غزة ـ محمد حبيب
قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الحكومة الإسرائيلية بتعنتها وغطرستها رفضت التجاوب مع الجهود الفلسطينية، لإنقاذ حياة الأسير ميسرة أبو حمدية، الذي استشهد في سجون الاحتلال، الثلاثاء، في حين رفع جيش الاحتلال الإسرائيلي، درجة تأهب قواته في المنطقة الجنوبية المحاذية لقطاع غزة، مع زيادة الاشتباكات بين الأسرى في سجون الاحتلال وقواته الأمنية، وبين المحتجين في الخليل، مسقط رأس الشهيد،
تزامنًا مع تأكيد الفصائل الفلسطينية في غزة، أنها تدرس اتخاذ القرارات المناسبة للرد على الجريمة الصهيونية.
وأكد عباس، في مستهل اجتماع اللجنة المركزية لحركة "فتح" في مدينة رام الله، "حاولنا فيما مضى العمل على إطلاق سراحه لتأمين العلاج له، ولكن الحكومة الإسرائيلية رفضت التجاوب مع جهودنا وإطلاق سراحه، ما أدى لاستشهاده"، موضحًا أن "هذا يدل على تعنت تلك الحكومة، وبطشها وغطرستها، لاسيما ضد أسرى الحرية الموجودين في سجونها".
وتابع عباس قائلاً "قدمنا احتجاجًا للحكومة الإسرائيلية، ولكل المؤسسات الدولية، وللعالم أجمع، على هذا العمل الذي قامت به وأدى لاستشهاد أبو حمدية، ولكن نحن سنستمر في نضالنا من أجل تحرير الوطن والأسرى".
وقرأ الرئيس عباس وأعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" الفاتحة على روح الشهيد الأسير أبو حمدية.
في سياق متصل، أصيب عشرات المواطنين في المواجهات التي اندلعت، الثلاثاء، في عدد من المحاور الرئيسية في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، مسقط رأس الأسير ميسرة أبو حمدية، الذي استشهد، صباح الثلاثاء، في مستشفى سوروكا الإسرائيلي.
وقالت مصادر "إن دائرة المواجهات مع جنود الاحتلال توسعت بعد ساعات الظهر في عدد من المناطق في قلب مدينة الخليل، ومداخل القرى والبلدات في المحافظة"، مؤكدة أن "أشدّها في منطقتي باب الزاوية وشارع الشلالة، حيث ألقت قوّات الاحتلال القنابل الغازية والصوتية تجاه الشبان"، وشهدت مداخل بلدات دورا، وبني نعيم، وحلحول، وبيت أمر، ومخيّم العروب للاجئين، استخدمًا مفرطًا للقوة من جانب قوّات الاحتلال، حيق أطلقت كميات كبيرة من الرصاص المطاطي والقنابل الغازية والصوتية، فيما وصفت معظم الإصابات بالطفيفة.
كما أصيب صحفيان بالرصاص المطاطي، هما مصور وكالة "بال ميديا" عبد الغني النتشة، ومصور وكالة "معًا" عماد العمايرة.
وفي السياق ذاته، أعلنت فعاليات محافظة الخليل الإضراب الشامل والحداد مدّة ثلاثة أيام على روح الشهيد ميسرة أبو حمدية، وأغلقت المحال التجارية أبوابها، فيما يتوقع أن تشهد الحركة التجارية شللاً كاملاً خلال الساعات والأيام المقبلة.
وأحرق أسرى سجن "ريمون" قسم رقم (1)، الثلاثاء، العلم الإسرائيلي، وداسوا عليه، في خطوة هي الأولى في تاريخ الحركة الأسيرة، حيث قال مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى فؤاد الخفش "إن الأسرى قاموا بتكسير كاميرات المراقبة في السجن، في خطوة احتجاجية على استشهاد الأسير أبو حمدية".
وكان نحو 30 أسيرًا قد أصيبوا جراء قمع وحدات إسرائيلية لسجون ينتفض فيها الأسرى، غضبًا على استشهاد الأسير أبو حمدية.
وذكر نادي "الأسير"، الثلاثاء، أن قوات القمع في سجن "آيشل" الإسرائيلي اقتحمت قسمي (10) و(11)، وهاجمت الأسرى بالهروات والغاز، مؤكدًا، في بيان صحافي، "سيادة حالة من الغليان في سجن آيشل، عقب استشهاد الأسير أبو حمدية، حيث كان معتقلاً فيه قبل مرضه"، فيما أصيب عدد من أسرى النقب، خلال مواجهات مع إدارة السجن، وسط حالة استنفار بين الأسرى.
وذكر مركز "أحرار" لدراسات الأسرى أن "الأقسام السبعة في سجن ريمون الإسرائيلي على فوهة بركان، وسط توترات في السجون بصورة كبيرة.
من جهتهم، هدد أسرى "نفحة" إدارة السجن بالقتل، إذا لم يتوقف قمع الأسرى في سجني "آيشل" و"ريمون" الإسرائيليين، وأكد أحد الأسرى في سجون الاحتلال، في تصريح متلفز، أن "حالة من الغليان تسود في جميع سجون الاحتلال الإسرائيلي"، مشيرًا إلى أن "الأسرى بدؤوا بالاشتباك مع إدارة السجون، وضرب الأبواب والتكبير، وسط حالة من الغضب الشديد، وأن قوات الاحتلال هددت باقتحام الأقسام كافة، وقمع الأسرى المنتفضين"، وأوضح أن "الوضع سيء جدًا، وندعو كل أحرار العالم للانتفاض من أجل نصرة الأسرى في مواجهة الاحتلال"، مفيدًا أن "الأسرى صلوا صلاة الغائب على روح الأسير أبو حمدية"، وأضاف "لا نعلم ما تخبئ لنا الأيام المقبلة، هناك عقاب جماعي يمارس على الأسرى، ومصلحة السجون لا تراعي أي حق من حقوق الإنسان ولا الاتفاقات الدولية".
وكشفت كتائب "الشهيد عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، أن للأسير الشهيد ميسرة أبو حمدية بصمات في عمليات نوعية للكتائب، موضحة أن "الأسير الشهيد أبو حمدية (64 عامًا) من سكان الخليل جنوب الضفة الغربية، وهو أحد مجاهديها الأوائل، وأبطالها وجنودها المجهولين، الذين أذاقوا العدو الويلات، وسطروا فصولاً من الجهاد والمقاومة ضد الاحتلال".
وبينت "الكتائب" أنه "التحق بها منذ بدايات عملها، وشارك في تدريب المجاهدين منذ عام 1989، وعمل بصمت وجهد دؤوب على إمداد المجاهدين بالسلاح والمتفجرات"، مضيفة أن "الشهيد كان له بصمات في عمليات نوعية للقسام، كانت باكورتها عام 1991 و1992، كما امتد جهده المقاوم لفصائل مقاومة أخرى، وبقي على عهده مع القسام إلى أن كانت آخر عملياته التي اعتقل على إثرها عام 2002، بعد أن أدى أمانته ووضع اسمه في سجل المجاهدين السابقين"، معاهدة "الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية على الوفاء لروحه الطاهرة، ولإخوانه الأسرى، الذين لا زالوا خلف القضبان، والمضي على الدرب الذي خطه أبو طارق بجهاده على مدى أعوام، حتى يكتب الله لنا النصر المبين وتحرير أرضنا وتطهير مقدساتنا من دنس الصهاينة المحتلين".
من جانبه، قال المتحدث باسم حكومة الاحتلال الإسرائيلي أوفير جنلدمان، من خلال منشور على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، "إن أبو حمدية عضو حركة حماس، الذي توفي متأثرًا بالسرطان، أُرسل انتحاريًا إلى مقهى في القدس، في عام 2002 من أجل قتل مدنيين".
وقالت الإذاعة العبرية، الثلاثاء، "إن حالة التأهب أعلنت مساء الإثنين، بعد تأكد الأجهزة الأمنية من موت الأسير أبو حمدية، وأنها لن تسمح بتهديد أمن بلدات الجنوب، ولن تسمح في الوقت ذاته للأسرى الفلسطينيين بابتزاز الدولة العبرية، وطالبت الحكومة الإسرائيلية سكان بلدات الجنوب، بتوخي الحيطة والحذر من احتمالات تعرض منطقتهم إلى نيران وصواريخ الفصائل الفلسطينية".
وأكدت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، خلال مؤتمر صحافي انعقد الثلاثاء، أنها تدرس التطورات عقب استشهاد الأسير ميسرة أبو حمدية في أقبية الزنازين الصهيونية، لاتخاذ القرارات المناسبة للرد على الجريمة الصهيونية، داعية مصر إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في الزنازين، وبخاصة المرضى، وضرورة الإفراج عن الأسرى الذين حرروا في صفقة "وفاء الأحرار"، فيما حملت الفصائل الفلسطينية، الاحتلال الإسرائيلي، مسؤولية تبعات ما سيحدث عقب استشهاد أبو حمدية، مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق لكشف ملابسات استشهاد الأسير.
وأعلن وزير الأسرى والمحررين، د.عطا الله أبو السبح، خلال مؤتمر صحافي له، في مقر المكتب الإعلامي الحكومي، الثلاثاء، نبأ استشهاد الأسير ميسرة أبو حمدية، بعد إعلان الاحتلال خبر وفاته من داخل مستشفى سوركا في مدينة بئر السبع المحتلة، محملاً حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن مقتله، مضيفًا "بعد مقتل ميسرة أبو حمدية آن الأوان ألا يركن الاحتلال الصهيوني إلى الهدوء وإلى الأمن"، داعيًا إلى "انطلاق انتفاضة ثالثة ردًا على استشهاد الأسير أبو حمدية"، محذرًا من "تزايد عدد الشهداء بين صفوف الأسرى"، مؤكدًا أن "عدد شهداء الحركة الأسيرة قد وصل إلى 208 شهيدًا فلسطينيًا، الأمر الذي بات ينذر بتزايد عدد الشهداء بين صفوفهم".
وطالب أبو السبح "الجامعة العربية باتخاذ موقف جاد تجاه قضية الأسرى، لإنقاذ حياة باقي الأسرى، وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، واتخاذ قرارات حقيقية بعد ارتقاء أبو حمدية"، مضيفًا مخاطبًا رئيس الجامعة العربية "يا دكتور نبيل العربي، إن مقتل الأسير ميسرة أبو حمدية أمانة، ولابد من اتخاذ قرار من قبل الجامعة العربية تجاه استشهاده"، داعيًا "وسائل الإعلام إلى فضح جرائم الاحتلال وتوصيلها إلى العالم"، منددًا بغياب بعض وسائل الإعلام العربية عن القضية الفلسطينية، لاسيما قضية الأسرى.
وأوضح وزير الأسرى والمحررين أن "الأسرى داخل السجون الصهيونية قد أعلنوا إضرابًا عامًا في السجون كافة، حدادًا على ارتقاء روح الأسير أبو حمدية، مطالبًا السلطة في رام الله بوقف المفاوضات التي أسماها بـ"العبثية" مع الاحتلال الصهيوني.
وأعلن المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، في تصريح صحافي، أن "الرئاسة الفلسطينية تحمل حكومة بنيامين نتنياهو مسؤولية استشهاد الأسير ميسرة أبو حمدية، في سجون الاحتلال الإسرائيلي"، في حين حمل فارس الكيان الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن استشهاد أبو حمدية، داعيًا العالم الحر لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي الذي يقفز على كل القوانين الدولية.
وقد أعلن وزير الأسرى عيسى قراقع في رام الله، عن استشهاد الأسير ميسرة أبو حمدية، في قسم العناية المركزة في مستشفى سوروكا صباح الثلاثاء، بعد معاناته من مرض السرطان نتيجة الإهمال الطبي.
ولد الشهيد أبو حمدية عام 1948، في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، حاصل على دبلوم في الإلكترونيات من القاهرة ودرس الحقوق في جامعة بيرو،ت ولم يكمل الدراسة بسبب ظروف الملاحقة والاعتقال، وكان يدرس قبل استشهاده التاريخ في جامعة الأقصى في غزة بالمراسلة، وانخرط في صفوف الثورة عام 1968, وتم اعتقاله بتهمة الانتماء لاتحاد طلاب فلسطين في العام 1969، واعتقل مرات عدة في الفترة بين 1969-1975، وتنقل في السنوات 1970 و 1975 ما بين الكويت وسورية ولبنان والأردن، حيث كان يعتقل كلما كان يعود للضفة الغربية اعتقالا إداريا، والتحق أبو حمدية في معسكرات حركة "فتح" في لبنان وسورية، حيث كان قد انتمى إليها في العام 1970 أثناء دراسته في القاهرة، وفي لبنان كان مقاتلا في كتيبة الجرمق الكتيبة الطلابية، وجرى اعتقاله عام 1976 إداريا حتى العام 1978، حيث تم إبعاده من المعتقل للأردن، وبدأ الشهيد العمل مع مكتب الشهيد أبو جهاد في الأردن منذ العام 1979، ومن ثم مكتب الانتفاضة منذ العام 1988، وبقي حتى عام 1998، حيث كان برتبة مقدم على سلسلة رتب منظمة التحرير.
ورفضت إسرائيل دخوله مع العائدين بعد اتفاق أوسلو في 1993، لكنه عاد في عام 1998 للضفة الغربية إثر انعقاد المؤتمر الوطني السادس وبعد تدخل الرئيس الراحل ياسر عرفات، وعمل في التوجيه السياسي برتبة عقيد لفترة قصيرة ثم انتقل للعمل في الأمن الوقائي، وهو ضابط متقاعد برتبة لواء، واعتقل في 18 أيار/ مايو 2002، وتم توجيه لائحة اتهام طويلة ضده وكان يعود تاريخ بعض التهم لعام 1991 أي قبل اتفاق أوسلو، وفي حزيران/يونيو 2006 حكم بالسجن 25 عاما، وفي 2007 لم يكتف الادعاء العسكري الإسرائيلي بالحكم فاستأنف الحكم وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد 99 عاما، وتمت ترقيته لرتبة عميد ومن ثم أحيل إلى التقاعد برتبة لواء في عام 2008، وهو متزوج ولديه أربعة أبناء، وعانى في نهاية حياته من قرحة في المعدة وارتفاع ضغط الدم وورم في منطقة الرقبة وتضخم في الغدة الدرقية، وتدهورت حالته الصحية ونقل مرات عدة إلى مستشفى سجن الرملة، وتبين إصابته بمرض السرطان، وتعرض لإهمال طبي متعمد من قبل إدارة السجون، ويعد من أبرز رواد الوحدة الوطنية، حيث احتفظ بعلاقات قوية وتعاون في العمل الثوري مع معظم أطياف الحركة الوطنية الفلسطينية من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وعاش آخر سني حياته في صفوف حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
أرسل تعليقك