أوصى المؤتمر الإقليمي لإصلاح نظام الإفلاس في مصر والأردن، الحكومتين المصرية والأردنية بضرورة إجراء تعديلات جذرية على نظام الإفلاس المعمول به في البلدين، مشيرًا إلى أنّ مصر تحتاج إلى إعادة نظر شاملة في قانونها للإفلاس الذي لم يطرأ عليه أي تغييرات جوهرية منذ أكثر من (125) عامًا بإستثناء تعديلات غير مؤثرة أقرتها الحكومة عام 1999.
وطالب المؤتمر، الذي عقد في الأردن ونظمه المركز العربي لحكم القانون والنزاهة برعاية المبادرة الشرق أوسطية الأميريكية لإصلاح نظم الإفلاس في الشرق الأوسط بمشاركة ممثلين من البنك الدولي والأمم المتحدة وأصدر توصياته اليوم الاثنين، إلى الحكومة المصرية بضرورة فصل قانون إفلاس الشركات والأشخاص المعنوية مستقلًا عن النظام القانوني الحاكم لإفلاس الأشخاص الطبيعية، وذلك بالنظر إلى خصوصية إفلاس الشركات وتأثير إفلاسها على عدة مصالح جديرة بالحماية منها مصلحة الاقتصاد القومي ذاته فضلًا عن عدم إمكان تطبيق الآثار الشخصية لحكم الإفلاس على الأشخاص المعنوية.
كما أوصى المؤتمر، بإلغاء النص الذي يمنح النيابة العامة الحق في طلب شهر إفلاس التجار من تلقاء نفسها، لأنّ تدخلها قد يتم كوسيلة ضغط ضد التجار أو الشركات لإجبارها على السير في إتجاه معين لاسيمًا في الأوقات التي يحدث فيها تأثير متبادل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ويكثر فيها استخدام السياسة في التأثير على الأعمال، مع ضرورة إصلاح وتقويم مؤسسة الإفلاس لاسيمًا تقويم دور كل من قاضى التفليسة وأمين التفليسة.
وخلصت توصيات المؤتمر إلى حث المشرع في مصر على نقل العقوبات الجنائية الخاصة بالإفلاس بالتقصير أو الإفلاس بالتدليس المنصوص عليها في قانون العقوبات وإدراجها ضمن مواد العقوبات المنصوص عليها في باب الإفلاس في قانون التجارة الحالي، وذلك لوحدة الموضوع داخل تشريع واحد لتسهيل تعريف مجتمع الأعمال بالجزاءات التي يمكن تطبيقها في حالتي الإفلاس بالتقصير أو الإفلاس بالتدليس.
واقترحت التوصيات تفويض وزير التجارة أو وزير العدل بتنظيم مهنة أمناء التفليسة ووضع الشروط الواجب توافرها فيمن يمتهن هذه المهنة كشرط للحصول على الترخيص بمزاولاتها مع إلزام أمين التفليسة بالتأمين ضد خطر الأخطاء المهنية التي قد يرتكبها أثناء تأديته لمهمته، وأن يظل هذا التأمين ساريًا لمدة عام على الأقل بعد إنتهاء التفليسة، وأن تتناسب قيمة وثيقة التأمين مع حجم التفليسة المعين لها وأن يجتاز الشخص الراغب في الحصول على ترخيص لمزاولة مهنة أمين التفليسة إختبار يتضح منه إلمامه الواسع بالقواعد العامة للقانون وقواعد الإفلاس وإجراءاته وبالمعايير المحاسبية التي على هديها يباشر مهمته.
كما أوصى المؤتمر، بالسماح للشركات والمؤسسات المهنية "مكاتب محاماه – مكاتب محاسبة" بالحصول على ترخيص لمزاولة مهنة أمناء التفليسة، حيث لا يشترط أن يكون أمين التفليسة شخصًا طبيعيًا، وأن يكون من ذوي الخبرة وأن يقيم في دائرة المحكمة التي يعمل أمامها.
ورأى المشاركون في المؤتمر ضرورة الزام الدائنين باختيار وكيل عنهم من المتخصصين في المسائل المالية والمحاسبية لمراقبة عمل أمين التفليسة وذلك على غرار مراقب حسابات شركات المساهمة، مع مراجعة بعض النصوص القانونية التي لها علاقة بنظام الإفلاس لاسيمًا القوانين التي تنظم الضمانات والتأمينات العينية والشخصية "الرهن الرسمي على العقارات، الرهن الحيازي، الإمتيازات، الرهن التجاري، الراهن المنقولات ذات الطبيعة الخاصة، رهن الأوراق المالية وحصص الشركاء" .
وطالب المؤتمر بضرورة مراجعة بعض النصوص القانونية التي تتماس مع نظام الإفلاس في قانون المرافعات المدنية والتجارية لاسيمًا تلك التي تتعلق بإشكالات التنفيذ وقواعد البيع الجبري والحجوز التحفظية والحجوز التنفيذية والبيع بالمزاد العلنى وقواعد الغياب والحضور أمام المحاكم وذلك لخلق التجانس الإجرائي فيما بينها ودفعًا لأي تعارض يمكن أن يوجد فيهما، فتوحيد مثل هذه أو المقاربة بينها من شأنها تيسير إدارة التفليسة ومن ثم تخفيض الوقت والجهد المبذولين لإنهائها.
ونبه إلى ضرورة تضمين القواعد المنظمة للإفلاس قواعد خاصة تنظم كيفية التعامل مع إفلاس الشركات ذات الطبيعة الخاصة بالنظر لنوعية الأنشطة التي تمارسها كشركات التأمين والبنوك وشركات التمويل العقارى وشركات التأجير التمويلى ، أو بالنظر لكثرة عدد المساهمين في رأسمالها "الشركات المقيدة في البورصة" فمثل هذه الشركات يتردد القضاة في الحكم بشهر إفلاسها مراعاة لطبيعتها وآثار ذلك على الاقتصاد القومى.
وأوصى بإنشاء جهة إدارية متخصصة "أو شركة متخصصة" تكون مهمتها توفير المعلومات الائتمانية عن التجار والشركات التجارية العاملة في مصر كى يكون المتعاملون على بينة من المركز المالي للتجار الذين يتعاملون معهم، مع رفع الحد الأدنى لرأس المال المستثمر في التجارة ليصبح خمسة ملايين جنيه على الأقل بدلًا من عشرين ألف جنيه كشرط لقبول دعوى الإفلاس، فمثل هذا التعديل سيخفض عدد دعاوى الإفلاس التي يمكن نظرها أمام المحاكم، مع العمل في نفس الوقت على إبتداع وسيلة قانونية مخففة للتعامل مع توقف التجار الذين يقل رأسمالهم المستثمر في التجارة عن خمسة ملايين جنيه عن الدفع أثر اضطراب أحوالهم المالية.
واقترح أن تتضمن قواعد الإفلاس نصا يحسم موقف مصر من موضوع الإفلاس عبر الحدود "الإفلاس الدولي" بالنظر لما يثيره من مشاكل تتعلق بتنازع القوانين من حيث المكان، مع اتخاذ موقف واضح بشأن تأثير اتفاق التحكيم المبرم بين طرفين على قبول دعوى شهر إفلاس المدين أمام المحاكم، لاسيمًا وأنّ دعاوى الإفلاس بنص القانون يجوز فيها الصلح ومن ثم يجوز فيها ظاهريا التحكيم.
وأكد المؤتمر، على أهمية إنشاء إدارة في وزارة العدل أو في وزارة التجارة تكون مهمتها إحصاء حالات الإفلاس وإتاحة المعلومات للكافة بشأنها، فالإحصاءات تمكن المشرعين من الوقوف على حسن أو سوء سير أنظمة وأحكام الإفلاس ومعرفة مواطن الضعف والنقص فيها ، كذلك فأنها تعطى صورة واضحة عن الأوضاع الاقتصادية العامة في الدولة ودرجة تطورها وتكشف عن فروع وأصناف التجارة التي تتعرض للإفلاس أكثر من غيرها، فضلًا عن أنها تنبئ عن مدى تمسك التجار بمعايير الأخلاق في تعاملاتهم، كما أنها تزود الجهات الإدارية في الدولة بالمعلومات الخاصة برؤوس الأموال التي تتعطل بسبب تأخر أعمال التصفية والإفلاس.
وأوصى المشرع المصرى بأن يقر صراحة المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية لمديري وأعضاء مجلس إدارة الشركات التي تفلس بالتدليس أو التقصير أثناء ادائهم، مع إعادة هيكلة هيئة تحضير الدعوى أمام المحاكم الاقتصادية لزيادة فاعلية دورها على نحو يمكن المتقاضين من التعاطى الإيجابى أمامها أو إلغاء فكرتها أصلًا، ولن يتحقق ذلك إلا إذا تم تحديد اختصاصات حصرية لها على نحو يمكنها من أن تفصل في كل الدفوع الشكلية المتعلقة بالنزاع المثار أمامها على نحو بات والزامها بإعداد تقرير موضوعى بالرأي القانوني في موضوع النزاع على غرار ما تفعله هيئة مفوضي الدولة في مجلس الدولة المصرى، فبقاءها على حالها في الوضع الحالى يطيل إجراءات التقاضي ولا يعود بأية فائدة على المتقاضين.
كما أوصى بتيسير إجراءات الصلح الواقي من الإفلاس وإلزام وزارة التجارة بإعداد برامج توعية للتجار ومديرى الشركات للتعريف بثقافة الخروج من الاستثمار في الوقت المناسب ، وأهمية ذلك بالنسبة للتجار ولدائنيهم وإلى المجتمع ذاته ، كما نقترح النظر في إمكانية إضافة مقرر دراسي على طلبة كليات الحقوق أو كليات التجارة وإدارة الأعمال يتضمن التعريف بثقافة كيفية الدخول في الاستثمار والوقت المناسب للخروج منه .
وطالب بضرورة تبنى المشرع المصري صراحة الرأى الراجح في الفقه والذي يجيز قبول دعوى الإفلاس حتى ولو كان هناك دائن واحد فقط "حالة عدم تعدد الدائنين" لاحتمالية أن يظهر دائنون جدد أثناء مرحلة تحقيق الديون.
وأوصى المشرع بإعادة النظر في وسائل الطعن على حكم الإفلاس وإعادة النظر في المسائل الإجرائية الواردة في باب الإفلاس في قانون التجارة لخلق التناسق بينها وبين القواعد الإجرائية المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية.
كما أوصى المشرع المصرى عند تعديله لقواعد الإفلاس بالاهتمام جيدًا بفكرة إعادة تنظيم المشروعات التي في مرحلة التعثر لما في ذلك من أهمية في تحسين بيئة مناخ الأعمال استهداء بما عليه الحال في تشريعات بعض الدول وإستجابة لتوصيات المنظمات الدولية المهتمة بتوحيد قواعد الإفلاس.
أرسل تعليقك