من بعيد وأنت في طريقك إليها، تظهر أهرامات الجيزة في شموخ وهيبة، ومع كل مسافة تقطعها السيارة إليها يتجلى الأثر العظيم ويصبح أكثر وضوحًا وضخامة، ليأسر الزائرين، ويبقى هذا المشهد بمثابة الانطباع الأول لكل من يأتي لزيارة أهرامات الجيزة، لكن هذه الصورة المبهرة سرعان ما تتبدد مع الوصول إلى البوابة الرئيسية للمنطقة الأثرية.
ويحيط أهرامات الجيزة منطقة نزلة السمان وهي منطقة شعبية سيئة التخطيط، تغرق في زحام وضوضاء يجد الزائر صداهما عند مدخل المنطقة الأثرية، من باعة جائلين ومؤجري خيول، إلى جانب ضعف الخدمات داخل المنطقة، كل هذا دفع الحكومة المصرية نحو تطوير منطقة هضبة الأهرامات.
وتعتبر أهرامات الجيزة جزءًا من مدينة منف القديمة وجبناتها المسجلة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي منذ عام 1979، وكانت منف العاصمة المصرية على مدار أحقاب تاريخية عدة منذ عصر الدولة القديمة، وحتى بداية حكم الإسكندر الأكبر.
وتضم المنطقة الأثرية الهرم الأكبر للملك خوفو، الذي يعد الأعجوبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة، إضافة إلى 38 هرمًا في الجيزة وسقارة وأبو صير ودهشور، وحوالي 9 آلاف أثر ومقبرة من فترات مختلفة منذ عصر الأسرة الأولى حتى العصر اليوناني الروماني.
وبحسب مخطط الحكومة المصرية فإن خطة التطوير تهدف إلى استرجاع الصورة التاريخية لمنطقة الأهرامات وتعظيم قيمتها الأثرية، عن طريق تحويل الحرم الأثرى بهضبة أهرامات الجيزة إلى متحف مفتوح والاتصال بفروع نهر النيل (ترعة المنصوري)، وكذلك إقامة منطقة الفنادق شمال منطقة المتحف المصري الكبير وشمال شرق فندق مينا هاوس، وتوطين الخدمات السياحية أسفل هضبة الأهرامات.
ويروي مدير عام منطقة آثار الهرم، أشرف محيي الدين قصة التطوير من بدايتها فيقول: "بدأ التحرك في المشروع أواخر 2008 وكانت بداية التنفيذ في يناير 2009، وتوقف المشروع عام 2011، بعد الأحداث التي شهدتها مصر، قبل أن يستأنف العمل به مؤخرًا، ومن المتوقع الانتهاء منه منتصف 2021"، مشيرًا إلى أن الهدف من خطة التطوير، الحفاظ على المنطقة الأثرية من التلوث والضوضاء؛ إذ تؤثر كل هذه العوامل على سلامة الأثار.
ويضيف محيي الدين في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": المفهوم الأساسي كان نقل مدخل المنطقة الأثرية من المدخل الحالي الموجود بجوار فندق مينا هاوس وقسم الأهرام، إلى طريق الفيوم، لتأهيل الزائر بصريًا، إذ يأتي من الصحراء بعيدا عن الزحام، ويلفت إلى أن المدخل الجديد يوجد به مرأب سيارات ضخم مُعد لاستتقبال أكثر من 3 آلاف أتوبيس وسيارة.
وعن تفاصيل التحرك داخل المنطقة الأثرية، يقول مدير عام منطقة آثار الهرم: بمجرد الدخول يجد الزائر طريقه إلى التذاكر، مقسمة إلى 3 أماكن: أجانب ومصريين، إلى جانب أماكن مخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يتوافر لهم أيضًا مسارات سير، ودورات مياه خاصة بهم، وتبدأ الجولة في المشروع الجديد بجولة داخل مركز الزوار، الذي يضم قاعة سينما تعرض فيلم قصير مدته حوالي 7 دقائق يحكي تاريخ وحفائر المنطقة الأثرية، كما يوجد "ماكيت" في منتصف مركز الزوار عبارة عن تجسيد للأهرامات والمقابر الأثرية.
"بمجرد الخروج من قاعة كبار الزوار يجد الزائر أتوبيس كهربائي"، يقول "محيي الدين" الذي يكشف أن الحكومة تعاقدت على 30 أتوبيس كهربائي، لا ينتج عنها عوادم تضر بالآثار، وتكون مهمة الأتوبيس الكهربائي اصطحاب الزائر في رحلة مكونة من 6 محطات مختلفة داخل المنطقة الأثرية تبدأ من مركز الزوار ثم البانوراما، مرورًا بالهرم الأول والثاني والثالث، وصولًا إلى أبو الهول ثم العودة إلى مركز الزوار مجددًا، موضحًا أن مدة الانتظار بين كل أتوبيس وآخر لا تتعدى 4 دقائق.
وبخصوص الخدمات يوضح "محيي الدين" أن هناك منطقة خدمات بجوار المدخل الجديد؛ حيث يوجد نقطة شرطة للسياحة والآثار ومبنى دفاع مدني، ومبنى لسيارات الإسعاف، بالإضافة إلى مبنى إداري لمفتشي الآثار، لافتًا إلى إنشاء عدة مطاعم تم افتتاح أولها مؤخرًا وهو مطعم "ناين براميدز لاونج"، الذي يعتبر أول مطعم صديق للبيئة.
ولحل مشكلة كانت تزعج الزوار فيما سبق، تم التعاقد على 30 دورة مياه عامة متنقلة مزودة بخزانات مياه مراعاة لطبيعة المنطقة الأثرية، تم توريد 12 منها حتى الآن، إلى جانب ذلك سيتم توفير خدمات إنترنت هوائي، مع تصميم تطبيق للهواتف المحمولة، يقوم بشرح المناطق الأثرية، وتوضيح خرائط المنطقة بالكامل.
وبحسب المسؤول المصري فقد تكلف المشروع حوالي 400 مليون جنيه، مؤكدًا انتهاء الأعمال الهندسية بشكل كامل، على أن يكون التشغيل منتصف العام القادم، لكنه يلفت إلى أن تشغيل لن يكون من قبل الحكومة المصرية، مشيرًا إلى تعاقد وزارة الآثار مع شركة "أوراسكوم بيراميدز للترفيه" لتشغيل جميع الخدمات بالمنطقة.
لا يتوقف مشروع تطوير هضبة أهرامات الجيزة عند الأعمال داخل المنطقة الأثرية فقط، لكن لدى الحكومة المصرية خطة طموحة لتطوير المنطقة المحيطة لتشمل تحسين المداخل والطرق المؤدية إليها، وإنشاء ممشى سياحي، بالإضافة إلى إزالة جزء من منطقة نزلة السمان للكشف عن معبد الوادي ومدينة العمال الموجودين تحت المنطقة، مع إعادة توطين الأهالي وتعويضهم، وفقًا لموقع هيئة التخطيط العمراني.
من جهته يقول رئيس هيئة تنشيط السياحة، أحمد يوسف، إن أي تطوير في البنية التحتية يفيد الترويج للسياحة، لكن على وجه الخصوص تعتبر منطقة الأهرامات أشهر أيقونة سياحية عالمية، ومن المنطقي أن يتم تطوير المنطقة المحيطة، وتطوير خبرات أهل المنطقة، من أجل جذب أكبر عدد من الزوار.
ويلفت يوسف إلى إن الترويج لمنطقة الأهرامات بعد التطوير سيكون عبر 3 طرق، الأول من خلال الرحلات التعريفية، وتكون عن طريق وضع مصر على خريطة الزيارة حتى يأتي السياح لزيارة المنطقة بعد تجديدها.
إلى جانب ذلك يوضح يوسف أن الهيئة تعتمد على دعوة جميع وسائل الإعلام العالمية لتسويق المنطقة السياحية، وخصوصًا ما يتعلق بالكشوفات الأثرية الجديدة، بالإضافة إلى دعوة المؤثرين والمدونوين على، ممن يتابعهم ملايين المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن المتوقع افتتاح المنطقة منتصف عام 2021 بالتزامن مع افتتاح المتحف الكبير، وهنا يوضح رئيس هيئة تنشيط السياحة أن افتتاح منطقة الأهرامات والمتحف الكبير في وقت واحد سيكون له مردود كبير، لكن هذا الأمر سيتوقف على المطورين، وسنكون جاهزين لترويج كلا الصرحين بمجرد الانتهاء منهما.
قد يهمك ايضا
مصر تُعلن اكتشاف 13 تابوتاً أثرياً في منطقة سقارة
تمثال للإله نفرتم من بين مكتشفات التوابيت الخشبية المغلقة في سقارة المصرية
أرسل تعليقك