لم تمنح الولايات المتحدة الروبل الروسي وقتًا كافيًا ليستعيد بعض عافيته , وبعد أن وجهت له ضربة "ربيعية" موجعة، عبر عقوبات مشددة في مطلع أبريل / نيسان الماضي، طالت كبار أغنياء روسيا المقربين من الكرملين، وشركات استراتيجية يسيطرون عليها، أعلنت واشنطن الأربعاء عن عقوبات جديدة صيفية من حزمتين، تسببت بتراجع حاد للروبل الروسي أمام العملات الصعبة الرئيسية، وهبوط مؤشرات السوق بشكل عام , هذا بينما تستعد واشنطن إلى عقوبات جديدة، قد تجعل من سبتمبر / أيلول المقبل بداية "خريف أسود" للروبل الروسي.
وكانت مؤشرات سوق المال الروسية سجلت أمس تراجعًا حادًا، وهبط الروبل أمام الدولار مجددًا إلى أدنى مستوى منذ خريف عام 2016، متأثرًا بحزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا، أقرتها الولايات المتحدة على خلفية قضية تسمم الضابط سابقًا في الاستخبارات الروسية، سيرغي سكريبال، وابنته يوليا في بريطانيا. وجاءت العقوبات الجديدة على حزمتين، يبدأ العمل بالأولى منها اعتبارًا من 22 أغسطس / آب الجاري، وتشمل لأول مرة، بما في ذلك حظر تصدير المنتجات ثنائية الاستخدام (لأغراض مدينة وعسكرية) إلى روسيا , أما الحزمة الثانية التي قد يتم تفعيلها بعد مهلة ثلاثة أشهر، فتشمل بما في ذلك حظر رحلات شركة الطيران الروسية "أيروفلوت" إلى الولايات المتحدة.
ومنذ الساعات الأولى لعمل بورصة موسكو صباح الخميس، واصل الروبل الروسي تراجعه لليوم الثاني على التوالي، حتى مستوى 66.25 روبل أمام الدولار، و77 روبلا أمام اليورو، علمًا بأن سعره أمام الدولار لم يكن قد تجاوز في 7 أغسطس /آب الجاري مؤشر 63 روبلًا لكل دولار أميركي , ومع أنه تمكن من استعادة بعض خسائره في جلسات التداول بعد ظهر الخميس إلا أنه بقي عند مؤشرات فوق 65 روبلًا أمام الدولار، و76.3 روبل أمام اليورو. كما هبطت قيمة أسهم شركة الطيران الروسية "أيرفلوت" بنسبة 12 في المائة، حتى 106.7 روبل لكل سهم.
وتأثرت كذلك مؤشرات مصارف روسية لم تشملها حزمة العقوبات الأخيرة، ويتوقع أن تكون ضمن حزمة عقوبات جديدة قادمة يدرسها الكونغرس حاليًا , وتلك المصارف هي "سبير بنك" الذي تراجعت قيمة سنداته في بورصة موسكو بنسبة 5.52 في المائة، وبنسبة 8 في المائة في بورصة لندن ,وكذلك مصرف "في تي بي" وتراجعت قيمة سنداته بنسبة 4.57 في المائة , وأثرت العقوبات كذلك على أسهم شركات روسية كبرى، مثل "ألروسا" العالمية لإنتاج الألماس التي تراجعت قيمة أسهمها بنسبة 6 في المائة، وكذلك شركة "روسال" لإنتاج الألمنيوم، وتراجعت قيمة أسهمها بنسبة 3.3 في المائة. كذلك تراجع مؤشر بورصة موسكو للأسهم المقيمة بالروبل "MICEX" بنسبة 0.75 في المائة، إلى 2275.7 نقطة، وانخفض مؤشر البورصة للأسهم المقيمة بالدولار «RTS» بنسبة 2.85 في المائة، إلى 1082.11 نقطة.
ومع استمر هبوط المؤشرات في سوق المال، أكدت وزارة المال الروسية أن "الوضع تحت السيطرة"، وحاول الوزير أنطون سيلوانوف التقليل من شأن العقوبات، وقال إن التقلبات الحالية في السوق متصلة كما مع الموجة الجديدة من العقوبات الأميركية، وكذلك مع الوضع غير المستقر في أسواق الدول الناشئة ,وذهب بعد ذلك لطمأنة السوق، وقال إن الحكومة الروسية والبنك المركزي يراقبان الوضع، ويمتلكان كل الأدوات الضرورية لضمان الاستقرار المالي، وسيستخدمان تلك الأدوات عند الضرورة"، وأكد أن الاقتصاد الروسي وميزان المدفوعات باتا أكثر قوة في السنوات الأخيرة أمام عوامل التأثير الخارجية، إن كانت تلك المتصلة بالتنافس في أسواق النفط، أو المتصلة بفرض عقوبات وقيود اقتصادية (ضد روسيا).
تصريحات سيلوانوف لم تساعد، كما ظن البعد، على كبح هبوط مؤشرات السوق الروسية , ذلك أن الوضع الراهن لم يكن نتيجة الإعلان عن العقوبات الأميركية الجديدة فقط، وبل ويرتبط بآلية تنفيذها , حيث أعلنت الولايات المتحدة أن العمل بالحزمة الثانية من العقوبات الجديدة المتصلة بقضية "سكريبال"، ستدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثة أشهر، إذا لم تنفذ روسيا جملة شروط، منها تقديم ضمانات بعدم استخدامها لاحقًا السلاح الكيماوي، والسماح بتفتيش دولي على منشآتها , ولما كانت تلك الشروط "تعجيزية" ويرجح أن ترفضها موسكو، فإن السوق تبقى بحالة ترقب وقلق بانتظار بدء العمل بالحزمة الثانية من العقوبات , بالإضافة إلى ذلك ساهمت في تعميق أزمة الروبل خلال اليومين الماضيين، معلومات بشأن حزمة عقوبات أخرى مقبلة، يدرسها الكونغرس الأميركي حاليًا، ويتوقع أن تشمل حظر شراء سندات الدين الفيدرالي الروسي، وقيودًا على مؤسسات مالية كبرى، منها "سبير بنك" و"في تي بي" بنك.
وبرزت حالة القلق تلك في توقعات أكثر من محلل اقتصادي روسي لما هو مقبل بالنسبة للروبل والاقتصاد الروسي ككل. وكان لافتاً أن ركز المحللون على المرحلة المقبلة، والعقوبات الجديدة التي يدرسها الكونغرس حاليًا، وتشمل حظر شراء سندات الدين العام الروسي , وفي تقرير على موقعها الرسمي، قالت وكالة الأنباء الروسية "ريا نوفوستي" إن الخبراء يرجحون أن تتبنى واشنطن حزمة جديدة من العقوبات مطلع خريف العام الجاري. وقد تكون عقوبات محدودة تقتصر على حظر شراء الإصدار الجديد من سندات الدين العام الروسي، أو متشددة وتشمل حظر التعاملات مع الإصدارات السابقة والجديدة من سندات الدين العام الروسي.
ويرى الخبير الاقتصادي أندريه فيرنيكوف، أن سعر صرف العملة الروسية سيتراجع حتى 70 روبل لكل دولار، لكن سرعان ما سيستقر ويعود حتى مؤشر ما بين 61 و65 روبل لكل دولار وربما أكثر من ذلك.
أرسل تعليقك