القاهرة ـ محمد عبدالله
تتميّز "دار المحفوظات" في القلعة، بأنها ثاني أقدم دار في العالم، ويرجع تاريخ الإنشاء إلى العام 1829 في عهد محمد علي، كأول مكان لحفظ السجلّات الرسميّة للدولة، وأطلق عليه آنذاك "الدفتر خانة"، وكان هدفها جمع سجّلات أنشطة أجهزة الدولة وحفظها، والتي صارت
بمضي الوقت تُرثًا قوميًّا.
وتتبع "دار المحفوظات" في القلعة، مصلحة الضرائب العقاريّة، إحدى مصالح وزارة المال، تزخر بقرابة 150 مليون مستند رسميّ، وأول موازنة اقتصاديّة لمصر، وهي بمثابة خازن أمين للتاريخ الوظيفيّ لدواوين ومصالح الدولة المصريّة الحديثة، والمواليد والوفيات وسجلات العُمد والمشايخ وشهادات الخدمة العسكريّة للشخصيات العامة والخرائط وسجّلات المدارس وغيرها من المصالح الحكوميّة منذ عهد محمد علي.
وتحتوي الدار على مكتبة نادرة للكتب تضم 10 آلاف و833 كتابًا، ومعاهدات مصر مافة مع الدول الأجنبيّة من أيام الدولة العثمانيّة، و27 ألف و500 من الخرائط النادرة لمصر والعالم، حيث تُوضّح الحدود مع دول الجوار، واستعين ببعضها في ملف طابا، وعشرات الآلآف من حجج ملكيات الأراضي الزراعيّة والحجج الشرعيّة لممتلكات أسرة محمد علي، وسجّلات القضايا في المحاكم، والدفاتر الخاصة ببعثات الحج، ودفاتر بصمة ورخص السلاح والعُمد والمشايخ في قرى وعزب مصر، وأول إحصاء لتعداد السكان، وأيضًا أول موازنة يتم إعدادها في مصر، كما تحتوي على 118 مخزنًا، منها 72 مخزنًا عملاقًا في الدار القديمة التي أنشأها محمد علي.
ويعمل على حماية هذه الثروة الفريدة، وترميم سجلاتها ومقتنياتها من الوثائق النادرة، فريق عمل من أبناء تلك الدار، الذي تعود خبرات الكثير منهم إلى أكثر من 30 عامًا، من العمل وسط الوثائق التي يعملون على ترميمها بحرفيّة شديدة تُبهر الجميع.
ويتكون فريق العمل في مركز الترميم من 43 فردًا، ما بين مُرمّم يدويّ، ومُرمّم باستخدام التكنولوجيا الحديثة وأخصائي تجليد، وهناك داخل مركز الترميم في "دار المحفوظات"، آليتين للترميم، الأولى هي الترميم من خلال معالجة الورق بالمواد الكيميائيّة والتكنولوجيا، وهي الطريقة الحديثة المتبعة أخيرًا، أما الطريقة الأخرى فهي الترميم اليدويّ الذي بدأ العمل به منذ عشرات السنين داخل الدار لترميم الوثائق التي تأثرت بعوامل الزمن، وخصوصًا التي تحتاج إلى معالجة خاصة.
وكشف أحد أقدم المُرمّمين داخل الدار أحمد عبدالعزيز، أنه كثيرًا ما تقع تحت أيديهم وثائق يكاد يكون من المستحيل ترميمها، ولكن مع الجهد والمثابرة تم ترميمها بصورة جيدة، ومثال ذلك شهادة ميلاد لأحد المواطنين تعود إلى العام 1922، وكذلك وثيقة التدرّج الوظيفيّ لمكرم باشا عبيد، وملف سعد باشا زغلول، وغيرها من الوثائق التي تخص أبرز وأشهر رجال مصر منذ عشرات السنين، وأنه من الصعب تحديد مبادئ موحّدة، صالحة لكل حالة باعتبار كل حالة لها خصائصها ومميزاتها التي تميّزها عن غيرها من حيث التركيبة والطريقة اللازمة والأهمية، وقبل أية عملية ترميم يجب تفحص الوثيقة بدقة متناهية لتشخيص الأضرار، وكيفية المعالجة والطريقة الأنجح لذلك، يتم وضع جدول وصفي للوثيقة المُراد ترميمها تحتوي على تاريخ التسجيل ونوعية الوثيقة والأضرار والطريقة المُتبعة في الترميم.
وأكّدت رئيس مركز الترميم وفاء فوزي، أن المركز بحاجة لاستقدام عدد مناسب من المُرمّمين الجدد، نظرًا لقرب خروج غالبية المُرمّمين اليدويين "أسطوات الصنعة" على المعاش، ونُدرة هذا التخصص، وضرورة وضع مميزات تحفيزيّة لشباب الخريجين للعمل داخل المركز.
وأشار رئيس دار المحفوظات محمد كامل، إلى أن الإبقاء على العناصر الأصلية المكوّنة للوثيقة هو الشغل الشاغل للمُرمّم والأرشيفي على حد سواء، ويجب ألا يتم أي تغيير في الشكل أو المحتوى بل الهدف من عملية الترميم هو الاحتفاظ بالوثيقة كما هي، مع توقيف الإتلاف، وإزالة أسبابه، وتقوية الوثائق بطرق فعّالة وواضحة، ويتم تعويض القطع الناقصة من نوع المادة الأصليّة ذاتها مُستخدمًا الورق بالورق، والجلد بالجلد.
أرسل تعليقك