أثار ترميم قصر البارون في مصر الجديدة، حالة من اللغط خلال الأيام القليلة الماضية، وانتشرت الشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين تحويل قصر البارون الى فندق بعد هدم السور الخارجى وتغيير لون القصر، والبعض الاخر ادعى هدم قصر البارون واعادة بيع ارضه والاخر انتقد اللون والترميم بدعوي أنه غير متناسب مع طبيعة القصر التاريخية والأثرية، خاصة اللون الجديد الذي قال البعض إنه ليس اللون الأصلي للقصر.
وطالت الانتقادات أيضًا السور الحديدي الخارجي لقصر البارون حيث تردد أنه في إطار الترميم تمت إزالة السور الحديدي الذي قال البعض أنه أثري،وسيتم بدلا منه بناء سور حجري تردد أنه سيحجب الرؤية من الخارج.
وأنهى مصدر بوزارة الاثار الجدل واللغط السائد، حيث أكد أن الترميم الحالي لـ قصر البارون هو الأول الذي يتم له منذ إنشائه، ومسئولو الترميم حريصون منذ بداية المشروع على حماية الصبغة التاريخية لـ قصر البارون.
وتابع المصدر أن أساسات قصر البارون بحالة جيدة وجار إستكمال أعمال الترميم الفنية والمعمارية بالقصر، وأن اللون الذي تم في ترميم القصر هو لونه الأساسي.
وردت الوزارة ببيان رسمي اعلنت فيه أنها أنهت حتي الان 85% من أعمال ترميم قصر البارون امبان بحي مصر الجديدة، والذي من المقرر أن يتم افتتاحه خلال العام الجاري.
وأوضح العميد هشام سمير مساعد وزير الاثار للشؤون الهندسية و المشرف العام علي القاهرة التاريخية، أن أعمال الترميم تجري علي قدم و ساق تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، و انه حتي الان تم الانتهاء من أعمال التدعيم الانشائى لأسقف قصر البارون وترميمها وتشطيب الواجهات و تنظيف و ترميم العناصر الزخرفية الموجوده به، واستكمال النواقص من الأبواب والشبابيك ونزع جميع الأسقف والكرانيش الجصية.
كما تم الانتهاء من ترميم الأعمدة الرخامية بـ قصر البارون والأبواب الخشبية والشبابيك المعدنية وترميم الشبابيك الحديدية المزخرفة على الواجهات الرئيسية واللوحة الجدارية أعلى المدخل الرئيسى، و التماثيل الرخامية بالموقع العام، مشيرا الي انه تم البدء في أعمال رفع كفاءة الموقع العام للقصر و تنسيق الحديقة الخاصة به، وتبلغ تكلفة أعمال المشروع 100 مليون جنيه مصرى.
وأضاف العميد هشام سمير انه حرصًا من وزارة الاثار على الحفاظ على معايير الأصالة خلال أعمال الترميم الخاصة بـ قصر البارون تم إزالة الاسوار الحديدية غير الأثرية و التي تم إنشاؤها حول القصر عام ٢٠٠٦، لسوء حالتها كما أنها لا تتواءم مع القيمة الأثرية والمعمارية للقصر، مؤكدا انه لن يتم بناء سور حجري بدلا منها.
وتمت الإستعانة بالرسومات الأصلية الخاصة بـ قصر البارون والمنفذه من قبل المهندس ألكسندر مارسيل و ذلك لإنشاء اسوار بنفس تصميم الأسوار الأثرية القديمة، الذي هو عبارة عن قاعدة طولية خرسانية اسفل منسوب سطح الأرض، يعلوها اعمدة بانوهات حديدية بطول الواجهات مع وجود اعمدة حجرية بقطاع صغير موزعة على مسافات لتثبيت البانوهات الحديدية للاسوار مؤكدا علي انه لن يتم بأي حال إعاقة وحجب رؤية القصر ليستمتع المارة بمشاهدة القصر وروعة تصميمه.
وتقوم وزارة الاثار حاليا بالتعاون مع السفارة البلجيكية بالقاهرة، وجمعيات المجتمع المدني بمصر، بتنفيذ مشروع إعادة توظيف قصر البارون حيث سيتم إقامة معرض عن تاريخ حي مصر الجديدة وهليوبوليس عبر العصور.
قصر البارون لا تغيب عنه الشمس
ويُعد قصر البارون تحفة معمارية شاهدة على عبق وجمال العمارة المصرية، انفردت بروعة التصميم وجمال المكان، إذ اعتبر القصر الوحيد الذي لا تغيب عنه الشمس.. قصر البارون أشهر القصور المصرية وأفخمها من حيث روعة العمارة وجمال التصميم.
ويقع قصر البارون في قلب منطقة مصر الجديدة، وفي شارع العروبة المؤدي إلى مطار القاهرة الدولي، وعلى مساحة 12 ألف متر الذي شيده المليونير البلجيكي البارون إدوارد إمبان والذي جاء إلى مصر من الهند في نهاية القرن التاسع عشر بعد افتتاح قناة السويس، حيث بقى في القاهرة واختار مكانًا صحراويا في ذلك الوقت لبناء قصره، في ضاحية مصر الجديدة حاليا، والذي أسند مهمة تصميمه للمعماري الفرنسي ألكساندر مارسيل، ومهمة زخرفته جورج لويس كلود، حتى اكتمل بنائه وعمارته عام 1911.
وينفرد جمال تصميم قصر البارون جعله بوصفه بالقصر «الدوار» إذ ترتكز قاعدته الخرسانية على رومان بلي ليدور دورة متحركة كاملة تتيح لمن يجلس به أن يشاهد ماحوله في جميع الاتجاهات وهو في مكانه لا تغيب عنه الشمس، وهو ما أدهش السلطان حسين كامل نجل الخديوي إسماعيل يوم افتتاح القصر حتى أنه اوحى للبارون أنه يريد أن يهديه هذا القصر الذي لا يوجد في ملكه قصر مثله.
قصر البارون وقصص الرعب
ويُعد قصر البارون تحفة معمارية لا يقتصر ما يحيط به على سياج حديدي أو أسلاك شائكة، إنما إنما أحاطت به أيضا الكثير من الأساطير و القصص المرعبة، حتى وصفه الكثيرون بـ« بيت الرعب» لما يتم سماعه من أصوات تحريك أثاث القصر بين حجراته عند منتصف الليل، وتضاء فيه أضواء فجأة في الساحة الخلفية وتنطفئ كذلك فجأة.
قصر البارون وحياة تعيسة
وعلى الرغم من فخامة ذلك القصر وجمال حديقته التى تزينها التماثيل الهندية، إلا أن البارون وعائلته لم يتمتعوا بحياة سعيدة وهادئة خلف جدرانه فالبارون نفسه ولد بعرج ظاهر في قدميه، بالإضافة إلى أنه كان مريضا بالصرع وكثيرا ما كانت تنتابه النوبات الصرعية، أما بقية افراد اسرته فكان لهم نصيب الاسد من الحظ السيئ والحياة التعيسة، فقد لاقت أخت البارون حتفها بعد سقوطها من شرفة غرفتها الداخلية حينما كان البارون يدور ببرج القصر في إحدى المرات، حتى توقف القصر عن الدوران بعدها، حتى قيل أن السبب فى توقف حركته هى روح هيلينا الغاضبة على شقيقها لانه لم ينقذها.
أما ميريام ابنة البارون ، فقد أصيبت بشلل أطفال بعد ولادتها بفترة، ونظرا لحزم أبيها الشديد وشراسته أحيانا في معاملتها ومعاملة عمتها، أصيبت "مريام" بحالة نفسية معقدة ، فكانت تجلس "عندما تنتابها النوبات" لساعات هي الأخرى ببعض غرف السرداب الأسفل بالقصر، وبعد فترة كانت تعود "مريام" لغرفتها وهي متحسنة المزاج وتقول إنها تكلمت مع صديق لها يريحها كثيرا، حتى وجدت بعد وفاة عمتها ملقاة على وجهها ميت ، فى ظروف غامضة وقد وجدت جثتها مصابة بأعيرة نارية فى المصعد اختلف حولها إذا ما كانت جريمة قتل أو عملية انتحار.
اختفاء داخل الغرفة الرئيسية
وفي عام 1997 وقعت حادثة شهيرة حدثت، حيث تسلل مجموعة من الشباب المصري إلى القصر ليلا واقاموا بداخله الحفلات لعدة ليالِ، قبل ان يخضع القصر للحراسة، وقد سمع الجميع اصوات الموسيقى الصادرة عن حفلاتهم وشهدوا الأضواء الساطعة ايضا لكن كل هذا توقف فجأة، عندما اختفى عدد من الشباب داخل القصر بعد أن أقدموا على الرقص داخل الغرفة الرئيسية والتى كان لا يسمح بدخولها فى حياة البارون.
تاريخ قصر البارون
كشف الدكتور طارق المري مهندس استشاري متخصص فى ترميم الآثار، عضو اللجنة الدولية للدراسات المعمارية والتحليل الانشائي للمباني الأثرية، عن تفاصيل مثيرة عن قصر البارون وتاريخه وصاحبه، مشيرا إلى أن القصر مبني على مساحة 340 مترا عبارة عن دورين وبدروم وسطح.
وقال الدكتور طارق المري، "إنه كان مهتمًا بقصر البارون منذ أن كان ضمن موضوع دراسته فى بلجيكا لرسالة الدكتوراه الخاصة به عن مصر الجديدة هليوبوليس، لافتا إلى أن القصر مبنى بالخرسانة المسلحة ومزين بتماثيل وزخارف على الطراز الكمبودى الهندوسي، وقد وبنى على تلة من الرمال وكان مواجه لواحة هليوبوليس ومن خلفه الصحراء في وقت بنائه".
وأضاف الدكتور طارق المري أن البارون البلجيكى جاء مصر وأنشأ فى الصحراء ضاحية من ضواحى القاهرة على الطراز الإسلامي، واستعان بمهندسي الأوقاف تحت إشراف مهندس حديث التخرج من بروكسل، وقام بتخطيط وتصميم ضاحية هليوبوليس، وفى العقد المبرم بينه وبين الحكومة المصرية نص بإنشاء مترو كهربائي يصل بين الضاحية الجديدة وبين الأزبكية فى 12 دقيقة، ونتيجة لهذا الاتفاق تم شق شارع الأزهر تحت إشراف لجنة حفظ الآثار العربية، وتم شقه متموجا لتفادي هدم أي من الآثار المسجلة.
وتابع الدكتور طارق المري "عاش البارون ومات ودفن في مصر،وبعد وفاته أصبح القصر مثار جدل كبير،بين أنه مسكون وبين أنه يتم تصوير أفلام سينمائية فيه، منها فيلم الهروب لشادية وحسين فهمي فى السبعينيات، وبيع المبنى من ورثة البارون لمستثمر سوري، وظل قصر البارون ينسج العديد من الأساطير حوله وحول سكانه من الانس والجن،ثم عبدة الشياطين الذين اتخذوه فى وقت ما مكانا لتجمعهم ليلا".
وقال الدكتور طارق المري، "إنه عام 2009 تم شراء قصر البارون من صاحبه بمعرفة وزير الاسكان مقابل 30 او 35 فدانا فى القاهرة الجديدة وقتها والتى كانت صحراء، وصار المبنى ملكا للدولة علاوة على أنه مسجل أثرا تبع قطاع الأثار الاسلامية والقبطية، كما أنه من آثار العصر الحديث".
وأضاف الدكتور طارق المري أن المبنى بالكامل من الخرسانة المسلحة وقد قمت بإعداد ملف لحالة المبنى،وتم عرضه على جمعية تراث مصر الجديدة فى عام 2012 ،وكانت مشكلات القصر تنقسم إلى قسمين،الأول خطير ويتمثل فى هبوط جزئي فى التربة فى سلالم القصر المؤدية للمدخل،بالإضافة لتسرب المياه من السطح لخرسانة سقف الدور الأول، الذى تدهور وتآكل تسليحه بشكل فج،وذلك نتيجة الإهمال المتواصل أخر 75 سنة.
والثاني تآكل جزئي للعديد من زخارف التماثيل الهندوسية داخل المبنى،نتيجة التدمير المتعمد من رواد قصر البارون فى آخر زمن مر به،علاوة على فقد وتدهور مادة النهو فى العديد من الأماكن،والتى تآكل لونها الأورجواني فى العديد من المناطق الا من بعض المناطق التي بقى بها اللون وآثاره ظاهرة وواضحة جلية.
وكشف الدكتور طارق المري عن أنه شارك عام 2015 فى إعداد تقرير رفع لوزير الآثار،للتعجيل بترميم المبنى ووضعه على قائمة المباني التى تحتاج مشروعا سريعا وتدخلا عاجلا، وتقدم مكتب مصر للاستشارات بالتطوع بعمل مشروع استشاري لترميم القصر، وهو أحد المكاتب المؤهلة فى قائمة المكاتب المحدودة التى اعتمدتها الوزارة للعمل فى مشروعات الآثار، وتم تقديم المشروع ومراجعته،وتم تكليف شركة المقاولون العرب قطاع صيانة القصور والآثار والذى يعمل فى الآثار منذ عام 1990، وتحت إشراف مباشر من الآثار إدارة القاهرة التاريخية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
لون قصر البارون
وعن الجدل حول لون قصر البارون، قال:هذه الجدلية بدأت من عام تقريبا أو أكثر،وذلك بعد ظهور للمارة جزء من اللون الجديد للمبنى،وظهر إستهجان من بعض المعماريين من اللون الجديد،لأنه مختلف تماما عن اللون الذى تعودت عليه أعينهم وهو اللون البيج الداكن المترب،والمشكلة ان الكثير من المعترضين لم يروا المبنى عن قرب.
وقال، "حالة دهان القصر كانت فى منتهى السوء،بمعنى ان أجزاء كاملة من البياض والنهو منهارة ولونها كالح بالتعبير العامي، لأن الألوان تم اختزالها لأنها ألوان صناعية تتأثر بالآشعة الفوق بنفسجية،واللون الأصلي أصبح فى أماكن قليلة قد تكون بعيدة عن من يري القصر من الشارع في الخارج".
وكشف أن قيمة القصر التاريخية أقل من قيمة الندرة،حيث أن المبنى هو الوحيد على الطراز الكمبودى الهندوسي فى مصر وهذه قيمة هامة جدا،كما أن القيمة المعمارية أيضا مهمة وعالية،وإن كان المبنى من الداخل مثل أي فيللا فى الزمالك او جاردن ستي ولم يرتق التصميم الداخلي لدرجة الروعة الخارجية،والقيمة الانشائية عادية ليست مميزة،والقيمة الاجتماعية عالية بسبب مالكه وكم الاساطير التي نسجت عنه،علاوة على ان الصر يعد أيقونة مصر الجديدة،وهذه القيم كلها من المهم مراعاتها عند الترميم.
وعن اللون، قال المري:إنه وجد فى ملفات الشركة المنفذة طلب البارون بأن تكون فيلته"القصر"ذات لون مختلف عن كل مباني ضاحية مصر الجديدة،وتطلى باللون الأورجواني ليضاهى لون القصور الهندية القديمة،فاضطر المهندس المنفذ لعمل تركيبة من مزيج سلفات الحديد وسلفات النحاس،ليتم رشها على المبنى بالكامل لتكون اللون المختار من البارون مالك الفيللا.
وأضاف الدكتور طارق المري أن الذاكرة البصرية لرجل الشارع الغير متخصص فى الترميم والبعيد عن تاريخ المبنى وأصوله الأثرية المعمارية مهمة،لكن ليست فى أهمية القيمة المعمارية للمبنى،والذاكرة البصرية ستتعود على اللون الاصلي الجديد بالنسبة لها فى خلال خمسة أعوام على الأكثر.
وتابع الدكتور طارق المري "أحد أهم مكتسبات هذا المشروع هو اظهار اللون المفقود واكتشافه، والذى نسي الناس انه لون المبنى الاصلي لعدم الاهتمام بالمبنى وزيارته الدائمة، واللون مثبت تاريخيا وبالمعاينة البصرية وأكدته التحاليل المعملية لا جدال فى ذلك،ومن وجهة نظري كمتخصص فى الترميم فإن ما تم هو أحد الاتجاهات المقبولة فى الحفاظ والترميم، ولا هو خطأ مقصود أو غير مقصود، وما تم منهجية علمية دقيقة وممنهجة ولها احترام كامل لا غبار عليها".
واختتم الدكتور طارق المري حديثه قائلا، "سنحتاج وقتا للتعود علي اللون،والأهم بالنسبة لي كيفية أداء المبنى بعد الانتهاء من ترميمه،وهل سيتم وضع خطة صيانة جديرة به؟ والوظيفة التي ستتم إعادته للحياة بها هل ستكون فيللا سكنية صغيرة نسبيا صالحة ليشغلها متحفا لمصر الجديدة؟،وهي من أفكار عديدة تحتاج لبلورة وتنفيذ هادئ،والمهم استمرارية حياة المبنى لا أن يترك نهبا للمتشردين او الأشباح".
وقد يهمك أيضًا:
"المال" تعلن صرف الرواتب قبل عيد الأضحى تيسيرًا على العاملين
"وزارة المال" تعلن القواعد التنفيذية لتطبيق الحد الأدنى للأجور
أرسل تعليقك