لندن ـ ماريا طبراني
ظهر يكوش أوكيما، وهو يمارس الرياضة ويبتسم ابتسامة كبيرة، مع وجود شرائح مِن السمك اللامعة تحت أشعة الشمس في القطب الشمالي من بابه الأمامي، وحفيده يلعب في ملابس على هيئة دب قطبي صغير على الطريق لتكون هذه صورة السعادة. ذهب الرجل البالغ من العمر 71 عاما إلى سيورابالوك، أقصى وأبعد مستوطنة في العالم، إذ يمكن أن تصل إلى -43 درجة مئوية ويظل الظلام لأسابيع في كل مرة في فصل الشتاء.. إنه مجتمع صغير، يعيش فيه أقل من 60 شخصا، توجد هناك سبعة فقط في المدرسة المحلية، ويعد صيد الحيتان والأسماك التجارة الوحيدة التي تبقي الناس هنا، وبشكل مثير للدهشة، انتقل أوكيما إلى هناك من طوكيو منذ أكثر من 46 عاما بعد أن شاهد صورا لهذه المنطقة في الكتب وقراء آراء المستكشفين الذين سافروا هناك، ووقع في حب المكان على الفور، وتزوج امرأة من هناك، ولم يعد يذهب إلى اليابان.
أحبّ أوكيما دائما روح المغامرة وحين كان شابا كان عضوا في نادي تسلق الجبال، كان ذلك روح المستكشف الذي قاده في رحلة العمر، وبعد البحث عن طرق للوصول إلى سيورابالوك، قام إيكو، الذي كان عمره آنذاك 25 عاما، طار من طوكيو إلى كوبنهاغن، ثم في العاصمة الدنماركية اضطر إلى الانتظار نحو شهر للحصول على إذن خاص للسفر إلى ثول في غرينلاند.
وتعدّ المنطقة موطنا للقاعدة العسكرية الواقعة في أقصى شمال الولايات المتحدة، لذا توجد قواعد خاصة حول زيارة الموقع، ويقول إيكو إنه لا يحب كوبنهاغن كثيرا، وإنه "لم تكن هناك ابتسامات من الشعب الدنماركي هناك"، يستمر المواطن الياباني قائلا: "في بعض الأحيان كان الأمر أشبه بالناس الذين كانوا ينظرون إليّ.. لم يكن شعورا رائعا"، وبعد حصوله في النهاية على تصريح عبور للوصول إلى ثول، اشترى إيكو تذكرة بنحو 435 جنيها إسترلينيا للسفر إلى هناك، لقد كان مهندسا ميكانيكيا مدربا وكان يقوم بوظائف غريبة لتوفير المال لرحلاته، وبعد وصوله إلى ثول، قال إيك إنه وجد على الفور أن الناس أكثر ودا مما كانوا عليه في كوبنهاغن وبقي في منزل مجتمعي مع مجموعة من الصيادين، ورغم أنه لم يستطع التحدث بلغة إنويت جرينلاندية فإنه وجد أنه من السهل التواصل باستخدام لغة الجسد، ويقول "كان الجميع مبتسما جدا، وأعجبني الأمر كثيرا وشعرت كأنني في وطني".
اجتمع إيكو بعد البقاء في ثول لفترة قصيرة، مع مستكشف ياباني وافق على نقله إلى سيورابالوك عبر المشهد المتجمد، سافر الثنائيان بمزلجة بحزمة من الكلاب في غرينلاند.
ويقول إيكو، وهو يسرد الرحلة "استغرق الأمر من خمسة إلى ستة أيام للوصول من القاعدة الجوية هنا، في بعض الأحيان كنا بحاجة إلى المشي مع الكلاب، وكانوا كسالى وأصبحوا متعبين"، وأخيرا، بعد أيام من الرحلات عبر براري غرينلاند، انسحب إيكو عندما وصل إلى سيروبلاك.
ووصف إيكو شعوره عندما وصل إلى المكان الذي كان يحلم به دائما أثناء زيارته، ويقول والبريق في عينه "لقد فوجئت كثيرا.. كان الطقس والمناظر الطبيعية جميلة.. كان الأطفال أكثر ذكاء من طوكيو.. قابلت صيادا يبلغ من العمر 16 عاما يعيش بمفرده"، وحين وصل إلى سيوربلاوك شعر بالسعادة وقرر البقاء بها، ومع مرور الوقت، تعلم اللغة المحلية، وتعلم كيفية الصيد، وتزوج امرأة من هناك، واستمر في تكوين عائلة، في تصور حول المجتمع الصغير، من الصعب تخيل الحياة هناك، وبخاصة الشخص القادم من صخب المدينة، في سيوربلاوك يوجد ما يقرب من 15 إلى 20 منزلا، ومكتب بريد ومتجر، هذا كل شيء، ولا يمكن للزوار الشراء من المتجر لأن الإمدادات ضرورية بالنسبة إلى السكان المحليين، إذ يتم شحنها في الأماكن التي تكون فيها النوازل غير متكررة، وينطبق نفس الشيء على الطبيب الذي يزور المدينة كل 3 أشهر.
لا توجد طرق في سيوربلاوك ويتم إلقاء القمامة في مقطورة رباعية الدفع، وعندما يتعلق الأمر بوسائل الراحة المنزلية، توجد محطة طاقة صغيرة في المستوطنة ويتم إنتاج الحرارة بواسطة سخانات البرافين أو الشعلات التي تعمل بالنفط، وفي الوقت نفسه، لا يوجد أي إمدادات مياه، مما يعني أنه يجب على السكان الاعتماد على الجداول في فصل الصيف بعد أن يذوب ثلج فصل الشتاء، لكن بالنسبة إلى أيكو، تعد هذه الطريقة البسيطة وغير المعقدة للحياة هي كل ما تتمناه، مع الأسف، توفيت زوجته هذا الربيع، لكنه سعيد لأن ابنه وحفيده يعيشان معه.
أرسل تعليقك