تسللت العملات الرقمية (المشفرة) خاصة عملة "بيتكوين" التي تعد أشهر تلك العملات وأكثرها قبولاً وانتشاراً، إلى مجالات جديدة في خطوة تؤشر إلى اختلاف نظرة القطاع المالي والتجاري والعقاري، بل والرياضي إلى تلك النوعية من العملات التي ليس لها قيمة محددة مثل السلع الثمينة كالذهب والفضة، وكذلك ليس لديها مجلس إدارة يدير ويقرر قيمتها.
وبعد الطفرات القياسية التي حققتها عملة "بيتكوين" وما أعقبها من انخفاضات بالمستوى ذاته، بدأت شركات ومؤسسات في قبول تلك العملة كمقابل للسلع والخدمات التي تقدمها حتى أن إحدى الشركات في دبي أعلنت قبولها تحصيل الإيجار ورسوم الخدمة من الشركات المتعددة الجنسيات والشركات الصغيرة والمتوسطة باستخدام العملة الرقمية بجانب أنظمة الدفع التقليدية لتوفير الوقت والمجهود. كما أعلنت شركة أخرى تستثمر في مشاريع تقنيات الخدمات المالية عن استحواذها على شركة للخدمات الإعلانية وقبولها الدفع عن طريق العملات المشفرة.
وعلى المستوى العالمي، شهد العالم خلال الأسبوع الماضي، توقيع أول عقد احتراف للاعب كرة قدم وسداد جزء من القيمة بعملة "بيتكوين"، فضلاً عن وجود أول عملية سطو مسلح تستهدف سرقة العملات الرقمية عبر تهديد الضحية وإجباره على تحويل أرصدته من العملات الرقمية إلى منصة أخرى على الإنترنت دون أن تسرق أياً من الأموال أو المجوهرات أو المقتنيات الثمينة التي كانت في منزله.
كما يتنامى استغلال العملات الرقمية لعمليات القرصنة الإلكترونية وسداد الفدية من البرمجيات الخبيثة بعد أن أصبح قراصنة الإنترنت، يفضلون العملات المشفرة لتسهيل عملياتهم غير المشروعة عبر المطالبة بدفع المبالغ من أجل تحرير ضحاياهم عن طريق حسابات خاصة بالعملات الرقمية.
وبحسب خبراء في المجال المالي، فإنه على الرغم من المستقبل غير المعلوم للعملات المشفرة ورفض الكثير من الحكومات، وكذلك تحذير المصارف المركزية من التعامل بها، إلا أن الواقع يشير إلى أن مثل هذه العملات ستصبح عنصراً رئيساً في استخدامات عدة في المستقبل مثل التجارة الإلكترونية والتحويلات المالية وشراء الخدمات والمنتجات عبر الإنترنت إلى جانب اللجوء إليها كحل بديل لتأمين الثروات والتعاملات والتداولات المالية، مسوغين ذلك بأن بعض الدول والحكومات وتجار التجزئة والمشترين يقبلون التعامل بتلك العملات فعلياً، كما أن البعض الآخر يدرس هذا النوع الجديد من الاقتصاد لمعرفة إمكانية تقنينه أو الاستفادة به من عدمه.
سداد الإيجارات
وفي دبي، أعلن ستار بيزنس سنتر الذي يقدم أحدث المكاتب المجهزة بالكامل للمستثمرين الجدد ورجال الأعمال والشركات الدولية التي ترغب في الحصول على أماكن عمل جاهزة قبول العملة المشفرة خاصة "بيتكوين" كنظام للدفع مقابل خدماته، حيث أصبح بإمكان مستأجري الشركة التجاريين سداد الإيجار ورسوم الخدمة باستخدام العملة الرقمية بجانب أنظمة الدفع التقليدية لتوفير الوقت والمجهود.
وذكر عمران فاروق، الرئيس التنفيذي لستار بيزنس سنتر والرئيس التنفيذي لسامانا جروب، أن نظام الدفع الرقمي يسمح لعملاء ستار بيزنس سنتر مثل الشركات المتعددة الجنسيات والشركات الصغيرة والمتوسطة من مختلف الصناعات للتركيز على نمو أعمالهم وتوسعها دون إهدار الوقت في المعاملات اليدوية، مشيراً إلى أن ستار بيزنس سنتر، هي إحدى الشركات التجارية المرخصة القليلة كمقدم خدمة وتكتل تجاري متنوع قائم في الإمارات، ويعتمد تطبيق نظام الدفع بالعملة المشفرة.
وأوضح فاروق، أن إجراء المعاملات بالعملة المشفرة (وهي التقنية المالية الجديدة التي أحدثت فرقاً في طريقة الدفع بوساطة العملاء) يقلل المتاعب التي قد تواجه الشركات عند الدفع ما يمكنها من التركيز على الأنشطة الأساسية، منوهاً أنه يوجد في العالم في الوقت الحالي ما يزيد على 800 عملة رقمية أخرى وليس بيتكوين فقط، حيث بلغت القيمة السوقية للعملات المشفرة في منتصف يناير نحو 1.1 تريليون درهم (300 مليار دولار أميركي) وفقًا لأحدث التقارير.
إعلانات رقمية
وأعلنت مجموعة "إنترناشونال بلوك تشين كابيتال" التي تستثمر في مشاريع تقنيات الخدمات المالية، ومقرها دبي، عن خطتها الاستراتيجية للعام 2018 تضمنت شراء حصة في شركة الخدمات الإعلانية "أكيومن أدفيرتايزينغ"، وكذا أنها ستصبح الأولى على صعيد المنطقة التي تقبل البيتكوين، حيث تنشط المجموعة في امتلاك وتداول عدد من العملات المشفرة. وعلق خورام شروف، رئيس مجلس إدارة المجموعة بالقول إن "المستقبل رقمي فلماذا نتجه وجهة مختلفة".
احتراف بالبيتكوين
وفي الإطار ذاته، أكمل نادٍ لكرة القدم في تركيا أول صفقة انتقال في تاريخ الرياضة في العالم باستخدام عملة بيتكوين المشفرة، حيث وقع عقد احتراف مع لاعب عمره 22 عاماً مقابل عملات بيتكوين بقيمة 2000 ليرة (531.70 دولار) إضافة إلى 2500 ليرة نقداً، حيث اعتبر رئيس النادي أن تلك الخطوة تصنع للنادي اسماً في البلاد والعالم وتعد مصدراً للفخر.وجاءت هذه الخطوة رغم تحذيرات الحكومة التركية من استخدام العملات المشفرة لأنها تنطوي على مخاطر ولا توجد أسس قانونية للتعامل بها.
سطو مشفر
وخلال الأيام القليلة الماضية، نفذت عصابة مسلحة من أربعة رجال ملثمين ومسلحين، جريمة للسطو على العملات المشفرة تعد الأولى من نوعها في التاريخ حيث تعرض وسيط مالي في بريطانيا يعمل في مجال تداول العملات المشفرة وتحويلها بين المحافظ إلى عملية السطو عندما دخلت العصابة المسلحة إلى منزله وأجبرته على تحويل ما لديه من "بيتكوين" إلى محفظة أخرى على الإنترنت، ثم غادرت المكان دون أن تمسه بأذى ودون أن تسرق أياً من الأموال أو المجوهرات أو المقتنيات الثمينة التي كانت في منزله.
ووفقاً للتفاصيل التي كشفتها الشرطة البريطانية فإن عملية السطو التي تعرض لها الوسيط المالي الذي تعرض للسطو تبلغ قيمتها ملايين الدولارات إذ يدير كمية ضخمة من الـ"بيتكوين" على الإنترنت تزيد عن 100 ألف قطعة، كما أن لديه زبائن وشركاء يبلغ عددهم 16 ألفاً و375 عميلاً.
ووفقاً لشركة بالو ألتو نتوركس، فقد استخدم قراصنة الإنترنت، العملات المشفرة لتسهيل عملياتهم غير المشروعة، حيث أصبحوا يطلبون دفع المبالغ من أجل تحرير ضحاياهم من برمجيات الفدية الخبيثة عن طريق حسابات خاصة بالعملات الرقمية، مفسرة ذلك التوجه بارتفاع قيمة العملات المشفرة، فضلاً عن ميزة عدم الكشف عن هوية المتعامل التي توفرها العديد من محافظ العملات المشفرة، مقارنة بالعمليات المصرفية التقليدية.
وفي ظل حالة الهوس العالمي التي انتابت العالم قررت إدارة "فيسبوك" و"إنستغرام" منع الإعلانات المتعلقة بتداول العملات المشفرة والطروحات الأولية لها، في خطوة تضمنت منع إعلانات المنتجات المالية الخطرة كبعض أنواع المشتقات، مرجعة قرارها إلى أن هذه الإعلانات عادة ما تكون مرتبطة بممارسات مضللة، تؤدي إلى تجميع بعض الأفراد أو الشركات أموالاً من المواطنين عبر الطروحات الأولية للعملات المشفرة دون أن تكون مدعومة بمنتج أو خدمة أو شركة.
تحول كبير
من جهته، قال آميت لاخانبال، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "ماني تريد كوين" التي تمتلك حقوق الملكية الفكرية لبراءة الاختراع في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والخاص بالعملة الرقمية الجديدة "ماني تريد كوين"، إن هناك تحولاً بشكل كبير في طلب المستثمرين من الممارسات التقليدية في الدفعات إلى العملة الرقمية كحل بديل لتأمين الثروات، وتقليل التكاليف، وزيادة الفاعلية والمرونة، وتوفير الوقت عند إجراء التعاملات والتداولات المالية، مؤكداً أن الشركة تستمد نماذجها الجديدة من العديد من الأعمال نتيجة للاقتصاد الجديد مثل التجارة الإلكترونية.
وأكد لاخانبال، أن الحكومات تهتم حالياً بالعملات الرقمية التي تستخدم البيانات المتسلسلة والمعروفة بالـ"بلوك تشين" لإجراء التعاملات الخاصة بها، التي تُعتبر "ماني تريد كوين" إحدى هذه العملات. وأوضح أنه بشكل عام تتم مراجعة جميع التشريعات الخاصة بالعملات الرقمية في جميع أنحاء العالم، وتعتزم الهند تنظيم هذه الصناعة كضمان، كما أقرت روسيا أنها قانونية، ووضعت التشريعات الخاصة بها، منوهاً أن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية نظما هذا النوع الجديد من الاقتصاد، ومنصات التداول الخاصة.
مستقبل غير نقدي
بحسب كريس فولايان، المدير التنفيذي والمؤسس لشركة مول فور ذا وورلد، والتي تعد منصة إلكترونية تتيح للعملاء الموجودين في الشرق الأوسط وإفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي فرصة شراء منتجات متعددة مباشرة من أكثر من 150 منصة تجارية عالمية على الإنترنت، فإن الواقع يشير إلى أن النظام البيئي المالي في العالم يتجه نحو مستقبل غير نقدي مع تنامي اعتماد العالم على المال الرقمي وطرق الدفع البديلة نظراً لأن عمليات الدفع والتحويلات المالية عن طريق العملات الرقمية تعد اكثر سهولة وراحة، مؤكداً أن الجدوى والمرونة وسهولة الاستخدام تزيد من شعبية العملات الرقمية بين الفئات الملمة بالتكنولوجيا وذلك على الرغم من فرص الاختراق الأمني. وأشار فولايان إلى أنه طالما أن تجار التجزئة والمشترين يتعاملون مع بعضهم بعضا من خلال العملات الرقمية فإن هذه العملة لديها بالتأكيد مستقبل مشرق.
أرسل تعليقك