تلقّت مصر الأربعاء، الدفعة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي بقيمة ملياري دولار، وذلك بعد يوم واحد من موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على صرف الشريحة، حسبما صرح مصدر مسؤول في المصرف المركزي .
و أضاف المصدر أن المبلغ سيستخدم في دعم الموازنة العامة للدولة، مؤكدًا أنه سيكون له مردود إيجابي على الاحتياطي النقدي، ومع صرف الشريحة الجديدة يرتفع إجمالي ما حصلت عليه القاهرة من صندوق النقد منذ توقيع اتفاق القرض في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى 10 مليارات دولار من إجمالي القرض البالغ 12 مليار دولار.
وكانت كريستين لاغارد المديرة العام للصندوق قد أشادت أواخر الشهر الماضي ببرنامج الإصلاحات المصري وتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، وأوصت المجلس التنفيذي للصندوق بالموافقة على صرف الشريحة الخامسة من قرض مصر، وكان من المقرر أن تحصل مصر على الشريحة الخامسة من القرض قبل نهاية العام الماضي، ورجّحت تقارير صحافية عدة وجود خلافات بين الحكومة والصندوق بشأن موعد تطبيق آلية تسعير المواد البترولية تمهيدًا لتحرير أسعار الوقود نهائيًا، وهو ما نفاه مصدر حكومي رفيع المستوى ، مؤكدًا أن الصندوق يعمل بالتنسيق مع وزارة المالية على التحقق من توقعات عجز الموازنة ومراجعة استراتيجية الدين العام.
أقرأ أيضاً :رئيسة صندوق النقد الدولي توصي بصرف "الشريحة الجديدة" لمصر
وقال النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولي ديفيد ليبتون، إن آفاق الاقتصاد الكلي في مصر لا تزال مواتية، مدعومة بتطبيق قوي للسياسات، وفق بيان صادر عن الصندوق، مضيفًا أن النمو القوي وتقليص عجز الحساب الجاري يعكس تعافي السياحة والتحويلات المالية القوية، فيما تراجعت البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ العام 2011، وأشار إلى أن برنامج الإصلاح الهيكلي في مصر يهدف إلى دعم النمو الشامل من خلال معالجة القيود الطويلة الأجل التي تعوق نمو القطاع الخاص، وتشمل هذه إصلاحات لتحسين سياسة المنافسة والمشتريات العامة وإدارة الشركات المملوكة للدولة وتخصيص الأراضي.
ونوّه ليبتون إلى أنه رغم الارتفاع الأخير في التضخم الأساسي نتيجة ارتفاعات مؤقتة في أسعار الغذاء والطاقة، إلا أن موقف تشديد السياسة النقدية ساعد على تغيير مسار تلك الزيادة والحفاظ على التضخم العام عند مستويات مستقرة، ويرى صندوق النقد أن السياسة النقدية ترتكز في المدى المتوسط إلى الوصول بمعدلات التضخم لخانة الآحاد، وقال الصندوق في تقريره "الارتفاعات الأخيرة لمعدلات التضخم ناجمة جاءت بفعل زيادات مؤقتة في أسعار الغذاء والطاقة، ولكن تشديد السياسة النقدية، ساعد على تراجع الأسعار والسيطرة بصورة جيدة على معدل التضخم الأساسي".
ويستهدف المصرف معدل تضخم حول مستوى 9% (±3%) بحلول الربع الأخير من 2020 مقارنة مع مستهدف بلغ 13% (±3%) بحلول الربع الأخير من 2018، وتراجع التضخم السنوي العام إلى 12% في ديسمبر الماضي وذلك مقارنة مع 15.7% في نوفمبر، ليسجل أدنى مستوياته في نحو 7 أشهر مع هبوط أسعار الغذاء، وسجل التضخم الشهري خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي -3.4% وهو ما عزاه المصرف إلى تراجع أسعار الخضراوات الطازجة بسبب عوامل موسمية وتلاشي صدمات العرض.
ولفت النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولي إلى أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي انخفضت بشكل ملحوظ في العام الماضي ومن المتوقع أن تنخفض أكثر ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺪى اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ ﺑﺴﺒﺐ ﺟﻬﻮد اﻟﺴﻠﻄﺎت المصرية وﻧﻤﻮ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ اﻟﻤﺮﺗﻔﻊ، مشددًا على ضرورة التنفيذ المتسق للسياسات لتعزيز السياسات، بما في ذلك من خلال احتواء التضخم وتعزيز مرونة سعر الصرف وتقليل الدين العام، إذ يرى أنه بينما تظل التوقعات مواتية، إلا أن البيئة الخارجية الأكثر صعوبة تفرض تحديات جديدة مع تشديد الظروف المالية العالمية، وارتفعت شهية المستثمرين الأجانب مجددًا على أذون وسندات الخزانة المحلية بعدما شهدت تراجعات حادة خلال الأشهر الماضية في خضم الموجة البيعية التي اجتاحت الأسواق الناشئة، وبلغت حصيلة مشتريات المستثمرين الأجانب في الديون المصرية نحو 900 مليون دولار خلال يناير، وفق تصريحات وزير المال محمد معيط في مؤتمر صحافي الثلاثاء الماضي.
و أثنى الصندوق أيضًا على الخطوة التي اتخذها المصرف المركزي بإلغاء آلية تحويل أرباح المستثمرين الأجانب، وقال "اتخذت السلطات خطوات مهمة لتعميق سوق الصرف والسماح بمرونة أكبر من خلال إلغاء آلية التحويل"، وأنهى البنك المركزي العمل بآلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب اعتبارًا من 4 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكانت مصر وضعت تلك الآلية في 2013 لطمأنة المستثمرين الأجانب على إمكانية استرداد النقد الأجنبي عندما تكون لديهم الرغبة في التخارج من الأوراق المالية المحلية.
و يرى الصندوق في بيانه أن الفائض الأولي للموازنة المستهدف بشأن مستويات للناتج المحلي الإجمالي قابل للتحقق على أن يرتفع إلى 5.5% خلال 3 سنوات، وقال وزير المال في بيان صحافي يوم الثلاثاء الماضي، إن قيمة الفائض الأولي بالموازنة العامة قبل خصم فوائد الدين العام بلغت 21 مليار جنيه في النصف الأول من العام المالي الحالي وهو ما يمثل نحو 0.4% من الناتج المحلى مقابل عجز أولي بقيمة 14 مليار جنيه يوازي 0.3% من الناتج خلال نفس الفترة من العام المالي الماضي.
واستطرد صندوق النقد في نهاية بيانه أن برنامج الإصلاح الهيكلي الذي تنتهجه الحكومة المصرية يهدف إلى دعم النمو المتكامل ويعمل على حل مشاكل أزلية لنمو القطاع الخاص، وتشمل تلك الإصلاحات تحسين سياسات المنافسة والمناقصات العامة وإدارة الشركات الحكومية وتخصيص الأراضي، والتنفيذ المستدام لتلك الإصلاحات أمرًا ضروريًا لدعم النمو القوي والمستدام على المدى المتوسط وكذلك خلق الوظائف الجديد.
و قال الدكتور علي الإدريسي الخبير الاقتصادي، إن تسلم مصر للدفعة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي يعني أننا نسير علي الطريق الصحيح، مؤكدًا أنه وبالرغم من إيجابية التقرير الرابع للصندوق نحو الاقتصاد المصري ومعدلات النمو وتحسن مناخ الاستثمار وتقليل حجم تدفقات أموال المصريين للخارج إلا أن التقرير الجديد ركز على قدرة الاقتصاد المصري على جذب الاستثمار.
وأضاف الإدريسي، أن هذه رسالة طمأنة للمستثمر وللمواطن المصري، فالمواطن يطمئن لوجود احتياطي نقدي لـ 8 أشهر واردات، وللمستثمر رسالة تؤكد ثقته في الاقتصاد المصري بأنه استطاع وبرغم التحديات الكثيرة التي واجهها أن يحقق احتياطي نقدي، لافتًا إلى أن المشهد جيد، رغم بعض التحديات على مستوى الدين الخارجي والتضخم والبطالة وهو ما تتحرك تجاهه الحكومة المصرية ويعلمه جيدًا صندوق النقد الدولي المانح للقرض.
وأشار "الخبير الاقتصادي"، إلى أن الصندوق في تقريره أكد أن الحكومة والدولة تستهدفان تحسين مستويات الدين العام الخارجي ومعدلات التضخم لتصل لأرقام أحادية وينخفض مستوي الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، موضحًا أن نجاح الاقتصاد المصري يعني أن مصر دولة ليست صغيرة صاحبة سوق كبيرة تصل 100 مليون نسمة، ودولة لها تاريخ كبير، وتحقق الإصلاحات على أرض مصر هو أيضًا نجاح للصندوق الذي عاني بعض التشكيك في قدراته الإصلاحية، فثقة الكثير من الدول ستعود مرة أخرى للصندوق وهو ما حدث بالفعل عندما رأينا تونس والعديد من الدول تنتهج نهج مصر في طريق الإصلاح الاقتصادي.
قد يهمك أيضاً :
المستثمرون الأجانب يستحوذون على 100% من عطاء سندات الخزانة
"صندوق النقد" يوافق على صرف الشريحة الخامسة لمصر بقيمة ٢ مليار دولار
أرسل تعليقك