واشنطن ـ يوسف مكي
يقوم الرئيس السوري بشار الأسد بحملة نشطة لإقناع الولايات المتحدة بأنها تقف إلى جانب الطرف الخاطئ في الحرب الأهلية السورية في الوقت الذي تتزايد فيه هيمنة الإسلاميين المتطرفين على المقاومة السورية، ويعتقد بعض أنصار الحكومة السورية وبعض المسؤولين فيها بأن النظام السوري يتملق الغرب الآن، أو على أقل تقدير يقوم بترويعه وتخويفه، حتى يتخلى عن مزيد من الدعم للمعارضة السورية.
وأشارت صحيفة
"نيويورك تايمز" الأميركية في هذا السياق إلى قيام المسؤولين في الحكومة السورية بتخفيف قيودهم على المراسلين الأجانب والسماح لهم بدخول سورية في محاولة للترويج لتلك الرسالة، كما أنهم استعرضوا سجناء وصفوهم بأنهم مقاتلون من المتطرفين، في محاولة لاستغلال المخاوف الأميركية من تنظيم "القاعدة".
ويقول رئيس الوزراء السوري وائل نادر الحلقي "نحن شركاء في محاربة الإرهاب"، ويضيف وزير الإعلام السوري عمران الزغبي "إنها حرب من أجل الحضارة والهوية والثقافة"، ويتابع "إن سورية هي آخر دولة علمانية حقيقية في العالم العربي".
وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من الآمال التي تراود الحكومة السورية إلا أن الرئيس أوباما لم يتراجع عن مطلبه في استقالة الرئيس الأسد، كما تواصل الإدارة الأميركية ضغوطها الاقتصادية على حكومة الأسد، وتعمل على زيادة المساعدات غير العسكرية للمقاومة السورية في الوقت الذي تدعو فيه إلى التفاوض من أجل تسوية تضع نهاية للقتال.
وذكرت "نيويورك تايمز" أنه رغم ذلك فإن الولايات المتحدة أعربت في مناسبات عدة عن انزعاجها المتزايد من تنامي نفوذ الإسلاميين المتطرفين في ساحات القتال داخل سورية، كما أنها ما زالت ترفض تسليح المقاومة أو دراسة إمكان زيادة تدخلها على نحو أكثر قوة من دون الحصول على أدلة قاطعة بأن الحكومة السورية تستخدم أسلحة كيميائية كما يؤكد بعض المسؤولين في إسرائيل.
وتسود الأوساط الغربية حالة من الإحباط وخيبة الأمل بسبب عدم عجز الغرب في مساعدة المعارضة العلمانية على المستويين العسكري أو السياسي كي تحل محل نظام الأسد، ومن الصعب التعرف على حقائق الأوضاع بعيدًا عن دعاية طرفي النزاع، كما أن الإعلام يلعب دوره الإستراتيجي كسلاح في الصراع الجاري حاليًا، والذي وصل إلى طريق مسدود.
وأما في ما يتعلق بالإسترتيجية الجديدة التي تتبعها الحكومة السورية فقد ظهرت على مدى الزيارة التي يقوم بها صحافيون لصحيفة "نيويورك تايمز" في دمشق تستغرق أسبوعين.
وقامت السلطات الأمنية خلال الزيارة بعرض مجموعة من السجناء المعصوبي الأعين ووصفتهم بأنهم من الإسلاميين المتطرفين الأشرار الذين جاؤوا من أنحاء متفرقة من العالم لشن حرب "جهادية" في سورية، إلا أن صحيفة "نيويورك تايمز" تقول إنهم عبارة عن خمسة من السوريين وفلسطيني وآخر عراقي.
ويعتقد المسؤولون في الحكومة السورية وأنصارها أنهم قادرون على كسب الحرب ويرفضون تخفيف الحملة العسكرية، ويتوقعون بأن يسعى الأسد لإعادة انتخابه في العام المقبل، ويقول البعض إنه قادر على كسب الفوز بالمنصب مرة أخرى، كما يرفض هؤلاء التشكيك في عملية التصويت التي سوف تجري في بلد اضطر ما يقرب من نصف سكانها تقريبًا إلى ترك بيوتهم.
ليس ذلك فحسب، بل أن البعض في النخبة السورية الحاكمة يقول، وهو احتمال بعيد، إنهم قادرون على إقناع الغرب باحتضان بشار الأسد بوصفه بطلًا يدافع عن قيم ومصالح مشتركة، حتى على الرغم من انتهاجه إستراتيجية عسكرية تحظى باستهجان لأنها تستهدف المدنيين بلا تمييز.
ويعتبر الأكثر من ذلك أن الحرب الأهلية دفعت بالبعض من الشخصيات السورية البارزة الذين سبق وأن عانوا من الفساد والمحسوبية في سورية إلى الوقوف في صف الحكومة السورية، حيث يقول هؤلاء إنهم يحاربون من أجل فكرة محددة تتمثل في الحفاظ على التنوع الديني والثقافي في سورية، ويعبر عن ذلك البعض رجل الأعمال الأميركي السوري خالد محجوب الذي يقول "إن الأسد يحارب عدوًا تحركه أيديولوجية وفكر تنظيم (القاعدة)، وهو العدو نفسه الذي قام بهجمات 11/9".
ويضيف محجوب الذي يعرف الأسد منذ أن كان يدرس مع أخيه باسل في مدارس "الليسيه فرانسيه" في دمشق "إن الرئيس السوري والنظام الذي ورثه عن أبيه حافظ الأسد يتحمل قدًار من مسؤولية الفوضى الراهنة".
ويواصل "إن الركود الاقتصادي في سورية دفع بالكثير من السوريين إلى التوجه إلى السعودية، وهناك اعتنقوا الفكر المتطرف.
ويحمل محجوب أجهزة الأمن السورية أيضًا بعضًا من المسؤولية، ولكنه يؤكد على أن ذلك كله "لا يبرر حرق سورية".
ويقول المسؤولون في سورية "إن أميركا وحلفاءها نظموا الانتفاضة السورية لعقاب سورية بسبب معارضتها لإسرائيل".
وتحدث رئيس الوزراء السوري عن قيم ومصالح مشتركة مع الغرب عندما قال إن النظام السوري يدافع عن الإسلام المعتدل ضد ما أسماه "الإسلام الظلامي".
ويقول خصوم الحكومة السورية "إن النظام نفسه هو من أشعل نار الطائفية في سورية، من خلال تفضيله للطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد وهو لهذا يستخدم عبارات مثل "الوهابية" و"تنظم القاعدة" كي يلقي باللوم على الغالبية السنية المسلمة في اللجوء إلى العنف".
ويقول المسؤولون في النظام السوري إنه لو سقط الأسد فإن أوروبا سوف تواجه قوسًا أو هلالاً من دول يحكمها إسلاميون بداية من تركيا وحتى ليبيا، وهم يطالبون أميركا بالتحقيق في ما إذا كانت تركيا تقوم بتسريب المتطرفين "الجهاديين" إلى سورية، في انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 الذي يتطلب تعاونًا دوليًا ضد الإرهاب.
وفي ما يتعلق بالسجناء الذين التقاهم الفريق الصحافي فإن أحدهم يدعو إلى تطبيق نظام الخلافة الإسلامية على العالم أجمع وليس فقط سورية، وأكد أنه تدرب على الهجمات الانتحارية في العراق، وأضاف أنه سوف يحارب الأميركان حتى آخر نفس، وآخر يقول إنه تعرض إلى غسيل مخ من أجل المال، وثالث يقول إنه يريد تمثيلاً ديمقراطيًا في الحكومة السورية.
وتقول الصحيفة إن المقاتلين الأجانب يشكلون جزءًا بسيطًا من عشرات الآلاف من المقاومة السورية، وتقول قيادات المقاومة في حلب وإدلب إنهم يحملون السلاح من أجل الدفاع عن بيوتهم وقراهم بعد قيام قوات الأمن السورية بإطلاق نيرانها على المتظاهرين، وفي وقت لاحق تزايد نفوذ المتطرفين في أوساط المقاومة بعد أن عانت المعارضة في الحصول على الأسلحة، في الوقت التي توجد أطراف أخرى تدعم المتطرفين.
ويتساءل وزير الإعلام السوري عن ما إذا كانت أمريكا تعتقد عن حق بأن أفراد المقاومة السورية هم بالفعل ثوريون أم إرهابيون. ولو كانوا يعتقدون بأنهم ثوار فإن ذلك سيكون بمثابة كارثة، ولو كانوا يعتقدون بأنهم ليسوا ثوارًا وأنهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة فإن ذلك سيكون بمثابة كارثة أكبر.
أرسل تعليقك