يمثل "رغيف الخبز" في حياة المصريين، أيًا كان انتماؤهم الطبقي، أبجدية الحياة الأولى، وأهم أولويات المواطن، التي لامجال للتفاوض عليها، ومن أجلها قد تقوم الثورات وتسقط الحكومات، لذا تعد منظومة الخبز الجديدة، التي بدأ تطبيقها في محافظات عدة، الأمل المنشود للجميع، في تحقيق الأمن للمواطنين، الذين يؤكّدون أنَّ من أبرز مشاكلها وزن الرغيف وجودته، لاسيما أنَّ رغيف العيش، هو الضيف الأول وربما الأهم على كل الموائد المصرية، رغم اختلاف المستويات الاجتماعية، التي تحدد حاجة كل أسرة منه، ولكنه في النهاية مطلوب للجميع.
ويعتبر الخبز للفقراء أساس الطعام اليومي، فمنهم من يتناوله بمفرده بلا طعام، وهؤلاء كثيرون، وربما يمثلون الغالبية العظمى من المصريين، وما يؤكد هذا هو الزحام المستمر أمام المخابز، رغم كل الأنظمة التي تطل علينا باستمرار من الحكومات المتعاقبة، فتارة يتحدثون عن فصل الإنتاج عن التوزيع وتارة يمنون المصريين بمنظومة لن تحرم أحدًا من رغيف الخبز، فيما يعرف بمنظومة الخبز الجديدة، التي ضاعفت عذاب المواطن، ليحصل على هذا الغائب الحاضر وهو رغيف الخبز.
وينتظر البعض أمام مراكز توزيع الخبز من الساعة الثانيّة صباحًا، لأن من يحضر أولاً يحصل على حقه ومن يتأخر لا يحصل عليه، لدرجة تجعل الجميع يحصلون على الكمية المقررة لثلاثة أيام متتالية، ويأكلونه باردًا، حتى لا يعودوا إلى هذه السهرة المؤلمة في جنح الظلام يوميًا.
وأكّد المواطن علي صلاح، وهو موظف، أنّ الانتظار ليس هو كل المشكلة، فالرغيف يخرج في منتهى السوء، والوزن من 80 إلى 90 غرامًا، رغم أنهم أعلنوا أن الوزن 110 جرامات، فضلاً عن سوء حالة الرغيف، فيما يعرف بالمواصفات، والتي لا يوجد لها عقوبة في المنظومة الجديدة، كما يؤكد أصحاب الأفران قائلين لنا "اشتكونا"، ولكن في النهاية نمتثل لهم، لأنه لا بديل، وإذا ذهبنا للمسؤولين يقولون "اتركوا هذا المخبز واشتروا من غيره"، وأضاف متسائلاً "كيف وجميع المخابز تنتهج النهج نفسه؟".
وأبرز علاء السيد، موظف، أنّ "أصحاب المخابز يخرجون الخبز أقل وزنًا، ليوفروا الدقيق، ويتم خبزه، وبعد انتهاء حصة الآلة يقومون ببيع الثلاثة أرغفة بجنيه، ولا نجد مفتش تموين واحد يراقب هذه المنظومة، وهم لا يأتون إلا ليأخذوا خبز صنع خصيصًا لهم".
وفي شأن الزحام على بعض المخابز، شرحت أميرة محمد، ربة منزل، سببه، مؤكدة أنّ "نزوح أهل الريف من القرى لشراء الخبز من المدينة هو سبب الزحام في بعض الأفران، وهو المبرر أيضًا لعدم وجود زحام في أفران القرية التي تصنع رغيف خبز سيء للأهالي، لينصرفوا عنها، وتقوم ببيعه إلى المطاعم بنصف جنيه للرغيف، وبذلك يحقق مكسبًا أكثر، أما هذا المخبز فالزحام والتكدس كان له سببا آخر، فقد رفعت السيدات بطاقات ورقية مختومة من إدارة التموين، لإثبات المواليد الذين زاد عمرهم عن ثلاثة أعوام، حيث إن المخابز ترفض استقبالهم، ويتنقلون بين مخبز وآخر دون جدوى، رغم أن كل مخبز به بطاقة ذهبية، يتجاوز قوته الـ1300 رغيف، أعدّ لمثل هذا الغرض".
وبدورها، بيّنت علية إمام، ربة منزل، أنّها "تأخذ 15 رغيفًا لستة أفراد في أسرتها، لأن بطاقتها غير مسجل بها سوى ثلاثة فقط، وفي المنظومة الجديدة لكل فرد خمسة أرغفة، ومعها بطاقة ورقية بالثلاثة الباقين، ولا تريد المخابز الاعتراف بها"، وتتساءل "لماذا لا تفرض إدارة التموين عددًا معينًا من البطاقات على كل مخبز، عوضًا عن قذفنا هكذا بين المخابز!".
يأتي هذا فيما أوضح صاحب مخبز، أنّ "البطاقة الورقية تحتاج مجهودًا وعناء، حيث أنه لابد من إثباتها في الدفتر، ويتم توقيع الشخص المستفيد بنفسه عليها، ويتم هذا للآلاف يوميًا".
وأضاف "نحن لا نتهرب من المشكلة، ولكن نطالب بإخراج بطاقات ذكية موقتة، لصرف الخبز للمواطنين، لحين إضافتهم على البطاقة التموينية، ليتم تسجيلها مباشرة على الآلة".
وأشار إلى أنّ "هناك مشكلة أخرى تواجهنا إذا سقط نظام الآلة، فيما يعرف بـ(وقوع السيستم)، نجد أنفسنا مقيدين، ولا أدري لماذا لا يتم إصلاحه سريعًا، بل نجد أنفسنا مضطرين للانتظار منذ الساعة 6 صباحًا مثلاً، حتى يستيقظ الموظفون ويصلحوها في التاسعة، وربما العاشرة صباحًا، لتجد الزحام وصل لذروته نتيجة لتكدس الأهالي في انتظار الخبز، وإصلاح الآلة".
وتابع "الزحام نفسه يتكرر يوم السوق، لأن الناس تجدها فرصة للحصول على خبز جيد من المدينة، حيث توجد الرقابة علينا، وتغيب تمامًا عن القرى والنجوع، والزحام خير دليل على ذلك".
وكشف الحاج أحمد عفيفي، صاحب مخبز، أنّ "رصيد الآلة محدّد بـ1200 رغيف للجوال، الذي يمكن أن ينتج أكثر من هذا، فلماذا لا يتم رفع إنتاج الجوال من 1200 إلى 1300 رغيف، مما سيوفر الخبز للمواطن ويوفر أموالاً على الدولة؟"
واعترض على وزن جوال الدقيق، الذي يأتى ناقصًا، ما بين 48 إلى 49 كيلو غرامًا، عوضًا عن 50، كما أن أجور العمال في المنظومة الجديدة زادت بدرجة قد تصل للضعف، فالفران يحصل على 13 جنيهًا في الجوال للمنظومة الجديدة، عوضًا عن 7 للقديم، والخراط مثله، والعجان يحصل على 6 جنيهات للجوال، مكان 3 ونصف، وعامل الترحيل 5 جنيهات للجوال، عوضًا عن 3، وباقى العمالة مثله، وهذه الزيادة ترجع إلى طول المدة، التي تتم فيها صناعة الخبز طبقًا، للمنظومة الجديدة.
وفي المقابل، بيّن محافظ الشرقية الدكتور سعيد عبد العزيز أنّ "منظومة الخبز تم تطبيقها في المحافظة بالكامل، باستثناء العاشر من رمضان، وكنا بداية قد طبقناها في الحسينية وفاقوس، لنقف على المشاكل البسيطة التي قد تواجهنا، لنقوم بحلها، فلدينا 4 ألاف نجع تمثل500 قرية بخلاف المدن والأحياء، لذا لابد من تنظيم منظومة الخبز وفتح منافذ جديدة وقد قمنا بإنشاء مخبز للمحافظة قوته مليون رغيف، ينتج الآن منها 250 ألف رغيف، وعلى استعداد لزيادتها متى استوجب هذا".
وأبرز أنه "طالب جميع رؤساء الوحدات المحلية أن يحصل المواطن على رغيف خبز مناسب، كمًّا وكيفًا، أي أن تكون جودته عالية، ويجد احتياجاته كاملة، لأن الوحدات المحلية تحدد أسباب الفشل والنجاح، فهي المحك المباشر لعملية التطبيق على أرض الواقع، ورغم أننا لازلنا في بداية تطبيق المنظومة، إلا أننا نقوم بضخ كميات من الخبز فورًا في سيارات المحافظة إلى المناطق المحتاجة، لحين فتح مخابز جديدة، كما نسمح بزيادة حصة الدقيق لأية منطقة محرومة، وأية مشكلة تواجه المنظومة يتم حلها فورًا، عبر غرفة عمل مستمرة 24 ساعة، من كل القيادات المسؤولة عن تنفيذ منظومة الخبز، والتي لا تنام منذ أكثر من شهر، لتنفيذها بجدية، على أن تكون المشاكل مطروحة أمامهم مباشرة، وأتابع بنفسي، ليتم حلها فورًا وفي اليوم ذاته".
ومن جانبه، أشار محافظ الدقهلية المهندس عمر الشوادفي إلى أنّ "منظومة الخبز الجديدة لم تكمل شهرها الأول في التطبيق في المحافظة بعد"، مؤكدًا "حتمية وضرورة استمرار منظومة الخبز، نظرًا لحاجة المواطن لها، فقد كانت الأفران تتفنن في سرقة الدقيق المدعم، وبيعه حرًا فتلك المنظومة قضت على كل ذلك".
وأكّد أنّ "هناك تعليمات لإدارات التموين أن يبدأ إنتاج الخبز من الساعة الخامسة صباحًا، لتوصيل الخبز لمستحقيه، وتدارك أية أزمة فورًا، قبل تفاقمها، وأية قرية يحدد فيها شكوى انتقل بنفسي، لأن رغيف الخبز وتوفيره من أهم أولوياتنا".
وأوضح وكيل وزارة التموين في الشرقية حمدي الشربيني أنّ "حصص الدقيق زادت فعلاً بصورة تزيد على 50 % من المقرر قبل ذلك، سواء كان للمخابز البلدية التي زادت فعلاً، أو الطباقي التي نحن بصدد زيادتها الآن، لاسيما في القرى التي تعاني من نقص وجود رغيف الخبز، كما أنه سيتم ضخ خبز مصنع فعلاً بالآلات الذكية، عبر سيارات المحافظة المتنقلة، التي ستصل ربوع المحافظة كافة، طوال أوقات النهار، ليتوفر رغيف الخبز للمواطن، وقتما يريد، وبخمسة قروش للرغيف"، مبرزًا أنَّ "دور الرقابة التموينية لا ينقطع طوال الـ24 ساعة يوميًا".
وفي السياق ذاته، بيّن وكيل وزارة التموين في الدقهلية محمد أبو النصر الشويحي أنّ "المحافظة فيها 1700 مخبز، ولسنا مرتبطين بكمية دقيق معينة، فكل مخبز يخبز ما يحتاجه، حسب ما يأتيه من مستفيدين، والذي يحدد جودة المنتج هو المواطن، لذلك تجد أفرانًا مزدحمة، وأخرى بلا طلب، أما الزحام في المدن فهو لأن معظم الأفران فيها تعمل بالطريقة الآلية، التي تنتج خبزًا جيدًا، عالي المواصفات، أما القرى، التي فيها مخابز نصف آلية، جودتها أقل بكثير، مؤكدًا أنّ "التموين تراقب في المنظومة الجديدة على المواصفات".
وأكّد المتحدث الرسمي لوزارة التموين محمود دياب أنه "تم تطبيق المنظومة في نحو 15 محافظة، وأثبتت نجاحها، وذلك يرجع إلى النهج الجديد الذي يتم تنفيذه والذي يقوم على المنافسة بين المخابز، في تقديم رغيف خبز يلقى قبول المواطن، فكلما باع المخبز كمية أكثر حقق أرباحًا أكبر، وكذلك منح المستهلك حق الحصول على الخبز من أي مخبز يختاره، كما أنّ أصحاب المخابز يحصلون على مستحقاتهم فورًا، مما يشجع الحرص على الجودة، لدرجة أن البعض ينتج أرغفة وزن 120 غرامًا، على الرغم من أن الشروط تلزمهم بوزن 100 غرام، ليجذب المستهلك".
وأضاف "صاحب المخبز يحصل على مبلغ 31 قرشًا من الوزارة (الماكينات)، و5 قروش من المواطن ثمنًا للرغيف، وهو قيمة التكلفة الفعلية".
وفي شأن شكاوى المواطنين، الذين قابلتهم مخالفات، وهي في الغالب مشاكل فردية، تتضمن سلوكيات خاطئة لبعض الأفراد، ولا تتعلق بأسس المنظومة، فعليهم الإبلاغ عن طريق الخط الساخن (19280) ويعمل طوال 12 ساعة، منذ العاشرة صباحًا، ويتلقى الشكاوى أكثر من 40 فردًا، ويجب على المواطن عدم التعامل مع المخالفين، واللجوء إلى الشراء من المخابز الملتزمة بالمواصفات المنصوص عليها.
وأردف "يقوم مفتشو التموين بتحرير محاضر للمخالفين وعرضهم على النيابة وإلغاء تعاقدهم وإخراجهم من المنظومة، حيث لا توجد قرارات غلق، والجهود الرقابية لا تتوقف، يوميًا، وهذا النظام يرسخ قاعدة أن المواطن رقيب على حقه".
وكشف أنَّ "هناك دراسات تتم، لتوفير الخبز المدعم بالوزن (الكيلو)، بمعنى تحديد نصيب الفرد بمقدار نصف كيلو غرام يوميًا، تقدربعدد خمسة أرغفة، وزن الواحد منها 100 غرام، أي 15 كيلو غرامًا خبز شهريًا للمواطن".
ولفت إلى أنَّ "تطبيق نظام الوزن يسد باب الغش والتلاعب بالأوزان المتفق عليها، ومن المنتظر تطبيق هذا النظام قريبًا على مخابز الجمهورية"، مبيّنًا في شأن مشاكل الصرف بالبطاقات الورقية، أنَّ "هناك 18 مليون و200 ألف بطاقة منهم، آلاف عدة فقط ورقية، وجار تحويلهم إلى بطاقات ذكية، من طرف ثلاث شركات متخصصة، وذلك في الأسابيع القليلة المقبلة، تيسيرًا على المواطنين، للحصول على الخبز والحصص التموينية".
واستطرد "عن استغلال بعض أصحاب المخابز لعدم وعي البعض بالنظام الجديد، لا يعد عيبًا في المنظومة، ولكنه جشع نفوس البعض، وللتغلب على ذلك هناك برامج توعية تقدم في وسائل الإعلام المختلفة للتعريف بالمنظومة، وتم وضع نشرات على وجهات المخابز".
وعن أعطال الآلات، أشار إلى أنها "أعطال عارضة، ووارد أن تتعرض الأجهزة لأعطال فنية بسيطة، وفي حال التبليغ عن عطل مفاجئ يتم تنشيط الآلة على الفور، وللقضاء على صفوف الانتظار يتم توفير الخبز طوال ساعات النهار، وللمواطن حق الشراء من أي مخبز".
يذكر أنَّ تطبيق المنظومة بدأ منذ منتصف نيسان/أبريل الماضي، لتقضى على ثقافة واحتكار 50 عامًا، وبعد تطبيقها في 13 محافظة تم توفير 30% من استهلاك الدقيق، كما تم صرف 384 مليون جنيه، قيمة السلع الغذائية المجانية التي حصل عليها المواطنون مقابل فارق نقاط الخبز، وهوالفارق بين العدد المستحق للمواطن من الخبز والعدد الذي تم استهلاكه بالفعل، وهذا الفارق يتم استبداله بسلع تموينية أخرى، طبقًا لرغبة واختيار المواطن.
وتم التعامل مع المديونيات المستحقة من عام 2009 إلى 2010، والمتمثلة في مستحقات حافز الجودة، وفروق تكلفة الإنتاج، وأسعار السولار، فمع تطبيق المنظومة الجديدة في كل محافظة يتم صرف ثلث الدين المستحق لأصحاب المخابز، وتقسيط المتبقي على قسطين، ويقضي النظام الجديد على المديونية لأنه يصرف التكلفة المقررة بـ 36 قرشًا فورًا.
وحققت النظم القديمة نسبة إهدار بلغت تكلفته 11 إلى 12 مليار جنيه، بينما المنظومة الجديدة ليس بها نسبة إهدار، بل وفرت 30% من الدقيق الذي يتم استهلاكه، وقضت على سلاسل الإمداد، التي تسبب رفع الأسعار، وسوف يتم الارتقاء بمنظومة الخبز بعد إنشاء المركز اللوجيستي العالمي في دمياط، لاعتباره أكبر مركز لتداول وتخزين الحبوب، مما يوفر الأمن الاحتياطي لمصر من السلع، ويحول مصر من الدولة الأولى في استيراد القمح، حيث يتراوح حجم الاستيراد ما بين 5,5 إلى 6 ملايين طن سنويًا، إلى أكبر دولة مصدرة له.
وتمّ ربط المركز اللوجيستي مع البورصات السلعية، وتطوير الشون الترابية، على أن يكون الانتهاء من تحديث وتطوير الشون في آذار/ مارس المقبل، بما يضمن فرز وتنقية وتطهير الأقماح، وتصنيفها للمرة الأولى، في مصر، مما يقضى على الاحتكار وتنصف المزارع والمنتج الصغير، ويوفر القمح الجيد بأرخص الأسعار، وهو ما يعود بالفائدة على منظومة الخبز.
أرسل تعليقك