القاهرة-سهام أبوزينة
أبرز موقع "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، وهي منظمة دولية مستقلة معنيّة بتحليل السياسة الخارجية والأمنية لأوروبا والشرق الأوسط، التدابير التي تتخذها مصر في مواجهة المخاطر التي تهددها من الناحية العملية بسبب سد النهضة، الذي أنجزت إثيوبيا 66 في المئة من مراحل بنائه إلى الآن، وقال في تقريره المنشور، الثلاثاء الماضي، إن "إثيوبيا تعمل على بناء أضخم سد في أفريقيا، بما يُمثّل خطوة حاسمة لأمن طاقتها ونموهّا الاقتصادي، لكنه يُثير في الوقت ذاته خلافًا مع جيرانها من دول حوض النيل، لا سيّما مصر، التي يمكن أن تُعاني نُدرة في المياه بمجرد إتمام بناء السد".
وأوضح التقرير أن مخاوف مصر من السد اكتسبت بُعدًا جديدًا الآن؛ فمنذ بدأت عمليات بنائه في 2011، بتكلفة قُدِّرت بنحو 5 مليارات دولار أميركي، أثار المشروع معارضة واسعة من جانب القاهرة، بالرغم من اتفاق مصر وإثيوبيا والسودان على مبادئ حول تقاسم مياه النيل في 6 مارس 2015، ومع تطوير قوة توليد طاقته إلى 6 آلاف و450 ميغاوات، تأمل إثيوبيا أن يمدّ البلاد بأكبر قدر من الطاقة الكهربائية بحلول 2025، ليخدم قُرابة 86 مليون إثيوبي يعانون الآن نقصًا في الكهرباء، وفق التقرير.
وتابع التقرير "حينما طرحت أديس أبابا المشروع للمرة الأولى، عارضته القاهرة باعتبار أنه سينتهك المعاهدات الإقليمية التي وقّعتها مصر والسودان عام 1929 وعُدّلت في 1959"، ونظرت القاهرة إلى هذه الاتفاقيات، التي تحدد حصص الدول الموقّعة عليها من مياه النيل، باعتبارها حِصنًا ضد الإجراءات الأُحادية التي يُمكن أن تحِدّ من وصول النهر إليها. ومع ذلك، وفي ظل ضغوط داخلية مُكثّفة لتعزيز اقتصادها، مضت إثيوبيا مضت قُدمًا في تنفيذ المشروع الذي مولّت معظمه.
أحد المخاوف التي تنتاب مصر حيال السد، وفق التقرير، أنه سيؤدي إلى تحويل معظم المياه التي تدفّقت تاريخيًا إلى دلتا النيل بطرق أخرى. ومع إنجاز أكثر من 60 في المئة من مراحل بناء السد، يُرجّح التقرير أن تبدأ إثيوبيا في جمع المياه وتعبئة أجزاء من السد في عملية قد تستغرق ما يصل إلى 15 عامًا، الأمر الذي قد يؤدي إلى خفض إمدادات مصر من المياه العذبة من النهر بنحو 25 في المئة على مدى الـ7 أعوام المُقبلة.
ويرى التقرير أن وقوع ذلك السيناريو يُعد "تهديدًا" بالنسبة للقاهرة؛ لأن النهر يوفر نحو 85 في المئة من المياه العذبة في مصر، ومن ثمّ فإن هذا الانخفاض قد يتسبب في معاناة البلاد من ندرة مُطلقة في المياه في المستقبل القريب، ما لم تعمل على إصلاح سياسات استخدام المياه لديها، لافتًا إلى أن الزيادة السكانية وممارسات الري المُسرفة وارتفاع مستويات تلوث المياه وعدم وجود مرافق فعالة لإعادة تدوير المياه أو تحلية المياه، أدّت إلى ارتفاع حاد في عجز المياه في مصر خلال الأعوام الماضية.
وفي محاولة لمعالجة المشاكل المرتبطة بالسد وتلافيًا لنشوب أزمة من خلاله، يُشير التقرير إلى أن مصر بدأت تتبع استراتيجيات محلية وإقليمية على أرض الواقع. وبمساعدة خدمات العمل الخارجية الأوروبية، أنجزت الدولة خطة وطنية للموارد المائية تركز على إدارة المياه على مدى العقدين المقبلين، وتغطي الخطة المبذولة، الجهود الرامية لرفع الوعي حول ممارسات استخدام المياه، وتحِث على الحفاظ على المياه وإصلاح قطاع المياه العام والاستثمار في محطات التحلية وتطوير البنية التحتية للري في البلاد.
وبينما تُمثّل هذه التدابير أهمية حيوية بالنسبة لأمن المياه المصري، يوصي التقرير الحكومة بتنفيذها بطريقة مُستدامة مع الاهتمام بمعالجة القضايا المزمنة التي قوّضت أمن المياه في مصر في الماضي، بما في ذلك عدم كفاءة البنية التحتية للري غير الفعّالة، ومشاكل إمدادات المياه الأوسع نطاقًا، الأمر الذي يُحتّم على القاهرة الانخراط في الدبلوماسية الإقليمية، وفق قوله، وذكر أن هناك مؤشرات على أن "مصر- بشيء من الحكمة- قررت تركيز إستراتيجيتها التفاوضية الدبلوماسية على الفترة التي تقوم فيها إثيوبيا بملء خزان السد، وهو ما يجعل من مصلحة القاهرة أن تأخذ أديس أبابا أطول فترة ممكنة لإتمام هذه العملية، وشراء الوقت لمتابعة الإصلاحات المحلية، وإدخال محطات جديدة لتحلية المياه ومعالجة المياه إلكترونيًا".
وفي خِضم تلك التدابير، يرى التقرير أنه "من الضروري أن تحافظ مصر على زخمها الدبلوماسي الحالي من خلال الضغط من أجل وضع ترتيبات متعددة لإدارة المياه مع السودان وإثيوبيا"، وفي هذا الصدد، لفت إلى أن الاتفاقات الموقّعة بين الدول الثلاث "مصر والسودان وإثيوبيا" في مايو الماضي، والمبنيّة على اتفاق تقاسم المياه الثلاثي لعام 2015، يوفّر الأساس لتعاون أوسع نطاقًا بين الدول المعنيّة، وتحديدًا فيما يتعلّق بدعوتهم لتدشين صناديق استثمار لتمويل البنية التحتية الإقليمية.
وبينما تواجه الدول الثلاث التحديات نفسها، يقول التقرير إن "اتباع نهج إقليمي مشترك لمكافحة مشاكل ندرة المياه قد يكون مفيدًا للأطراف كافة بضورة متبادلة"، واختتم الموقع تقريره بالقول "التوجّه الدبلوماسي الحالي في مصر يُعد فرصة لإعادة صياغة معاهدات عفا عليها الزمن وبناء إطار إقليمي أكثر قوة يمكنه مواجهة تحديات أمن المياه في المستقبل، وبالنظر إلى التهديد الذي تواجهه الآن، يجب على البلد أن تقود مثل هذه الجهود".
أرسل تعليقك