دولة لديها أصول تقدر بحوالي مائة ألف مليار جنيه غير مستغلة، وتهدر قرابة ٧٥٠ مليار جنيه من الضرائب والدعم، فيها مواطنون ينفقون نحو ٢٠٠ مليار جنيه على المخدرات والسجائر والمنشطات والدروس الخصوصية. دولة كهذه وأعني بها مصر، لايمكن أن نطلق عليها لقب "فقيرة"، بل إنها دولة قادرة على تسديد التزاماتها بالعملة المحلية والنقد الأجنبي ولديها سيادة على عملتها..لايمكن أن "تفلس".
وحسب الخبراء والدراسات والأرقام، فإن مصر ليست فقيرة ولن تفلس ولا ينقصها موارد ولا ثروات، ولكن مصيبتها في سوء إدارة أصولها وجهل المسؤولين بقيمة كنوزها، وغياب الخطة لكيفية الاستفادة من هذه الكنوز والموارد المهدرة. قال الدكتور عبد الخالق عبد الله مستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، إن مشكلة مصر سوء الإدارة لمواردها، مشيرًا إلى أن مصر تمتلك 141 منجم ذهب و 191 حقل نفط، وتُعد عاشر أكبر احتياطي غاز، كما أن لديها ثلثي أثار العالم، وغيرها من الموارد، ورغم ذلك تعاني اقتصاديًا.
وكتب مستشار بن زايد تدوينة له عبر موقع التغريدات القصيرة "تويتر" : "في مصر ١٤١ منجم ذهب و١٩١ حقل نفط وعاشر اكبر احتياط غاز وثلثي اثار العالم وأكبر بحيرة صناعية الخ. لا يوجد نقص موارد بل سوء إدارة في مصر."
في البداية يؤكد أستاذ الإدارة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والخبير السابق في التنمية الاقتصادية بالأمم المتحدة الدكتور شريف دلاور، أن مصر لديها سوء إدارة لمواردها وثرواتها. وحسب آراء الخبراء العالميين وبلغة الأرقام، فإن مصر دولة غنية جدا بمواردها ولكنها فقيرة للغاية في وجود إدارة تستفيد من هذه الموارد، ففي شهر فبراير من عام ٢٠١٢ قالت كاثرين اشتون المفوضية العليا للاتحاد الاوروبي: إن مصر لديها ثروات تكفي لمساعدة ربع الدول الأوروبية، وأن ما تمت سرقته وإهداره من أموال وأرصدة طبيعية خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة من حكم مبارك يكفى لظهور ملايين الأثرياء في مصر. أما مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، فقد أكد خلال زيارة الى القاهرة أن مصر لديها ثروات ضخمة غير مستغلة كافية لمساعدة حوالى٥٠ دولة على مستوى العالم.
وبلغة الأرقام فإن مصر- حسب التقارير الرسمية – لديها احتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية غير المستغلة ومنها على سبيل المثال: احتياطيات من الحديد تقدر بحوالي ٤٠٠ مليون طن فى أسوان، والواحات البحرية، والصحراء الشرقية، وجبل من الذهب فى منجم السكرى بمخزون يقدر بحوالي خمسة ملايين أوقية، وهو الموقع الوحيد المعلن من بين قرابة ٢٧٠ موقعا آخر في انتظار من يخرج منها الذهب.
ولدى مصر أيضا مخزون من الفوسفات يصل إلى 10 آلاف مليون طن في المحاميد والمناطق المجاورة لها وساحل البحر الأحمر وأبوطرطور. وإذا كان سعر الطن حوالي ٨٠ دولار فإن لدينا مخزونا من الفوسفات يصل إلى ٨٠٠ مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك هناك مخزون من "المنغنيز" في سيناء يقدر بحوالي ١٧٥ ألف طن. وهناك مخزون من الرمال البيضاء التي تدخل في صناعة الزجاج، وشرائح الأجهزة الكهربائية، وإنتاج الكهرباء يقدر بحوالى 20 مليار طن.
وطبقا لتقرير أعدته هيئه المساحة الجيولوجية الأميركية حول الكميات الممكن استخراجها من غاز وبترول حول العالم، تأكد أن حوض دلتا نهر النيل والظهير البحري له من البحر المتوسط بهما أكبر التقديرات علي مستوى العالم وبها ١٨٠٠ مليار برميل بترول و٢٢٣ ألف مليار قدم مكعب غاز و حوالي ستة مليارات برميل غاز مسال بالإضافة الى 5خمسة مليارات برميل بترول في البحر الأحمر و١١٢ ألف مليار قدم مكعب غاز.
وطبقا لدراسة أعدها مركز معلومات مجلس الوزراء، فإن مصر تملك أكبر مخزون من الرخام، والغرانيت، على مستوى العالم، ويمكنها أن تصدر الى الخارج كميات بقيمة ملياري دولار سنويا إذا أحسن استغلال المحاجر. ويضاف إلى هذا مئات الملايين من الأطنان من الرمال السوداء التي تدخل في صناعة السيراميك وتفرط الدولة فيها بسعر٤٥ قرشًا للمتر المكعب، فى حين يصل سعره العالمي إلى عشرات الدولارات.
وتتكرر نفس كارثة الإهدار في الرمال البيضاء، وفي الطفلة التي تدخل في صناعة الاسمنت وتفرط فيها الدولة باقل من جنيه واحد للطن. وهناك كميات كبيرة من التلك، والكبريت، والجبس، والكوارتز، والكاولين ورمل الزجاج، والأحجار الكريمة، والالبستر، والحجر الجيري، والشواطىء الخلابة، و المناخ الرائع، وثلثا آثار العالم وعبقرية الموقع.
وأكد أستاذ الجيولوجيا في جامعة حلوان الدكتور يحيى القزاز، أن مصر غنية بمواردها ولكن إشكاليتها الأساسية تتمثل في إدارتها لهذه الأصول، والموارد سواء الطبيعية أو البشرية. وقال القزاز إن لدينا أكثر من 95 موقعا لمناجم الذهب تتراوح ما بين حفر تنبيش إلى مناجم كبيرة، وتم اكتشافها منذ عهد الفراعنة وحتى الآن لم نكتشف شيئًا.
وأوضح القزاز أن غياب هيئة المساحة الجيولوجية يعرقل استخراج واكتشاف مناجم الذهب، والذي قام بإلغائه سامح فهمي وزير البترول والثرورة المعدنية لوجود مشاكل بين الهيئة ومنجم السكري. وقام بإلغائه إرضاءً ومجاملة لمنجم السكري، موضحًا أن مشكلة مصر تكمن في إدارة تلك الموارد وليس نقص الموارد ودليل ذلك أن مصر لديها ذهبًا وغير مستغل ومنجم السكري يذهب إلى الخارج على مرأى ومسمع من الدولة.
وفي إطار الحديث عن الفاقد، فإن الدكتور أشرف العربي عام ٢٠١١ حين كان خبيرا في البنك الدولي قبل ان يتولى وزارة التخطيط، قال إن مصر يضيع عليها قرابة ٦٠٪ من الضرائب بما يوازي في ذلك الوقت حوالي ٣٥٠ مليار سنويا في ما يعرف بالاقتصاد غير الرسمي، والذي يقدر بحوالي ٢٢٠٠ مليار جنيه. وأوضح أن الضرائب التي يتم تحصيلها والمقدرة بحوالي٢٣٠ مليار – في ذلك الوقت – تاتي من الاقتصاد الرسمي البالغ قرابة ١٨٠٠ مليار بما يعنى أن تقنين أوضاع الاقتصاد غير الرسمي وإلزامه بدفع الضرائب المستحقة علية سيزيد الحصيلة إلى٥٥٠ مليار جنيه سنويا.
وفي إطار الحديث عن الأموال المهدرة والتي تصب في اتجاه أن مصر دولة غنية وليس كما يقول لنا البعض إنها فقيرة، ففي تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات صدر قبل ثورة ٢٥ يناير وقدم إلى مجلس الشعب بخصوص الصناديق الخاصة – حصيلة المدفوعات والرسوم المختلفة للمحليات، وعدد من الجهات ولا تصب في موازنة الدولة – قدر حجم الأموال الموجودة في هذه الصناديق عام ٢٠٠٩ بحوالي ١٣٠٠ مليار جنيه أي أكثر من خمسة أضعاف عجز الموازنة في ذلك الوقت. وختاما، يخلص الخبراء إلى أن مصر دولة قوية بمواردها ولكنها غير مستغلة ويوجد لديها سوء في إدارة تلك الموارد والثروات، وأن ما تحتاج إليه هو الإدارة الرشيدة المبدعة والجادة.
أرسل تعليقك