كانت (عكركوف) التي تقع غرب بغداد، يومًا وخلال الحقب السحيقة مدينة عامرة آهلة بالسكان تمثل عاصمة امبراطورية الكيشيين التي حكمت المنطقة أربعة قرون ونصف القرن تحولت بعدها الى منطقة اكتسحتها مساحات المياه الواسعة حتى سكانها كانوا يستخدمون القارب في تنقلاتهم، فاذا دنت بها الأزمان من أوقاتنا الحاضرة انتهى بها الحال الى أن تكون ناحية يشكو سكانها العطش.
عكركوف موقع أثري يضم زقورة تعود الى القرن الخامس عشر قبل الميلاد الى جانب أطلال واثار أخرى، وهي أحدى الممالك البابلية تميزت بزقورتها التي تعد من اكبر الأبراج المسجلة في العراق اذ يبلغ ارتفاعها الحالي (57) متراً، قاعدتها مربعة الشكل تقريباً ويعتقد ان الارتفاع الأصلي كان بحدود (70) مترًا ازدانت واجهاتها الخارجية بأعمال معمارية بديعة تعد ضرباً متقدماً في فن العمارة.
المعالم الأثرية الموجودة في مدينة عكركوف
ويعرف أيضاً بالصرح المدرج ويتكون من وحدتين أساسيتين وهما المعبد المرتفع، والذي يضم أجزاء من السور المقدس والذي يحيط بالمدينة، بالإضافة إلى المصطلة المركزية والتي تقع في جنوب الزقورة، ووحدة البناء الأساسية في المدينة هي اللبن المرصوف والتي بنيت على شكل جردان تتخللها الكثير من الفتحات المربعة، لتوفير الضوء الكافي والتخلص من الرطوبة.
وبنيت الزقورة على شكل مربع حيث تبلغ قاعدة 70م*71م، تشير أوجهه إلى الاتجاهات الأربعة، وبنيت بشكل هندسي جديد تعتمد جدرانها على نظام الدخلات والطلعات مما وفر منظراً جميلاً لها، وتم تغليف الجدران من الآجر وهو طين أحمر يتم إنتاجه باستخدام درجات كبيرة من الحرارة، والتي طمست آثارها بفعل الأمطار والسيول والتي صعب على المنقبين اكتشافها.
*المعابد الجنوبية
وتقع في الجزء الجنوب الشرقي من المدينة، وتم تشييد المعابد من قبل الكثير من الحكام والملوك الذين حكموا البلاد وقتها ومن أشهر هذه المعابد، معبد أي يو كال وتعني بيت السيد العظيم والذي شيد في زمن كوريكالزو الثالث، بالإضافة إلى معبد أي كي شان آن تكال والتي تعني بيت السيد الأكبر، وبنيت المعابد على شكل ساحات عظيمة تتخللها الحجرات والممرات والأروقة.
*قصور المدينة
وسميت بقصور مدينة كويكالزو وهي عبارة عن قباب متوازية استخدمت منازل للملوك، بالإضافة إلى احتوائها على العديد من المخازن الصغيرة التي استخدمت في تخزين الحبوب والمواد الغذائية.
*تأهيل سياحي
ويقول يوسف عبد الله مراقب اثار لـ"العرب اليوم" عكركوف: "ان الزقورة كانت محاطة بالقصور والمعابد والقبور واستمر السكن فيها حتى العهود العربية الاسلامية و تضم تربتها الكثيرمن الأسرار غير المكتشفة.
يضيف عبد الله: "ان وزارة السياحة رصدت مبلغ مليار دينار لتأهيل وتطوير آثار عكركوف سياحياً ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية غير ان مشاكل الروتين والمعرقلات تواجهنا لاستكمال هذه الأعمال التي في مقدمتها صيانة لـ الزقورة التي ضربتها التشققات فضلاً عن صيانة المعابد وتأهيل الحدائق، مشيرا الى ان اعمال تنقيب تجري في بعض المواقع داخل مدينة عكركوف وبعضها لم تكتمل الاعمال فيها.
وبين ان سكان المنطقة والفلاحين تعهدوا لهيئة الاثار بعدم التعرض للاثار التي تظهر، كون المنطقة غنية بالاثار وقد تظهر اللقى او الابنية اثناء عمليات الحراثة او شق الجداول، لافتا الى ان عدم وجود تخصيصات مالية لاجراء حملات استكشافية سيضع الاثار في دائرة الخطر.
رئيس لجنة السياحة والاثار في مجلس ناحية عكركوف حيدر كاظم التميمي يقول: "ان المنطقة كانت في الماضي تحظى باهتمام السياح وتشهد مناطقها الأثرية سفرات مدرسية ومجاميع من العوائل لاسيما في ايام العطل، لكن أعوام تدهور الاوضاع الأمنية تسببت في توقف العمل السياحي فيها رغم وجود اكثر من خمسة عشر موقعًا اثاريًا وتم اكتشاف الكثير من اللقى كانت تسلم لدائرة الاثار، وهذه مهمة تحتاج الى متابعة مستمرة ووسائط للتنقل.
*بحيرات للأسماك
عضو المجلس البلدي حيدر علي كاظم التميمي قال: "توجد في ناحية عكركوف (38) بحيرة أسماك متجاوزة على نهر التميمي الذي يغذي الناحية، ما يؤثر على ري المناطق الزراعية واكثر المزارعين يعانون من عدم حصولهم على ري الفطمة أي النهائية في فصل الشتاء ،مما يؤدي عادة الى خسارة تكررت لخمس أعوام متالية"، مؤكداً ان المشكلة سببها قطع مياه نهر الكرمة في الفترة من منتصف اذار حتى منتصف نيسان.
وحذر معماريون ومؤرخون عراقيون من اهمال رسمي بات يهدد المنطقة التراثية عكركوف والتي يعود تاريخ تشييدها الى حقبات زمنية مختلفة.
وأكد المعماري العراقي الشهير هشام المدفعي ان "التراث المعماري لـ"عكركوف" بات الان يتطلب خطوة مهمة للمحافظة عليه".
واضاف "تحدثنا منذ أعوام طويلة عن اهمية الحفاظ على المراكز والمباني التراثية سواء المنتشرة في مراكز المدن العراقية وفي العاصمة بغداد، ولكن للاسف لم تجد تلك الدعوات استجابة من قبل المؤسسات الحكومية والسلطات".
وكان عام 1982 شهد اقامة اول مؤتمر في بغداد مخصص لحماية العناصر التاريخية شارك فيه اكثر من 300 باحث ومؤرخ ومفكر وخرج بتوصيات تهدف لحماية المباني والمراكز التراثية.
وفي عام 2006 عقد في بغداد مؤتمر برعاية وزارة الثقافة العراقية للغرض ذاته، وفي عام 2010 اقامت امانة بغداد مؤتمرا لاستشاريين معماريين من مختلف دول العالم يهدف الى المحافظة على الموروث العمراني، الا ان تلك المؤتمرات لم تقترن بخطوات عملية تشير الى سعي المؤسسات المعنية للحفاظ على المراكز التراثية.
وأشار المدفعي الذي عمل لأعوام طويلة في امانة بغداد خبيرا ومهندسا معماريا متخصصا في التخطيط العمراني للمدن انه "في الموصل (350 لكم شمال بغداد) القديمة كان هناك 16 جامعا تراثيا و16 كنسية ومنازل تراثية قديمة تعود الى بين 200 و250 عامًا".
وذكر ان "هذه المنطقة ومساحتها نحو كيلومترين مربعين تواجه الاهمال والاندثار بعدما فقدت مضامين تراثية كثيرة خلال الأعوام الماضية، والحال ذاته في قلعة واسواق كركوك (240 كلم شمال بغداد) واربيل (320 كلم شمال بغداد)".
وطالب المدفعي "الجهات الحكومية بان تقوم بادراج عمليات المحافظة على التراث ضمن التخصيصات الاستثمارية للمؤسسات المعنية لتقوم بصيانة المباني والمحافظة عليها من الزوال بعد اجراء دراسات اولية لتحديد تلك المراكز في المدن العراقية".
من جهته، قال المؤرخ العراقي الشهير سالم الالوسي "هناك مراكز تاريخية وتراث حضاري ضخم ورثته بغداد التي يبلغ عمرها الان 1250 عامًا وهناك مراكز تاريخية تعود الى ما قبل الاسلام وخصوصا في منطقة عكركوف لكنها لم تلق الاهتمام للمحافظة عليها".
أرسل تعليقك