كشفت دراسة حديثة صادرة عن مركز "القاهرة للدراسات الاقتصادية" بعنوان "مجلس النواب القادم.. الأعباء والتحديات" أنَّ خسائر الاقتصاد المصري لعدم وجود مجلس نواب مرتفعة.
وأكد مدير المركز، الدكتور عبدالمنعم السيد، أنَّ مصر تأثرت سلبيًا من عدم وجود مجلس نواب "غرفة تشريعية"، وساهم ذلك في عدم خروج كثير من التشريعات والقوانين الاقتصادية المهمة والتي أثرت على الحياة الاقتصادية في مصر.
وأضاف أنَّ غياب المجلس ساهم في انخفاض مؤشرات مصر الاقتصادية العالمية وعلى رأسها مؤشر عجز الموازنة ومؤشر الدين العام وتذبذب نظرة العالم الخارجية لاسيما الاتحاد الأوروبي وأميركا نظرًا لعدم استكمال خارطة المستقبل التي تم الإعلان عنها في 3 تموز/ يوليو 2013.
وأرجع عدم نمو الاستثمار بالمعدلات المطلوبة إلى تخوف المستثمرين العرب والأجانب من الإقدام على الاستثمار في مصر وعدم وجود البيئة التشريعية المناسبة وعدم وجود قوانين الاستثمار الموحدة وقوانين الإفلاس وقوانين التجارة المطلوب تعديلها لسهولة الإجراءات.
واشار إلى أنَّ المستثمرين لم يدخلوا في مشاريع BOT و P.P.P نظرًا لعدم وجود حماية ومظلة للمستثمرين من التعامل مع الجهات الحكومية وتعد الفرص الاستثمارية الضائعة وعدم اكتمال الرؤية الاقتصادية في مصر الناتجة عن عدم وجود الغرفة التشريعية تقدر بالمليارات.
ونبه إلى أنَّ الانتخابات النيابية المقبلة تكتسب أهمية خاصة في الواقع المصري، فهي تأتي في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية بالغة التعقيد كحصاد لسلبيات الفترة السابقة، فضلا عن سياسات إدارة المرحلة الانتقالية والتي جاء معظمها كردود أفعال تركت وراءها كمًا هائلًا من المشكلات المعقدة.
وذكر أنَّ إلغاء مجلس الشورى بموجب دستور 2014 والذي كان يتميز بتركيبة تختلف عن مجلس الشعب - بما كان يتضمنه من كفاءات و خبرات أكاديمية ومن تخصصات مختلفة يصعب أن تفرز من خلال العملية الانتخابية - ألقى بالمزيد من العبء على مجلس النواب.
ونبه إلى أنَّ أهمية البرلمان المقبل تأتي من أنه عقب إقرار الدستور الجديد، الذي عمل على توسيع سلطات مجلس النواب، واستحدث العديد من المواد استجابة للتحديات الإنمائية ومواكبة للتطورات الراهنة الأمر الذي يتطلب القيام بثورة تشريعية حقيقية، وتنقية و مراجعة كافة القوانين.
وبيَّن أنَّ أداء السلطة التشريعية ساهم في ضياع العديد من الحقوق، في ظل دستور 1971، بل واقتصارها على طبقة معينة في المجتمع، كما عجزت المجالس النيابية المتعاقبة عن ترجمة الوسائل الرقابية المتعددة إلى واقع فعلي.
وأشار إلى أنَّ الرقابة البرلمانية على تنفيذ السياسات المالية تحديدا فقد شهدت تطورا تشريعيا ملحوظا في الآونة الأخيرة، و حرصت التعديلات الدستورية على إفساح المزيد من الوقت للبرلمان ولجانه لفحص ومناقشة مشروع الموازنة العامة، من خلال زيادة الفترة المتاحة للبرلمان لمناقشة الموازنة لتصبح ثلاثة أشهر بدلا من شهرين، و إقرار حق البرلمان في تعديل الموازنة المقدمة من الحكومة إذا ما ارتأى أهمية إعادة ترتيب أولويات الإنفاق وبما لا يؤثر على مستوى عجز الموازنة، فضلا عن تبكير مواعيد تقديم الحساب الختامي للموازنة لتصبح ستة أشهر بدلا من سنة ما يرفع من مستوى الرقابة الفعلية للبرلمان عليه.
وأضاف أنَّ النظام السياسي في مصر قبل الثورة وهيمنة الحكومة على البرلمان ومحدودوية أداء النواب في المجال المالي، انعكست سلبًا على القدرة على تفعيل هذه المواد ومن ثم فان تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات كانت ترصد العديد من أوجه الفساد ومخالفات حكومية وصلت في بعضها إلى حد الجرائم السياسية ومع ذلك لم يتم اتخاذ إجراءات جادة حيالها، بل كان يتم غلق باب المناقشة بناء على طلب الأعضاء والتصويت على اعتماد الحساب الختامي بكل مخالفاته.
وذكر أنَّ التطبيق العملي للرقابة المالية على الموازنة أسفر عن إهدار مبدأ شمول الموازنة والذي يُعد من المبادئ الأساسية لإعداد الموازنات، فعلى سبيل المثال موارد الموازنة لا تتضمن أموال الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص.
وأضاف أنَّ هذه التجاوزات استمرت خلال المرحلة الانتقالية التي لم تشهد أي نوع من الرقابة على الموازنة العامة للدولة أو الحساب الختامي، بل انفردت السلطة التنفيذية بجميع مراحل إعداد وإقرار الموازنة في ظل عدم وجود سلطة تشريعية منتخبة تقوم بمناقشة الموازنة نيابة عن المواطنين ما أدى إلى ارتفاع التكلفة الاقتصادية لغياب البرلمان.
وأشار إلى أنَّ الرئيس السابق عدلي منصور ثم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي أصدرا العديد من القوانين الاقتصادية والتي جاء بعضها تنفيذًا لاستحقاقات دستورية.
وأوضح أنَّ الرئيس السيسي أصدر قرارًا بقانون بشأن الحد الأقصى للعاملين بأجر لدى أجهزة الدولة، بحيث يكون الحد الأقصى لما يتقاضاه أي عامل من العاملين في الحكومة ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة والقومية الخدمية والاقتصادية، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة، والعاملين بقوانين وكادرات خاصة، هو مبلغ اثنين وأربعين ألف جنيه شهريًّا، وهو ما يمثل خمسة وثلاثين ضعفًا من الحد الأدنى "ألف ومائتا جنيه".
وأضاف أنَّ الدستور في المادة 38 أكد دور الضرائب كأحد آليات تحقيق العدالة الاجتماعية؛ وفي هذا الإطار صدر قرار بقانون رقم 117 لسنة 2014 بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على العقارات المبنية الصادر بالقانون رقم 196 لسنة 2008 و قد هدفت هذه التعديلات إلى تنمية موارد الدولة دون الإضرار بمحدودي و متوسطي الدخل.
وذكر أنَّه إعمالا بنص المادة 27 بالتزام الدولة بمنع الممارسات الاحتكارية تم تعديل قانون المنافسة رقم 56 لسنة 2014 لتعزيز استقلالية جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية فنيًا وإداريًا، مع إقرار الإعفاء الوجوبي الكامل للمبلغ في قضايا الاتفاقات الدولية بما يساعد على سرعة الكشف عن مثل هذه الجرائم شديدة الضرر بالاقتصاد فضلا عن تغليظ العقوبات، وحكم المحكمة الاقتصادية بتأكيد اختصاص الجهاز في النظر في الممارسات الاحتكارية بقطاعي الاتصالات والتأمين.
وأوضح أنَّه على الرغم من هذا فإنَّ القانون مازال بحاجة إلى إجراء المزيد من التعديلات ليتضمن المراقبة على عمليات الاندماج والاستحواذ، حتى يتاح للجهاز مراقبة الأسواق ضد أي أضرار تنتج عن هذه العمليات الكبرى.
وبيَّن أنَّ من أخطر القوانين الأخرى التي صدرت خلال تلك الفترة، القانون رقم 32 لسنة 2014 بشأن تنظيم إجراءات الطعن على عقود الدولة، وقد هدفت التعديلات إلى تنظيم إجراءات الطعن على العقود وعدم السماح لأي طرف غير أطراف التعاقد التدخل وإقامة الطعون على هذه العقود المبرمة بين الدولة وبين المستثمرين، فضلًا عن منح مجلس الوزراء الحق في الموافقة على إقامة الطعن على أي عقد من عقودها، وذلك لجذب الاستثمار.
وأضاف أنَّ هذا القانون أثار الكثير من الجدل؛ حين رأي البعض أنَّه يُعد نقطة تحول كبيرة في تحسين مناخ الاستثمار واستعادة هيبة الدولة ويتيح قدرًا من الخصوصية والطمأنينة للمستثمرين بما يساعد على زيادة الاستثمارات، فقد رأي البعض الآخر أنَّ القانون يحمى الفساد الحكومي بالنص على حرمان الشعب من حقه في حماية الممتلكات العامة والرقابة عليها.
وأشار إلى أنَّ المادة 43 نصت على التزام الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها كما تلتزم بتنمية قطاع القناة باعتباره مركزًا اقتصاديًا متميزًا، ونظرا للأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع القومي فقد حرصت القيادة السياسية على أن يتم تمويله اعتمادًا على المدخرات المحلية، ومن ثم فقد أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بقانون بشأن شهادات استثمار وتنمية قناة السويس.
أرسل تعليقك