لندن ـ ماريا طبراني
تعتمد مدينة يورك على السياحة في تشغيل 10.7 في المائة من الأيدي العاملة فيها، وتعد السياحة والخدمات من أهم الصناعات في يورك الحديثة، وفي العام الماضي كانت يورك في الموقع الـ7 بين المدن البريطانية في الإقبال السياحي، وفي المركز الـ9 للسياح الأجانب، ويمكن لسياح لندن قضاء يوم ممتع في يورك باستخدام القطار
الذي لا يستغرق أكثر من ساعتين للوصول إلى يورك مع وجود أكثر من 25 رحلة يوميا، و يعني هذا إمكانية الذهاب والعودة خلال اليوم نفسه، وأقرب المطارات إلى يورك مطارا مانشستر وليفربول، وهناك مطار محلي في يورك، ولكنه يستخدم فقط في رحلات الطيران الخاصة.
ولكنها قبل الإقبال السياحي عليها كانت تعتمد على صناعة الحلوى وصناعة السكك الحديد، ومنها تخرج الآن منتجات مشهورة عالمية مثل أصابع شوكولاتة «كيت كات»، ومنتجات شركة «نسله» و«رونتري» وشوكولاتة «تيري» وأغذية «كرافت».
وتتميز يورك بطقس أكثر جفافا ودفئا عن بقية أنحاء إنجلترا بفضل موقعها في وادي يورك على أراض منخفضة، وإن كان ذلك يعرضها للفيضان من النهرين اللذين يلتقيان عند مشارفها. وتعتمد يورك على الحافلات في شبكة مواصلاتها الداخلية.
وتضم المدينة العديد من المتاحف من بينها متحف «كاسل»، ومتحف «يوركشير»، ومتحف «غاردنز». كما يوجد بها «غاليري يورك للفنون» و«متحف ريتشارد الثالث»، و«بارلي هول» وهو بناء يمثل منزلا من العصور الوسطى.
وتحتفظ يورك ببعض الكلمات الغريبة في اللغة التي اكتسبتها من عصور ساحقة مثل كلمة «سنيكلوايز» وهي طرق ضيقة مخصصة للمشاة فقط تؤدي إلى السوق، و«شامبلز» وهو شارع ضيق تحيط به المنافذ التجارية والمقاهي على الجانبين.
ويمكن للزائر العثور على كل المعلومات السياحية من مركز خدمة الزوار الذي يقع في شارع «ميوزيوم ستريت» في وسط المدينة. ويساعد هذا المركز نحو نصف مليون سائح سنويا. وتشمل المعلومات المتاحة كل أوجه الإقامة والمواصلات في المدينة وأهم المعالم السياحية فيها.
أسس الرومان مدينة يورك في عام 71 ميلادية على الحدود الشمالية الشرقية لإنجلترا ضمن مقاطعة يوركشير. وعبر ألفي عام هما تاريخ المدينة، اكتسبت يورك العديد من الأسماء من «إيبوراكوم»، إلى «جورفيك» وحتى يورك. احتلها الفايكنغ في عام 866، ثم استعادها النورمانديون بعد ذلك بمائتي عام. واستقر اسم يورك الحالي منذ القرن الثالث عشر.
ومنذ بداية تأسيسها، يحيط بالمدينة سور روماني ما زالت أجزاء منه باقية حتى الآن. وهي تقع على ملتقى نهرين هما «أوس» و«فوس». من أحداث تاريخها وفاة القيصر الروماني كونستنتينوس فيها عام 306 ميلادية، وتنصيب ابنه كونستنتين الأكبر إمبراطورا من داخل المعسكر الروماني في وسط المدينة.
بعد فترات وجيزة من الحكم المحلي، سقطت يورك أمام غزوات الفايكنغ في عام 866. ولم تعد إلى الحكم المحلي سوى بعد الغزو النورماندي لإنجلترا في عام 1066. وبعدها انطلقت يورك نحو الازدهار بوصفها معبرا تجاريا مهمّا. ولكن تاريخها لا يخلو من المذابح أيضا، حيث جرى ذبح سكانها من اليهود عام 1190 في موقع يعرف اليوم باسم قلعة يورك أو «يورك كاسل».
وفي العصور الوسطى كانت يورك تمثل مركز قيادة حروب إنجلترا على أسكوتلندا.
من أشهر أبناء يورك التاريخيين غاي فوكس الذي حاول تفجير مبنى البرلمان البريطاني في لندن، وهي محاولة لم تنجح، ولكن البريطانيين يحتفلون بها كل عام بإطلاق الألعاب النارية. حاولت يورك مرارا عبر التاريخ الاستقلال عن إنجلترا، وتطلب الأمر أحيانا إرسال جيوش لمحاصرة المدينة وإخضاعها للتاج البريطاني. وكانت المرة الأخيرة التي استسلمت فيها المدينة في عام 1660، وبعدها انخرطت يورك في التجارة لتصدير المنسوجات الصوفية والحبوب واستيراد العديد من المواد الأولية. ولكنها واجهت منافسة من مدن مجاورة مثل ليدز وهال.
وهناك العديد من القصور التاريخية التي يمكن زيارتها في يورك وهي تعود لحقب منذ القرن الخامس عشر، مثل «لورد مايور مانشن» و«فيرفاكس هاوس». وهناك منشآت عملية تاريخية مثل المسرح الملكي ومضمار سباق الخيول.
في التاريخ الحديث كانت يورك أحد معاقل الثورة الصناعية، ودخلتها صناعة خطوط السكك الحديدية في عام 1839. وتوسع تخصص المدينة أيضا في صناعة الحلويات من مصانع «رونتري» التي تأسست في المدينة عام 1862 لصناعة الشوكولاتة، وأيضا مصانع «تيري». وساهمت السكك الحديدية في توسيع مجال تجارة منتجات يورك.
وفي القرن العشرين تحول الاهتمام في يورك إلى المجال السياحي بوصفه صناعة حيوية للمدينة، وجرى إعلان المدينة محمية تراثية في عام 1968. ويذهب السياح إلى يورك لمشاهدة الآثار من عدة حقب تاريخية من العصر الروماني وعصر الفايكنغ وحتى العصور الوسطى. ويضيف المتحف الوطني للسكك الحديدية إلى مزايا المدينة السياحية، خصوصا للمهتمين بهذا المجال.
من المواقع التي تستحق الزيارة أيضا مركز «جورفيك» للفايكنغ. وتضيف جامعة يورك بعدا أكاديميا وإقبالا عليها للدراسة. وفي عام 2007 حصلت يورك على لقب مدينة السياحة الأوروبية الأولى متفوقة في ذلك على مدن منافسة مثل جوتنبريغ السويدية وفالنسيا الإسبانية.
من المعالم السياحية التي ينبغي زيارتها في يورك «كليفورد تاور» الذي يمثل أقدم جزء تاريخي من قلعة يورك. ويعد وسط المدينة من المواقع التاريخية، ويشتهر بجولات المشي فيه لمشاهدة الحوائط الرومانية في المدينة القديمة التي تعد الأكثر تكاملا بين الآثار البريطانية القديمة.
ولعل إحدى مزايا التخطيط القديم للمدينة أن معظم شوارعها الداخلية لا تصلح للسيارات ولذلك فهي مخصصة للمشاة فقط، بينما تمتد شبكة المواصلات الحديثة حول المدينة، ومنها طريق دائري يمتد إلى مسافة ثلاثة أميال من مركز المدينة، ويحول المرور بعيدا عن مركزها.
وللزائر الجديد تقدم المدينة «بطاقة يورك» التي تفتح له العديد من المعالم السياحية بسعر واحد. وتشمل المعالم متحف «يورك منستر» وقلعة «يورك كاسل» ومتحف الخطوط الحديدية. هذا بالإضافة إلى معالم مثل آثار الفايكنغ في يورك وقصر «فيرفاكس» ومتحف الحمامات الرومانية.
وبالإضافة إلى الآثار التاريخية، توفر يورك لزائريها أيضا مناخا حديثا من المقاهي والمطاعم وفرص التسوق. وتقدم يورك العديد من المشغولات اليدوية. وتشمل لائحة المنتجات التي يمكن تسوقها من يورك: الأزياء والمجوهرات والكتب والأثريات والهدايا.
كما تتوفر فيها العديد من الأنشطة التي تناسب كل الأعمار. وللأطفال مثلا يمكن التدريب على الحفر للبحث عن الآثار في دورات خاصة يقدمها متحف «ديغ» للأطفال حتى نهاية شهر مارس (آذار) المقبل. وهناك أيضا مسابقات للرسم والتصوير وصناعة الحلوى والشوكولاتة.
وبخلاف الأنشطة يمكن الالتحاق بالعديد من الجولات السياحية التي تنظمها الشركات المحلية للسياح داخل المدينة. ويختار السائح بين المشي أو ركوب حافلات خاصة. وهناك جولات خاصة لتقفي بعض المعالم التي تهم مجموعات السياح المختلفة مثل جولات الرعب لمواقع المعارك أو الجرائم التي وقعت في المدينة، وجولات لتتبع تماثيل القطط التي تنتشر على بعض منازل المدينة.
وإذا كان السائح العربي يأمل في معاملة خاصة بغض النظر عن التكلفة، فيمكنه أن يستقل سيارة ليموزين خاصة لكي يزور بها معالم يورك. ويمكن للشركة التي توفر له هذه الخدمة أن تقترح عددا من الجولات السياحية التي يختار منها السائح ما يروق له.
ولأن المدينة تقع بالقرب من ملتقى نهرين، فيمكن أيضا استعراض معالمها من خلال رحلات بحرية بزوارق سياحية. وتنظم الشركات المحلية جولات بالزوارق قرب الغروب، كما يمكن استئجار زوارق خاصة للإبحار النهري بها. وتقدم بعض الزوارق وجبات غذائية ومشروبات خلال جولاتها السياحية.
أرسل تعليقك