أعلن الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، عن إطلاق حملة توعوية مكثفة لخدمة الحجاج والمعتمرين، تشتمل تخصيص خُطب الجمعة في الجامع الأزهر حتى انتهاء أعمال الحج لبيان أحكام الحج والعمرة، وما يتعلق بهما من الآداب والسلوكيات والأحكام التي يحتاجها زوار بيت الله الحرام أثناء هذه الرحلة المباركة . وعن تفاصيل الحملة، يقوب الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر في بيان اليوم، في تصريحات لـ"مصر اليوم"، أن الحملة تتضمن شرحا تفصيليا وبياناً عملياً للحجاج والمعتمرين من خلال دروس دينية وتثقيفية بالجامع الأزهر الشريف ومقار مديريات الوعظ بالمحافظات على مستوى الجمهورية، بالتنسيق مع وزارتي الداخلية والتضامن الاجتماعي وشركات السياحة الدينية.
كما أكد شومان، على أن الحملة تتضمن أيضا الإجابة على أسئلة واستفسارات الحجاج والمعتمرين وإرشادهم إلى أيسر السُبُل والمذاهب لأداء مناسكهم على الوجه الصحيح، وتوجيه وإرشاد قوافل الحج في المطارات والموانئ البرية والبحرية بالتنسيق مع شركة مصر للطيران والملاحة البحرية من خلال وعاظ الأزهر الموجودين بالمطارات والموانئ من بداية رحلات الحج وحتى آخر رحلة إلى الأراضي المقدسة.
وعن تفاصيل فريضة الحج، أعلنت وزارة الأوقاف رسميا على موقعها تفاصيل المناسك من خلال نشر الخطوات التي يقوم بها الحاج في كل يوم من أيام بدء المناسك ، بداية من الإحرام وحتى طواف الوداع، ثم زيارة قبر الرسول والمسجد النبوي الشريف في المدنية المنورة والعودة لأرض الوطن.
وعن التعريف بالحج، فالحج هو قصد مكةَ لأداء عبادة الطواف وسائر المناسك في أشهر الحج؛ استجابة لأمر الله، وابتغاء مرضاته ،وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفرض معلوم من الدين بالضرورة. قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الۡبَيۡتِ مَنِ اسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗا، وقال سبحانه: {وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ ، لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ اسۡمَ اللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ} .
وفي حديث أبى هريرة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه" ،و قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "حجوا؛ فإنَّ الحج يغسل الذنوب كما يغسل الماءُ الدرن"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "الحجاج والعمار وفد الله: إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم".
ويتضح فضل الإنفاق في الحج في قول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله، الدرهم بسبعمائة ضعف وهو فرض على كل مسلمة ومسلم بالغ، عاقل، مستطيع"، ويستحب المبادرة بأداء هذه الفريضة متى توافرت الاستطاعة.
وعن المناسك، فإنها تبدأ بالإحرام، ومستلزمات لبس الإحرام، بالنسبة للرجل الحاج، فهو الإزار وهو ثوب من قماش تلفه على وسطك تستر به جسدك ما بين سرتك إلى ما دون ركبتك ، ويلزم اللون الأبيض الذي لا يشف عن العورة "بشكير"، والرداء وهو ثوب تستر به ما فوق سرتك إلى كتفيك فيما عدا رأسك ووجهك، وخيره الجديد الأبيض "بشكير"، ويجب الحذر هنا أن يلبس الحاج في مدة الإحرام "فانلةً أو جوربا أو جلبابا أو شيئا مما اعتدت لبسه من الثياب المفصَّلة المخيطة"، لكن في حال الإضطرار فلك أن تلبس ذلك مع الفدية؛ فقد قال الله تعالى: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ} ، ويشمل لبس الإحرام أيضا نعل تلبسه في رجليك يظهر منه الكعب من كل رِجْلٍ، والمراد بالكعب هنا العظم المرتفع بظاهر القدم.
أما المرأة الحاجة، فتلبس ملابسها المعتادة، الساترة لجميع جسدها من شعر رأسها حتى قدميها، ولا تكشف إلا وجهها وكفيها، وعليها ألا تزاحم الرجال، وأن تكون ملابسها واسعة لا تبرز تفاصيل الجسد وتلفت النظر، والمستحب الأبيض. وبالنسبة لأحوال السفر لأداء المناسك، فهي إذا كنت متوجها إلى المدينة المنورة أولًا فلا تحرم، ولا تلبس ملابس الإحرام، بل ابق بملابسك العادية إلى أن تتم زيارة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتنتهى إقامتك بالمدينة، وعندما تشرع في التوجه منها إلى مكة فإن عليك أن تحرم بالعمرة فقط أو بالحج فقط أو بهما معا -حسبما تريد- من المدينة ذاتها، أو من ميقاتها -ذي الحليفة- وهو المكان المعروف الآن "بآبار علي" قرب المدينة، في الطريق منها إلى مكة، أو من رابغ، وإذا كنت ممن يسافرون في الأفواج المتأخرة الذاهبة من جدة إلى مكة مباشرة، فلك أن تنوى الحج والعمرة معا وتسمى "قارنا" أي: جامعا بينهما، ولك أن تحرم بالعمرة فقط، أو أن تحرم بالحج فقط.
فإذا ركبت الباخرة واقتربت بك من الميقات -وهو "الجحفة" قرب رابغ بالنسبة للمصريين وأهل الشام- فتهيأ للإحرام: بحلق شعرك، وقص أظافرك، ثم اغتسل في الباخرة استعدادا للإحرام، وهو غسل للنظافة لا للفريضة، أو توضأ إن لم يتيسر لك الاغتسال، وَضَعْ على جسدك شيئا من الرائحة الطيبة المباحة، والبس ملابس الإحرام الموصوفة آنفا، ومتى لبست ثياب الإحرام على هذا الوجه -أي: بعد التطهر بالاغتسال أو الوضوء- صل ركعتين سنة وانوِ في قلبك عقب الفراغ من أدائهما ما تريد: من العمرة فقط، أو الحج فقط، أو هما معا إذا نويت القران بينهما، وقل: اللهم إني نويت "كذا" فيسره لي وتقبله مني، ثم قل: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، وبهذا القول بعد تلك النية تصير مُحْرِمًا بما نويت وقصدت العمرة فقط أو الحج فقط أو هما معا؛ لأن هذه التلبية بمثابة تكبيرة الإحرام للدخول في الصلاة.
وعن محظورات الإحرام، فهي متى صرت محرِمًا على هذا الوجه فلا تفعل، بل ولا تقترب مما صار مُحَرَّمًا عليك بهذا الإحرام، وهو تغطية الرأس، وحلق الشعر أو شدُّه من أي جزء من الجسد، ولا تقصَّ الأظافر، ولا تستخدم الطيب والروائح العطرية، ولا تخالط زوجتك أو تفعل معها دواعي المخالطة، كاللمس والتقبيل بشهوة، ولا تلبس أي مخيط، ولا تتعرض لصيد البر الوحشي، أو لشجر الحرم.
وإذا فعل المحرم واحدا من هذه المحظورات قبل التحلل الأول -رمى جمرة العقبة في عاشر ذي الحجة- صح حجه، وصحت عمرته، ولكن عليه أن يذبح شاة، أو يطعم ستة مساكين، أو يصوم ثلاثة أيام. أما الجماع قبل رمى جمرة العقبة (التحلل الأول) فإنه يفسد الحج، وعلى من فعل ذلك أن يعيد الحج مرة أخرى في عام آخر، ويحرم على المرأة الانتقاب (تغطية الوجه) أو لبس القفازين، كما أنه محظور على المسلمة وعلى المسلم: المخاصمة والجدال بالباطل مع الرفقة؛ لقول الله سبحانه: {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى الۡحَجِّۗ}.
وإذا كنت مسافرا بالطائرة: فاستعد بالإحرام وأنت في بيتك أو في المطار أو في داخل الطائرة، والبس ملابس الإحرام إن لم يكن بك عذر مانع من لبسها، ثم انو ما تريد من عمرة أو حج، ولَبِّ "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك"، بعد ارتداء ملابس الإحرام أو عند استقرارك في الطائرة، أو عقب تحركها، وذلك كما تقدم متى كنت متوجهًا إلى مكة مباشرة من جدة، أما إذا كنت متوجهًا إلى المدينة أولًا فكن عاديا في كل شيء، ومتى أحرمت ونويت ولبيت -كما سبق- صار محظورًا عليك الوقوعُ في شيء من تلك المحظورات.
وعما يباح للمحرم، فإنه بعد الإحرام يباح الاغتسال، وتغيير ملابس الإحرام، واستعمال الصابون للتنظيف ولو كانت له رائحة. وللمرأة غسل شعرها ونقضه وامتشاطه؛ فقد أذن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- لعائشة -رضى الله عنها- في ذلك بقوله: "انقضي رأسك وامتشطي".
وعند دخول مكة، يكون الحاج على مشارف مكة محرما، فمتى دخلها يطمئن أولًا على أمتعته في مكان إقامته، ثم يغتسل أو يتوضأ. وعن دخول المسجد الحرام، يتوجه إلى البيت الحرام؛ لتطوف طواف العمرة إن نويتها، أو طواف القدوم إن كنت قد نويت الحج ، وكبِّر، وهلِّل عند رؤية الكعبة المشرفة وقل: "الحمد لله الذي بلَّغنى بيته الحرام، اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك، اللهم زد بيتك هذا تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة، وزد مَن شرَّفه وكرَّمه -ممن حجه أو اعتمره- تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًّا، اللهم أنت السلام ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام، وأدخلنا دار السلام"، ثم ادع بما يفتح الله به عليك، فالدعاء في هذا المقام مقبول بإذن الله تعالى ،وإذا لم تحفظ شيئا من الأدعية المأثورة فادع بما شئت وبما يمليه عليك قلبك، ولا تشغل نفسك بالقراءة من كتابٍ غيرِ القرآن، فهو الذي تقرؤه وتكثر من تلاوته.
ثم الطواف بالبيت، ولتبدأه وأنت متطهر، واستقبل الكعبة المشرفة تجاه الحجر الأسود، واجعله على يمينك؛ لتمر أمامه بكل بدنك، واستقبله بوجهك وصدرك، وارفع يديك حين استقباله كما ترفعها في تكبيرة الإحرام؛ للدخول في الصلاة، كما هو مذهب الحنفية والأثرم من الحنابلة، ناويًا الطواف، مكبرا، مهللا، معلنا: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، قائلًا: اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وآله وسلم ،ثم اجعل الكعبة على يسارك مبتدئًا من قبالة الحجر الأسود، وسر في المطاف -مع الطائفين- حتى تتم سبعة أشواط بادئًا بالحجر الأسود ومنتهيًا إليه في كل شوط.
ومن السُّنة استلام الحجر الأسود وتقبيله عند بداية كل شوط إن استطعت، فإن شق عليك ذلك فلتسْتلِمْه بيدك ولتقبِّلْ يدك، وإلا أشرت إليه دون تقبيل، ويستحب أن تقول عند الاستلام ما تقدم من التكبير والتهليل، ودعاء: اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاءً بعهدك، واتباعًا لسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وآله وسلم ،ولا تشتغل في الطواف بغير ذكر الله والاستغفار والدعاء وقراءة ما تحفظ من القرآن مع الخضوع والتذلل لله، ومن أفضل الدعاء ما جاء في القرآن الكريم كقوله تعالى: {رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِي الدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي الۡأٓخِرَةِ حَسَنَةٗ وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} ، ولا ترفع صوتك، ولا تؤذ غيرك واستشعر الإخلاص، فالله تعالى يقول: {ادۡعُواْ رَبَّكُمۡ تَضَرُّعٗا وَخُفۡيَةًۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ الۡمُعۡتَدِينَ}
ثم ركعتا الطواف، فإذا فرغت من أشواط الطواف السبعة فتوجه إلى المكان المعروف بمقام إبراهيم وصَلِّ فيه -منفردا- ركعتين خفيفتين ناويًا بهما سنة الطواف، أو صلهما في أي مكان في المسجد إن لم تجد متسعًا في مقام إبراهيم، وادع الله بما تشاء وما يفتح به عليك، ثم توجه إلى الملتزم وهو المكان الذي بين باب الكعبة والحجر الأسود، وإذا استطعت الوصول إليه فضع صدرك عليه مادًّا ذراعيك، متعلقًا بأستار الكعبة، واسأل الله من فضله لنفسك ولغيرك فإن الدعاء هنا مرجو الإجابة.
ثم الشرب من ماء زمزم، وهنا يتم التوجه إلى صنابير مياه زمزم واشرب منها ما استطعت، فإن ماءها لما شرب له، كما في الحديث الشريف. ثم السعي بين الصفا والمروة، ثم ارجع -بعد شربك من ماء زمزم أو بعد وقوفك بالملتزَم- واسْعَ بين الصفا والمروة بادئا بما بدأ الله تعالى به فى قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِۖ} ، ومتى صعدت إلى الصفا فهلل وكبر، واستقبل الكعبة المشرفة، وصلِّ على النبي المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وادع لنفسك ولمن تحب ولنا معك بما يشرح الله به صدرك.
ثم ابدأ أشواط السعي -سيرًا عاديًّا- من الصفا إلى المروة في المسار المعد لذلك مراعيا النظام والابتعاد عن الإيذاء ،وأسرع قليلا في سيرك بين الميلين الأخضرين -في المسعى القديم والجديد علامة تدل عليهما-، وهذا الإسراع هو ما يسمى "هرولة" وهى خاصة بالرجال دون النساء. فإذا بلغت المروة قف عليها قليلا مكبرا مهللا مصليا على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، جاعلا الكعبة تجاه وجهك داعيا الله تعالى بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة لك ولغيرك، وبهذا تم شوط واحد.
ثم تابع الأشواط السبعة على هذا المنوال مع الخشوع والإخلاص والذكر والاستغفار، وردد ما ورد عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الموطن: "رب اغفر وارحم، واعف عما تعلم، أنت الأعز الأكرم، رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم". بانتهائك من أشواط السعي السبعة تكون قد أتممت العمرة التي نويتها حين الإحرام.
ثم التحلل من العمرة، وبعدها ينم حلق الرأس بالموس، أو قص شعرك كله أو بعضه، والحلق أفضل للرجال وحرام على النساء، وبهذا الحلق أو التقصير للشعر يتحلل المحرم من إحرام العمرة رجلا كان أو امرأة، ويحل له ما كان محظورا عليه، فليلبس ما شاء، ويتمتع بكل الحلال الطيب إلى أن يحين وقت الإحرام بالحج حين العزم على الذهاب إلى عرفات ومنى.
وعن هدي التمتع: "فمتى تمتعت على هذا الوجه بالتحلل من إحرام العمرة قبل الإحرام بالحج، فقد وجب عليك ذبح هدي؛ امتثالا لقول الله تعالى: {فَمَن تَمَتَّعَ بِالۡعُمۡرَةِ إِلَى الۡحَجِّ فَمَا اسۡتَيۡسَرَ مِنَ الۡهَدۡيِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِى الۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهۡلُهُۥ حَاضِرِى الۡمَسۡجِدِ الۡحَرَامِۚ} وهذا الهدى يجوز ذبحه بمكة عقب الانتهاء من التحلل من العمرة، كما يجوز ذبحه بمنى في يوم العيد، أو في أيام التشريق التالية له، أو في مكة بعد عودتك من منى، ولك أن تأكل منه".
وعن طواف القدوم للحاج المفرد، فمن أحرم بالحج فقط أو كان محرمًا قارنًا بين الحج والعمرة، فإن عليه -حين وصوله إلى مكة محرمًا وبعد أن يضع متاعه ويطمئن على مكان إقامته- أن يطوف بالكعبة طواف القدوم سبعة أشواط، وله أن يسعى بين الصفا والمروة، حسبما تقدم، وله تأجيل السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة ولا يتحلل من إحرامه، بل يظل محرمًا حتى يؤدى مناسك الحج والعمرة ويقف على عرفات، ثم يبدأ التحلل الأول ثم الأخير بطواف الإفاضة.
وإعادة الإحرام للحج، إذا كنت متمتعًا ففي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة ويسمى "يوم التروية" تهيأ للإحرام بالحج على نحو ما سبق بيانه في الإحرام حين بدء الرحلة، والبس ملابس الإحرام الموصوفة على الطهارة غسلا أو وضوءا ثم صلِّ ركعتين بالمسجد الحرام إن استطعت، وانو الحج، وقل إن شئت: اللهم إني أردت الحج فيسره لي وتقبله مني، ثم قل "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. ومتى قلت ذلك -بعد تلك النية- صرت محرمًا بالحج، ورددها كلما استطعت في سيرك ووقوفك وجلوسك وارفع بها صوتك دون إيذاء لغيرك، والمرأة تلبي في سرها، وداوم عليها وأنت في الطريق إلى منى وإلى عرفات، وفى عرفات، وحين الإفاضة من عرفة إلى المزدلفة، وفى هذه الأخيرة، وعند وصولك إلى منى يوم النحر ولا تقطعها حتى تبدأ في رمي جمرة العقبة.
ثم المبيت بمنى ليلة عرفة، ثم يخرج الحاج في يوم التروية إلى منى فيصلى بها الظهر، ويبيت ليلته حتى يصلى فجر يوم عرفة، وهذا المبيت سنة إن تركه لا شيء عليه، وإن بات بعرفة بدلا عنه صح حجه ولا شيء عليه، خاصة إذا كان هذا خط سير مجموعته.
الحج عرفة، يتم الاستعداد للوقوف بعرفة يوم التاسع من ذي الحجة؛ لأن هذا الوقوف هو الركن الأعظم للحج كما جاء في الحديث الشريف: «الحج عرفة» فمن فاته الوقوف فقد فاته الحج، ويتحقق هذا الوقوف بوجود الحاج وحضوره، ولو لحظة، واقفًا أو جالسًا أو ماشيًا أو راكبًا في أي وقت من بعد ظهر يوم التاسع إلى فجر يوم العاشر، والأفضل الجمع بين جزء من النهار في آخره وأول جزء من ليلة العاشر منه، أي: قبيل غروب شمس يوم التاسع إلى ما بعد الغروب بقليل، ويحسن أن تكون على طهارة، وأفضل الدعاء على عرفة ما جاء في الحديث الشريف: «خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، ثم اخشع وتذلل لربك نادما على ذنبك وخطاياك، راجيا عفوه، طامعا في رحمته ورضوانه، متمثلا يوم الحشر الأكبر؛ فإن عرفة صورة منه، فقد حشر فيه الخلق من كل جوانب الأرض حجاجًا.
ثم الصلاة في مسجد نمرة، وصلِّ الظهر والعصر يوم التاسع مقصورتين «ركعتين لكل منهما» مجموعتين جمع تقديم، أي: صلِّهما -في وقت الظهر- مع الإمام في مسجد نمرة إذا استطعت، ولا تفصل بينهما بنافلة، وإلا فصلِّهما حيث كنتَ في خيمتك: كلًّا منهما في وقتها، أو جَمعَ تقديم في وقت الظهر.
ثم التوجه إلى مزدلفة، فعقب غروب شمس يوم التاسع يتوجه الحجيج إلى مزدلفة، وعند الوصول إليها يؤدى الحاج فرض المغرب وفرض العشاء جمع تأخير في وقت العشاء، ولك أن تبيت بمزدلفة حتى تصلى بها الصبح، ثم تتوجه إلى منى، وهذا متوقف على استطاعة المبيت بمزدلفة، وإلا فلو لم تستطع المبيت بها أجزأك أن تمكث بها قدر حط الرحال على مذهب المالكية، أو الوجود بها لحظة بعد منتصف الليل على مذهب الشافعية، أيهما أيسر لك، ومزدلفة كلها موقف، وهى المشعر الحرام، وأكثِر فيها من الذكر والدعاء والاستغفار والطلب من الله تعالى ،واجمع من أرضها الحصيات التي سترمى بها جمرة العقبة صباح يوم النحر بمنى، وهي سبع حصيات كل واحدة منها في حجم حبة الفول ،ولك أن تجمعها من أي مكان غير مزدلفة، ولك أن تجمع جميع حصيات الرمي في الأيام الثلاثة ومجموعها 49 حصاة سبع منها لجمرة العقبة يوم النحر وإحدى وعشرون للجمرات الثلاث في ثاني أيام العيد ومثلها في ثالث أيامه.
ومن بقى في منى إلى رابع أيام العيد فعليه رمى الجمرات الثلاث كل واحدة بسبع حصيات كما فعل في اليومين الثاني والثالث. والذهاب إلى منى ورمي جمرة العقبة الكبرى، يتم بعد المبيت وصلاة الفجر بالمزدلفة اقصد إلى جمرة العقبة بمنى وارمها بالحصيات السبع، واحدة بعد الأخرى على التوالي، وارم بقوة وقل: بسم الله والله أكبر رغمًا للشيطان وحزبه، اللهم اجعله حجًّا مبرورًا وذنبًا مغفورًا، واقطع التلبية التي التزمتها منذ أحرمت ،وإياك ورمي هذه الجمرات أو غيرها بالحجارة الكبيرة أو العصى أو الزجاج أو الأحذية كما يفعل بعض الناس؛ لأن كل هذا مخالف للسنة الشريفة، ولك أن تؤجل الرمي لآخر النهار ولا حرج عليك.
وبالنسبة للإنابة في الرمي، فإذا عجز الحاج عن الرمي بنفسه -لمرض أو لعذر مانع في وقته- جاز أن يوكل غيره في الرمي عنه بعد رمى الوكيل لنفسه. وعن التحلل من إحرام الحج، فيتم بعد رمي جمرة العقبة هذه يحلق الحاجُّ رأسه أو يقصر من شعره، وتقصر الحاجَّةُ من أطراف شعرها، ولا تحلق، وبهذا الحلق أو التقصير يحصل التحلل من إحرام الحج ويحل ما كان محرمًا ما عدا الاتصال الجنسي بين الزوجين؛ فإن هذا لا يحل إلا بعد طواف الإفاضة الذى قال الله فى شأنه: {وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِالۡبَيۡتِ الۡعَتِيقِ} .
أما طواف الإفاضة، فيتم بعد رمى جمرة العقبة والتحلل -بالحلق أو التقصير- يذهب الحاج إلى مكة للطواف بالكعبة سبعة أشواط هى طواف الفرض، ويسمى طواف الإفاضة أو طواف الزيارة، وقد سبق بيان أحكام الطواف، ثم يصلى ركعتين فى مقام إبراهيم، ويشرب من ماء زمزم، ويسعى بين الصفا والمروة على ما تقدم بيانه .
ثم المبيت بمنى ورمى باقي الجمرات، يتم بعد طواف الإفاضة عُدْ إلى منى في نفس اليوم، وبت فيها ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة، ويجوز أن تبقى في مكة ثم تتم الليلة بمنى، كما يجوز أن تستمر فى منى وتتم الليل بمكة، ولك ألا تبيت بمنى وإن كره ذلك لغير عذر، ومن الأعذار عدم تيسر مكان المبيت، ولكن يلزمك إذا لم تبت فى منى أن تحضر إليها لرمى الجمرات.
وعن أماكن رمى الجمرات الثلاث ووقته، الصغرى وهى القريبة من مسجد الخيف، ثم الوسطى وهى التي تليها وعلى مقربة منها، ثم العقبة وهى الأخيرة، وارم هذه الجمرات في كل من يومي ثاني وثالث أيام العيد كل واحدة بسبع حصيات كما فعلت حين رميت جمرة العقبة في يوم العيد، ووقت رمي هذه الجمرات من الزوال إلى الغروب، وبعد الغروب أيضا، ولكن الأفضل عقب الزوال لموافقة فعل الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- متى كان هذا ميسورًا دون حرج.
أما طواف الوداع، فاسمه يدل على الغرض منه؛ لأنه توديع للبيت الحرام، وهو آخر ما يفعله الحاج قبيل سفره من مكة بعد انتهاء المناسك، وقد اتفق العلماء على أنه مشروع، متى فعله الحاج سافر بعده فورا، ثم اختلف العلماء في حكم هذا الطواف: هل هو واجب أو سنة؟، وبالأول قال فقهاء الأحناف والحنابلة ورواية عن الإمام الشافعي، وبالقول الآخر قال الإمام مالك وداود وابن المنذر، وهو أحد قولي الإمام الشافعي، والفتوى في دار الإفتاء المصرية على الثاني. ويستحب تعجيل العودة، فعن عائشة -رضى الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال : "إذا قضى أحدكم حجه فليتعجل إلى أهله؛ فإنه أعظم لأجره".
ثم زيارة المدينة المنورة، وإذا لم تكن أيها الحاج قد بدأت هذه الرحلة المباركة بزيارة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، فمن السنة وقد فرغت من مناسك الحج أن تقوم بها؛ فإنه من أعظم الطاعات وأفضل القربات، وفى فضلها أحاديث شريفة كثيرة، ولتقصد منها زيارة قبره الشريف والصلاة في حرمه الآمن؛ تحصيلا للثواب، فقد ورد في الحديث الشريف عن صاحب هذا الحرم -صلى الله عليه وآله وسلم-: "صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".
أرسل تعليقك