لا يزال صدى الإتصال الهاتفي بين الفنان راغب علامة والفنان الإماراتي عبدالله بالخير يتفاعل ، خاصة ما ختم به علامة المكالمة بالقول عن الأمين العام السابق لـ “حزب الله” حسن نصراللّه: “خلصنا من …”.و هو موقف ما لبث أن تحوّل إلى عاصفة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي وشوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، من خلال إقدام عدد من مناصري “حزب اللّه” على إحراق “مدرسة السان جورج” التابعة لـ “علامة” في الضاحية.
وقبل الغوص في تفاصيل الحادثة، و أثار حرق مدرسة بناها ردود فعل واسعة تساءل كثيرون حول مغزى حرق مدرسة في أي منطقة لبنانية؟ و كيف يمكن أن تُكسّر أبوابها ونوافذها ويعطّل فيها تلامذة عن دروسهم، بسبب رأي مخالف لأي فئة لبنانية؟
لا سيما وأن المهاجمين لم يأخذوا من شوّهوا مدرسة وكتبوا عبارات طائفية بحتاً على جدرانها قدسية اسمها في الاعتبار؟ إذ وبكل بساطة، تعدّوا على “السان جورج” بذريعة “لبيك يا نصراللّه”.
لم يكن علامة يعلم أن ليس كل الناس يقابلون الفضيلة بالفضيلة، فالمدرسة التي أنشأها ليعلّم أبناء بيئته، أي أبناء الضاحية، تعليماً حضارياً بعيداً من ثقافة الموت والبلطجة تحوّلت إلى “فشّة خلق” لأولئك الذين خسروا قائدهم.
وفي حال أردنا مناقشة هؤلاء الذين يدّعون الإيمان والطّهر ويتخلّون عن أرواحهم في سبيل اللّه والمظلومين، لا بدّ أن نسألهم، هل تقبل تعاليم طائفتكم التي تتذرّعون بها بتصرّفات كهذه؟
و قال الشيخ عباس الجوهري عن الحادثة إنه بستنكر الاعتداء على الأملاك العامّة والخاصّة بشكل عام، والتّعرض لمدرسة بشكل خاص. وتساءل “هل هكذا يُجازى من يهتمّ بحاجات أبناء بيئته”؟
لم يجد الجوهري مفردات دبلوماسية تصف فظاعة ما حصل، اكتفى بوصف الحادثة بالغباء و “الدّعشنة”، أكد أنّه لا يجوز شرعاً الاعتداء على أي ملكية، ولو كان Night Club، فكيف الحال بمدرسة؟ وبرّأ الجوهري الدّين الإسلاميّ والمذهب الشيعي من حوادث كهذه، معتبراً أن المعتدين لا يقيمون للدّين أيّ وزن ولا يهتمّون بتعاليمه، بل يتشبّثون بالانتماءات القبلية العشائرية الجنونية لمن يحبّون.
رفض الجوهري منطق الشماتة بالموت الذي تحجّج به المعتدون لتبرير هجومهم على مدرسة علامة، لكنه اعتبر أن الكلام الذي قاله الفنّان حصل في مجلس خاص.
وفي محاولة لتفهّم ما قام به المعتدون، وضعنا فرضية أمام الجوهري حول جواز الاعتداء على أملاك الآخر في حال لو كان نصرالله فعلًا “مقدّساً” أو حتى “رسولاً”، فشرح الجوهري أنه وفقاً للدّين الإسلامي يجوز أن نبحث حتى في وجود اللّه أو عدمه، في كلامه وتعاليمه، فكيف الحال حين يتعلّق الأمر بمشاعرنا تجاه إنسان؟ أضاف “حتى إذا كان الإنسان غير مؤمن بوجود اللّه، يجب أن نحترمه وألا نعتدي على أملاكه أو نهينه”.
و اعتبر العلّامة السّيد علي الأمين أن التّصرف هذا، نتيجة تربية ثقافية ترفض حرّية التعبير عن الرأي ولو كان التّعبير بالسّرّ وليس بالعلن، تماماً كما حصل مع علامة، فهذه برأيه ثقافة “ميليشياوية” مرفوضة حتى في البيئة الشيعية، لأن ما حصل يُصنّف كرّد فعل حزبي ولا يعبّر عن ثقافة طائفة.
و وفقاً للسيد الأمين، يمكنهم اعتبار نصراللّه، صاحب مكانة عليا ولكن لا يجوز أن يتعاملوا معه على أنه إلهيّ. أمّا في ما يتعلّق بترديد عبارة “شيعة شيعة” عند كلّ محاولة لممارسة البلطجة والتخريب، فشدّد الأمين على أنّ هذه العبارة أصبحت من السّمات الحزبية وليست من السّمات الدينية لأن هؤلاء أنفسهم يقمعون الشّيعة الذين لا يؤيّدون أفكارهم السّياسية.
وفي محاولة للإضاءة على أن هذه التّصرفات لا تمتّ إلى الطّائفة الشّيعية بصلة، ذكّر الأمين أولئك الذين تعدّوا على “مدرسة السان جورج” أن الإمام جعفر الصادق (ع) كان يجتمع مع الملحدين، يحدّثهم، يناقشهم ولا يقمع آراءهم أو يتعدّى عليهم.
كما رأى في الحادثة فرصة للتذكير بأن النبيّ محمد، لم يكن يقابل السّيئة بالبلطجة، وخير دليل قصة الجار اليهوديّ الذي كان يضع القمامة أمام منزل النبيّ، فتعامل معه الأخير برأفة في مرضه. ومن هنا نسأل المعتدين: هل خطيئة راغب بالتّعبير عن مشاعره باتجاه نصراللّه أسوأ من خطيئة الجار اليهودي الذي أغرق بيت نبيّهم بالقمامة؟ ولماذا لم يرث هؤلاء “الزعران” أخلاق أئمتهم وأنبيائهم الذين يتّبعونهم في “عقيدتهم” كما يدّعون؟
و دعا المحامي إيلي محفوض في سياق حديثه عن الشّق القانوني، الأجهزة الأمنية للتقصّي حول هوية من قام بهذا العمل واصفاً إيّاه بـ “المجرم البشع المخالف للقوانين والأصول ومعاقبته بحسب ما ينص عليه قانون العقوبات، حيث يحاسب المعتدون في حالات كهذه بالسّجن وبدفع غرامات مالية كتعويضات للمتضرر.
ونبّه محفوض من خطورة اعتياد هذه الجماعة على الثأر وردّات الفعل العشوائية. أما عن الحل، فأكّد محفوض أن لـ “راغب علامة” وغيره الحق في التعبير عن رأيهم، وفي حال الانزعاج من الرأي واعتباره مخالفة، يجب أن تكون المواجهة بالقانون لا بالاعتداءات.
هذه الحادثة ذكَّرت محفوض بأحداث 7 أيار وحوادث الاعتداء على الثّوار في عام 2019، معتبراً أن الوقت قد حان لتمارس الدولة سلطتها على كل من يخالف القانون.
أما المضحك المبكي في القضية فهو الإخبار الذي قدّمه المحامون حسين رمضان، عبدو قطايا، علي رباح، مازن علكوم وعلية المعلم أمام النيابة العامة التمييزية ضد علامة بجرائم إثارة النعرات الطائفية، وتعكير الصفاء بين عناصر الأمة، وإضعاف الشعور القومي والإساءة إلى المعتقدات الدينية.
و جزم محفوض بأن مثَل “ضربني وبكى سبقني واشتكى” ينطبق كثيراً على هذا الإخبار، وهو من دون قيمة قانونية وبلا طعم لأن ما حصل عبارة عن أن مواطناً لبنانياً عبّر عن رأيه بمكالمة خاصة… كثير من الأمور تحكى في الأروقة والصالونات الخاصة، ومن المعيب تسريبها.
أضاف محفوض “هذه الجماعة التي قد يصدر عنها أي شيء تحتاج إلى جهدٍ جبارٍ لإعادتها إلى منطق الدولة وثقافة القوانين، وعليها أن تعي أن لبنان بلد تعدّدي ومتنوّع بأفكاره”.
وبما أن راغب ابن هذه البيئة، دعا محفوض إلى اغتنام الحادثة للقول “ليس كل الشّيعة يؤيّدون مواقف هذه البيئة”.
وفي غياب أي رد فعل من راغب علامة ، أثار ما كتبته زوجته على خاصية “ستوري” في إنستغرام “نشر الشائعات الضارة ليس فقط تصرفاً طائشاً.بل هو أمر بالغ الخطورة يغذي الكراهية والانقسام في مجتمعنا.مضيفةً أن “هذا السلوك يعكس غياب الإنسانية والتعاطف. ولا يمكن أن يتم التساهل معه باي شكل من الأشكال”. وأرفقت ذلك بصورة لزوجها مع تعليق “فخورة بك”.
و قال آخرون "لا بدّ من أن نلفت نظر هؤلاء إلى أن منطق الديكتاتورية لا يمكن أن يتناغم مع وطنٍ حرٍّ متنوّعٍ كلبنان. نذكّرهم أيضاً، نقلاً عن تعاليم الإمام الصادق، “يا معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً”. كفى تشويهاً لسمعة الطائفة الشّيعية.
و قدّم المحامون حسين رمضان وعبدو قطايا وعلي رباح اليوم بإخبار أمام النيابة العامة التمييزية ضد الفنان راغب علامة، وذلك على خلفية التسجيل الصوتي المنسوب إليه، والذي يتضمن عبارات مهينة ومسيئة بحق الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله.
وقد تضمن الإخبار عدة جرائم تمس الكرامة والشرف وتثير النعرات الطائفية وتخل بالأمن والسلم العام، حيث تم إحالة الإخبار إلى قسم المباحث الجنائية المركزية لمتابعة التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
و علّقت جيهان علامة للمرة الأولى على الهجوم الذي واجههه زوجها الفنان راغب علامة، عبر خاصية القصص المصورة في إنستغرام، فكتبت: “أريد أن أسلط الضوء على كل العطاء الذي قدّمه راغب علامة لوطنه. جميع المدارس التي أسّسها موجودة في وطنه، وتحديداً في ضواحي بيروت، حيث ولد ونشأ. كان مصرّاً على إنشاء المؤسسات التعليمية في منطقته ليعود النفع مباشرة على أهل مجتمعه”.
وأضافت: “على الرغم من هذا العطاء الكبير، لم يطلب يوماً أيّ مساعدة أو مكاسب شخصية، فقد كانت أفعاله نابعة من حبّ صادق لوطنه وإيمان قويّ بمستقبله. ومع ذلك، من المؤسف أن يكون الرد على كل ما قدمه هو الكراهية والحقد من بعض المجموعات”.
وتابعت علامة: “هؤلاء الأفراد ومعظمهم من الشباب، يجوبون الشوارع في وقت يحاول فيه الوطن أن يضمد جراحه من الحرب التي أثرت على كلّ منا بطرق مختلفة. وبعض هؤلاء ربما كان لهم فرصة التعلم في المدارس التي بناها راغب علامة. ورغم ذلك، نجدهم الآن يدمّرون هذه المؤسسات نفسها. إنه لأمر مؤلم أن نرى هذا الجحود تجاه جهود كانت تهدف إلى النهوض بهم وتعليمهم. عيب!”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
عمرو دياب وراغب علامة في دويتو غنائي بحفل زفاف
راغب علامة يردّ على فيديو إيوائه مسلحين في مبنى يملكه
أرسل تعليقك