استعرض الدكتور محمود محيي الدين، النائب الأول لرئيس البنك الدولي، مؤشرات الوضع الاقتصادي للمنطقة العربية، وإمكانية المساهمة في دعم وتمويل جهود زيادة معدلات النمو.
وتحدّث محيي الدين، خلال الكلمة التي ألقاها أمام القمة العربية الاقتصادية التي تنعقد في العاصمة اللبنانية بيروت، عن ضرورة التصدي العاجل لخلل الموازنات العامة العربية، وما يترتب عليه من تراكم للمديونيات المحلية والدولية وارتفاع معدلات التضخم والغلاء.
وقال محيي الدين في كلمته: "ينعقد هذا المؤتمر المهم في وقت أصبح فيه العالم أكثر تقلبا من الناحية السياسية وأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية، إذ ضعفت معدلات نمو الاقتصاد العالمي، وتزايدت حالات التوتر والنزاعات في التجارة الدولية، وازدادت المخاطر المحدقة بالاقتصادات المختلفة مع احتمالات ارتفاع تكلفة الاقتراض، ومع استمرار هذه الأجواء الضبابية، يتجنب الاستثمار المخاطرة فيلوذ بأوعية آمنة في تقديره وإن كانت قليلة العائد المالي، ولا تسهم في زيادة معدلات النمو أو تخفيض البطالة أو تحقيق أهداف التنمية المستدامة".
وتطرق محيي الدين إلى الاقتصاد العالمي، قائلا: "نشهد تغيرات في موازين القوى الاقتصادية العالمية والإقليمية، والتي تسارعت وتيرة تغيرها مع الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في العام 2008، وما سبقها ولحقها من أزمات في أسعار الغذاء والطاقة، وتعكس تواتر النزعات الحمائية، وتصاعد دور التيارات الشعبوية اليمينية واليسارية مع حدة الاستقطاب في الشارع السياسي تزامنا مع حالة الجزع من تراجع نسبي لبعض القوى الاقتصادية التقليدية، وتقدم للبازغين من القوى الاقتصادية الجديدة".
وفي ما يخص الاقتصاد العربي، قال: "كما أن الإقليم الاقتصادي العربي هو الأسوأ في عدم العدالة في توزيع الدخل، إذ يستحوذ أغنى 10% من السكان على 61% من الدخل القومي، في حين أن العشرة بالمائة الأغنى في أوروبا لا يتجاوز نصيبهم 37% وفي الصين 41% والهند 55% من دخولهم القومية، وحري بالاقتصاد العربي التحرك سريعا ليلبي احتياجات عموم الناس وتوقعاتهم، لكن تأتي توقعات النمو الاقتصادي مشيرة إلى تحسن طفيف في نمو الاقتصادات العربية لتصل إلى 2.3% في هذا العام، مقارنة بالعام الماضي الذي استقر معدل نمو الاقتصاد فيه عند 2% فقط، وهو رقم شديد الانخفاض لا يلبي احتياجات التنمية وزيادات السكان وتوقعاتهم".
وتابع: "وإن كانت أولويات المستقبل الذي تضع أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 إطارا عمليا زمنيا لها، فإن التعامل معها يلزمه استثمار ضخم يحتاج إلى موارد مالية متنوعة المصادر وفقا إلى خطة عمل تمويل التنمية التي أقرتها الدول الأعضاء بالأمم المتحدة في يوليو من العام 2015، في أديس أبابا، وتقدمت عشر دول عربية بخططها الطوعية لبرامجها التنموية في إطار المنتدى السياسي رفيع المستوى للمنظمة الأممية، وستتبعها 6 دول أخرى في يوليو المقبل، توافقت برامجها المعلنة مع أجندة التنمية المستدامة، وعلمتنا تجارب التنمية أن الأمر يتطلب 3 مستلزمات.. بيانات وافية تعين اتخاذ القرار وتتابعه، وتمويل مناسب لبرامج ومشاريع التنمية، وتطبيق فعال على المستوى المحلي".
أقرأ أيضاً : محمود محيي الدين يكشف حقيقة بطء النمو في الشرق الأوسط
وأوضح أن "تمويل التنمية المستدامة لا يأتي من خلال صفقات مالية متناثرة أو إنفاق مشتت بل يجب أن يستند لنهج متكامل قوامه سياسات متناسقة ومؤسسات ذات كفاءة، ويعتمد هذا النهج على تمكين الشباب والمرأة من خلال إتاحة فرص العمل والاستثمار وريادة الأعمال من خلال مؤسسات متخصصة وتمويل داعم، كما يركز هذا النهج على توطين التنمية محليا في منافسة بين المدن والمحافظات والأقاليم في جذب الاستثمارات وتطوير وحدات الإنتاج والخدمات الأساسية والمتطورة ورفع الكفاءة من خلال إجراءات المالية العامة ودفع التنافسية وتحفيز الابتكار".
وتطرق محيي الدين في كلمته إلى المساعدات الإنمائية، قائلا: "استقرت المساعدات الإنمائية الرسمية عالميا عند متوسط 150 مليار دولار سنويا، رغم مطالبة الدول المانحة بالوفاء بتعهد منحها 0.7% من دخولها للدول الأقل دخلا، فقليل من المانحين يلتزمون، لكن نصيب المنطقة العربية قد زاد مؤخرا بعد انخفاض لأعوام، وتوجهت بالأساس للمجالات الإنسانية وعون اللاجئين، وفي كل الأحوال فإنه رغم أهمية هذه المساعدات للدول منخفضة الدخل وتلك التي تعاني من هشاشة أو عانت لأعوام من صراعات وحروب أهلية، فإنها من الممكن أن تعين في مراحل التحول نحو الاستقرار وبخاصة في القطاعات ذات الأثر الاجتماعي"، وعن الديون في المنطقة العربية، قال: "مع ارتفاع الديون في كثير من الدول العربية وانخفاض الادخار في أغلبها أصبح لزاما عليها أن تحدد إطار تمويل التنمية بشكل متكامل، وكيفية التنسيق بين مصادر التمويل العامة والخاصة والمحلية والأجنبية وتفعيل نظم المشاركة بما يدفع بالنمو قدما ويقلل أعباء الديون، وتحدد ورقة عمل مشتركة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ثلاثة مجالات للتعامل مع متطلبات إدارة الديون العامة أولها هو زيادة قدرات الدول على التحليل الفني للديون والمالية العامة وسياساتها، والمجال الثاني معني هو تدعيم نظم الإفصاح والمعرفة والمعلومات لكي يتضح حجم الديون والالتزامات بأنواعها على كل الأطراف وإجراءات الإصلاح وفتراتها وأعبائها، والمجال الثالث يرتبط بتدعيم قدرات مؤسسات الدولة والتنسيق بين سياساتها في مجال إدارة الديون والمخاطر، غني عن الذكر أن هذه المجالات الثلاث في التعامل مع الديون تستوجب إدارة فعالة لجانب الأصول المملوكة للدولة وتعظيم العائد منها".
واختتم نائب رئيس البنك الدولي كلمته: "ليست هناك ثمة مبالغة بالقول بأن "قواعد البيانات الكبرى هي النفط الجديد"، فقواعد البيانات الكبرى هي وقود عصر المعلومات والاقتصاد الرقمي، لا عجب في أن الشركات التكنولوجية الخمس المسيطرة على قواعد البيانات الكبرى هي الأكبر ربحية والأعلى قيمة في أسواق المال، فهل أعد العرب عدتهم للتعامل مع هذا النفط الجديد؟، للإجابة عن هذا السؤال تنبغي مراجعة قوانين المعلومات مثلما فعلت أوروبا بتشريعها بشأن "القواعد الرقابية العامة لحماية البيانات"، كما تجب مراجعة الكفاءة المؤسسية في التعامل مع البيانات والمعلومات جمعا وحفظا وتحليلا وتداولا وإفصاحا ومعايير حماية الخصوصية والسرية".
قد يهمك أيضاً :
محمود محيي الدين يدعو إلى إنشاء صندوق سيادي لزيادة الادخار القومي
محمود محيي الدين يلقي الأحد محاضرة أمام أعضاء "الغرفة الأميركية"
أرسل تعليقك