طهران ـ مهدي موسوي
فيما أعلنت إيران عن موافقتها على العودة إلى المفاوضات المتعلقة ببرنامجها النووي مع المجموعة الدولية (5+1) وبحضور الولايات المتحدة نفسها، فإن عددا من الأسئلة صارت تطرح بشأن الأسباب والضغوط التي دفعت إيران للقبول بالعودة إلى المفاوضات، والتخلي التام عن الشروط المسبقة التي كان فريق التفاوض الإيراني الجديد يعرضها للقبول بتلك العودة. وكانت المفاوضات النووية بين إيران والمجموعة الدولية قد توقفت منذ أواخر شهر تموز/ يوليو الماضي، مع انتخاب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي. ومنذ ذلك الحين، صارت الإدارة الإيرانية الجديدة تضع مجموعة من الشروط للعودة إلى التفاوض، خمسة منها قال الطرف الإيراني إنه لا يمكن أن تتنازل عنها بأي شكل. الشروط الخمسة كانت المطالبة برفع الولايات لجميع العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة على إيران، وإلغاء أية عقوبات، ولو رمزية، على الشخصيات العامة الإيرانية، بما في ذلك المرشد الإيراني. أما الشرط الثالث فكان يتمثل بعدم مناقشة أية قضية أخرى أثناء المفاوضات النووية، مثل ملف برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية والسلوك الإيراني في المحيط الإقليمي، وفوقها الإفراج عن الأموال الإيرانية التي جمدتها الإدارة الأميركية السابقة، وأخيرا إقرار إجراءات تمنع أي طرف من الانسحاب الأحادي الجانب من الاتفاق النووي مستقبلا.
الحزم الأميركي وزيادة وتيرة التعاون مع حلفائه الإقليميين كان الدافع الأساسي للطرف الإيراني للتخلي عن شروطها المسبقة، حسبما يوضح الكاتب والباحث آراس فائق.
يقول فائق "منذ عدة أسابيع صارت الولايات المتحدة تتحدث أثناء المفاوضات الثنائية مع الطرف الإسرائيلي عن "الخطة باء" للتعامل مع إيران في حال فشل النهج الدبلوماسي، وقد رصدت مئات التصرفات الميدانية الدالة على ذلك التوجه الجديد، منها بالذات دوريات القاذفات الأميركية فوق عدم مناطق من الشرق الأوسط، هذا الأمر الذي دفع الطرف الإيراني للتفكير بعواقب الإعاقة الدبلوماسية بجدية أكثر، التي قد تؤدي إلى كارثة عسكرية في أية لحظة". ويضيف "فوق ذلك، فإن الإدارة الأميركية الجديدة لم تظهر أدنى مستوى من التردد في رفع عقوبات الإدارة السابقة، بالرغم من كل الليونة التي أظهرتها تجاه إيران، ومع كل الانتقادات التي وجهتها للإدارة الأميركية السابقة، لكنها مع ذلك حافظت على العقوبات مثلما كانت، بل وأضافت عليها المزيد من العقوبات خلال الأسابيع السابقة، بالذات على الأجهزة والمؤسسات العسكرية الإيرانية. الأمر الذي خلق بالتقادم احساسا إيرانيا باستحالة الاستجابة الأميركية لمثل ذلك الطلب".
الحزم الذي أظهرته الجهات الدولية تجاه إيران، وعدم قبول تلك الجهات بأي من الشروط المسبقة التي طلبتها إيران، أضيفت إليها مجموعة من الظروف الداخلية الضاغطة على السلطة الحاكمة في البلاد، كما يفسر الباحث الإيراني نمراز باباكور في حديثه مع سكاي نيوز عربية. يقول باباكور: "كان الطرف الإيراني يمني النفس بأن نوعا من التعنت قد يدفع الإدارة الديمقراطية لأن تعيد الصفقة التي عقدتها إيران مع إدارة الرئيس أوباما منذ سبعة سنوات، حينما حصلت على قرابة 100 مليار دولار، وتاليا إخراج النظام الإيراني من أزمته الاقتصادية المتراكمة. لكن ذلك لم يحدث، ولم توافق الإدارة الأميركية حتى على مبلغ 10 مليارات دولار التي طالبت إيران به، وأظهرت حزما مع الدول التي تتجاوز العقوبات الاقتصادية، مثل كوريا الجنوبية".
ويتابع نمراز "كان ذلك دافعا جوهريا لحدوث أزمات خانقة في الداخل، مثل عودة إمكانية التظاهر بسبب أزمة المحروقات، وانخفاض أسعار التومان الإيراني، وغزو الجفاف والتصحر لمختلف مناطق البلاد، وزيادة أعداد المصابين والضحايا بوباء كورونا. هذه الأوضاع التي صارت تهدد استقرار منظومة الحكم بالكامل". وقالت فرنسا، الخميس، إنها لا تزال قادرة على التحرك مع شركائها ضد إيران في الاجتماع التالي لمجلس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد أن قالت طهران إنها ستعود إلى المحادثات النووية مع القوى العالمية في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري. وألغت القوى الغربية في أيلول/ سبتمبر خططا لإصدار قرار ينتقد إيران في الوكالة التابعة للأمم المتحدة بعد أن وافقت طهران على تمديد مراقبة بعض الأنشطة النووية. ودعت المدير العام للوكالة رافائيل غروسي لزيارة طهران لإجراء محادثات بشأن القضايا الرئيسية العالقة.
وساهم قرار الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا بعدم الضغط من أجل إصدار قرار من مجلس محافظي الوكالة المؤلف من 35 دولة في تفادي تصعيد مع إيران كان من الممكن أن يقضي على الآمال في استئناف محادثات أوسع نطاقا في فيينا بشأن إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وقالت إيران والاتحاد الأوروبي، الذي ينسق تلك المفاوضات، الأربعاء إن جميع الأطراف اتفقت على العودة إلى العاصمة النمساوية في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر. ويتصاعد إحباط الدول الغربية مع إخفاق إيران في الالتزام الكامل باتفاقية المراقبة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستمرارها في خرق اتفاق 2015، ولم تسمح لغروسي حتى هذه اللحظة بالسفر إلى طهران لإجراء محادثات رفيعة المستوى كانت قد وعدت بها في سبتمبر أيلول. كما لم تعمل طهران بشكل ملائم على معالجة المسائل المعلقة بشأن الأنشطة النووية السابقة.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية آن كلير لوجاندر للصحافيين في إفادة يومية: "على إيران استئناف الحوار والتعاون مع الوكالة من دون تأخير لإحراز تقدم في القضايا العالقة".
وردا على سؤال عما إذا كان قرار إيران بالعودة إلى المحادثات النووية سيجعل من المستبعد أن توبخ القوى الغربية طهران عندما يعقد مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية اجتماعه ربع السنوي المقبل في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر، قالت لوجاندر إن باريس لا تزال قلقة للغاية بشأن انتهاكات إيران لالتزاماتها وتعهداتها، ومنها التي قطعتها في سبتمبر أيلول. وأضافت: "ما زلنا حذرين، نحن وشركاؤنا، بشأن ضمان أن تفي إيران بالتزاماتها وما زلنا نتشاور بشان الرد في هذا الشأن".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
رئيسي يؤكد أن المحادثات النووية يجب أن تكون مرتبطة بالنتائج وأميركا تدعو لتحديد إطار لها
الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي لن يحضر قمة المناخ بعد طلب إسكتلندا إعتقاله
أرسل تعليقك