترة ترشحى لليونسكو تم نشر 4200 مقال ضدى فى وسائل الاعلام الغربية وكانت الصهيونية العالمية هى التى تقف خلف تلك الحملة الممنهجة. وتحركها فى الاتجاهات التى تخدم هدفها الاستراتيجى وهو منع وصول فاروق حسنى الى هذا المنصب بسبب موقفه الثابت تجاه موضوع رفض التطبيع مع اسرائيل . فسألته عن التحرك المصرى الرسمى خارجيا هل هو كاف لتحقيق الفوز فقال: الدولة ممثلة فى وزارة الخارجية تقوم بتحرك كبير جداً وفى كل الاتجاهات لأن الدولة تدعم ترشح السفيرة مشيرة خطاب بقوة وتكرس لها كافة السبل من اجل الفوز .
وبمناسبة الحديث عن التوازنات الدولية سألت الفنان فاروق حسنى عن تلك المعايير والآليات التى يمكن ان ندخل من خلالها الى كسب المزيد من التأييد الدولى ، فصمت قليلاً وكانه يعيد شريطا فيلم سينمائى مليئا بالاحداث الدرامية حيث قال : المسألة ليست فى هذا المرشح ولا ذاك وإنما فى متطلبات يركز عليها المجتمع الدولى ومن خلالها يتخذ قراره بمنح صوته الى الشخص الذى يحقق له تلك المطالب وأتذكر أننى فى جلسة الإستماع كان مندوب المانيا
فى منتهى القسوة وهو يوجه الأسئلة التى يراها أنها ستكون حجتهم فى منع التصويت للمرشح المصرى فقد سأل عن مستوى التعليم فى مصر مشيراً الى انه يحتاج الى الكثير والكثير من البرامج التاهيلية وركز جيداً معى فى مناقشة آليات تعامل الدولة مع ملفات الحريات وحقوق الإنسان، فى تلك الأثناء نجحت فى الخروج من هذا الفخ بتقديم نماذج عديدة من احترام مصر للحريات وحقوق الإنسان وصفق لى الجميع ولكن حينما جاء وقت الدخول في غرف مغلقة للتصويت النهائى كان للسياسة كلمتها "الفاصلة" التي تأتي دائمًا بالنتائج غير المتوقعة.
أرسل تعليقك