القاهرة ـ علي رجب
قالت دراسة تاريخية موثقة إن سلطة الأزهر او أي كلمة من إمامه الأكبر كانت تُثبت أو تَخلع الحكام وذلك لمكانة الأزهر الشريف المرموقة كونه أعلى مؤسسة دينية في مصر وأعلى مرجعية في العالم الإسلامي وقوته مستمدة من شيوخه.وإستعرضت الدراسة التى أعدها الباحث والناشط السياسى عيسى سدود المطعنى، من مركز الكنانة للدراسات السياسية والاستراتيجية ، صراع الأزهر مع السلطة منذ اكثر من
مائتى عام مع الحكام والمستعمر الاجنبي.
وقالت الدراسة إن المواجهة بين الأزهر والسلطة بدأت مع الإمام محمد الحنفى الذى تولى المشيخة فى الفترة من 1757-1767 كثامن شيخ للإزهر مشيرة الى ان الشيخ احمد العروسى الذى تولى المشيخة فى الفترة من1778-1793 كان من اوائل شيوخ الازهر الذين وقفوا فى وجه الحاكم حيث رفض اساءة الوالى العثمانى أحمد أغا لاهالى الحسينية وهو ما تسبب فى صدور فرمان سلطانى بعزل الوالى حيث اضطر سلفه لاسترضاء الأزهر .
وظهر الدور السياسي للأزهر الشريف واضحا جليا في عهد الشيخ الحفني، حيث حدثت الفتنة بين كبار الممالك وعلي بك الكبير وأستعد الطرفان للقتال فتدخل شيخ الأزهر محمود الحفني وأغلظ القول للماليك وقال لهم "إنكم خربتم الديار بخصامكم "فأجابوه "إذا لم نحاربه سيحاربنا"، فعندها كتب الشيخ الحفني خطابا لعلي بك الكبير بلهجة شديدة، فنزل الجميع علي رأيه وانتهت الفتنة.
وعندما تولى الشيخ عبد الله الشرقاوى منصب المشيخة قاد علماء الازهر مواجهة الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت سنة 1807 مما جعل نابليون يقصف الأزهر بالمدافع ويدخل ساحته بالخيول.
واضافت الدراسة أنه بعد خروج الحملة الفرنسية خَلع الشيخ عبد الله الشرقاوى وشيوخ اخرون الولاية عن - محمد علي والي مصر وقتئذ وإشترط الشيخ عبد الله الشرقاوى على -محمد علي ان يكون عادلا فى حكمه لكن محمد على لم يَف بوعده فدب الخلاف بينهما .
كما أشارت الدراسة إلى المواجهة التى حدثت بين شيخ الازهر محمد المراغى والحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية والتى انتهت باسترضاء شيخ الازهر.
وأبرزت الدراسة موقف شيخ الأزهر الإمام شمس الدين الإنبابي حين أفتى سنة 1818 بعدم صلاحية الخديوي توفيق للحكم الذي إتهمه بأن باع مصر للأجانب وأيد الشيخ وقتئذ ثورة أحمد عرابي وأنصاره مما أدى إلى تدخل السلطة في شؤون الأزهر وإنشاء مجلس إدارة له نال خلالها من صلاحيات شيخ الأزهر.
كما عارض شيخ الأزهر الشيخ محمد أبوالفضل الجيزاوي في الفترة 1917-1927 ما طرحه الملك فؤاد الاول حول إعلان نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، مبررا ذلك بأن مصر لا تصلح دارا للخلافة، لوقوعها تحت الاحتلال الإنكليزي.
كما رفض الجيزاوي الإستجابة لطلب الإنكليز بإغلاق الجامع الأزهر إبان ثورة 1919، وصدر في عهده قانون تقييد سلطة الملك في تعيين شيخ الأزهر.
وتناولت الدراسة موقف الشيخ محمد المراغى فى سنة 1928 عندما رفض طلب الملك فاروق باصدار فتوى تحرم زواج الملكة فريدة بعد طلاقها .
وتطرقت الدراسة الى الانتقادات الشديدة التى وجهها الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الازهر سنة 1950 الى الملك فاروق عندما قام برحلة شهر العسل مع زوجته ناريمان وخفض ميزانية الأزهر.
وقالت الدراسة إنه بعد ثورة 23 يوليو قام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بتقليص دور الأزهر وأصدر قانونا يعطي رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر ووكيله كما حجم صلاحيات شيخ الأزهر من خلال تعيين وزير يختص بشؤون الأزهر ثم قام بمصادرة أوقاف الأزهر لصالح الحكومة وصار شيخ الأزهر مجرد موظف لدى الحكومة .
ثم اصدر عبد الناصر القانون رقم103 سنة 1961 الذي ألغى فيه جماعة كبار العلماء ليحل محلها ما عرف باسم "مجمع البحوث الإسلامية" والذى يتكون من 50 عضوا على الأكثر من بينهم ما لا يزيد علي عشرين من غير المصريين من كبار علماء العالم الإسلامي ولا تسقط العضوية إلا بالوفاة أو الاستقالة أو الحجر الصحي.
وجعل هذا القانون "شيخ الأزهر" -الإمام الأكبر- صاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية وفي كل ما يتعلق بالقرآن الكريم وعلوم الإسلام ويعين بقرار من رئيس الجمهورية من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية .
وبعد ثورة يوليو بدأ شيوخ الأزهر فى مغازلة الحكام فالإمام محمد الخضر حسين (1951-1952) وهو تونسي الأصل وصف ثورة يوليو بأنها "أعظم انقلاب اجتماعي مر بمصر منذ قرون" لكنه لم يلبث أن قدم استقالته لخلاف مع الرئيس جمال عبدالناصر حول إلغاء المحاكم الشرعية.
اما الشيخ عبدالرحمن تاج (1954-1958) أفتي بسريان عقوبة التجريد من شرف المواطنة علي من يتآمر ضد بلاده قاصدا بذلك محمد نجيب، وهاجم الإخوان المسلمين بعد حادث المنشية 1954 من خلال بيان أخذ عنوان "مؤامرة الأخوان"حيث اتهم الجماعة بأنها تشوه الدين الإسلامي.
وأفتي الشيخ شلتوت بعدم تعارض قوانين الاشتراكية مع الإسلام ولم يجاهر برفض القانون رقم 103 لسنة 1961 الذى اصدره جمال عبد الناصر اما الشيخ عبد الحليم محمود فقد صدر قرار تعينه شيخا للأزهر في 22 صفر 1393هـ 27 مارس 1973م وكان هذا هو المكان الطبيعي الذي أعدته المقادير له وما كاد الشيخ يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى بوغت بصدور قرار جديد من رئيس الجمهورية في 17 جمادى الآخرة 1394هـ 7 يوليو 1974م يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر وما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور فى 6 اغسطس 1963 .
اما الشيخ عبد الحليم محمود الذى تولى مشيخة الازهر فى27مارس 1973 فقد عارض قرار الرئيس الراحل انور السادات تجريد شيخ الازهر مما تبقى له من اختصاصات ومنحها لوزير الاوقاف وقدم الشيخ استقالته احتجاجا على ذلك.
اما الشيخ جاد الحق علي جاد الحق -1982-1996 الذي أيد معاهدة السلام مع إسرائيل فقد رفض التطبيع معها اعتراضا علي عدوان إسرائيل المستمر على الفلسطينيين وأعلن بعدها تأييده للانتفاضة الفلسطينية كما ايد العمليات الاستشهادية كماعارض الشيخ جاد الحق فتاوى اباحة فوائد البنوك ورفض توصيات المؤتمر الدولى للسكان الذى اقيم فى القاهرة سنة 1996
اما الدكتور محمد سيد طنطاوى الذى تولى منصب مشيخة الازهر -1996-2010 فقد شهدت فترته إندماجا كبيرا بين الازهر والسياسة وكانت علاقته حميمية بالرئيس حسنى مبارك حيث كانت مواقف طنطاوى مؤيدة للنظام كما تمكن النظام السابق من تحييد الاصوات المعارضة داخل المؤسسة الدينية وفى مقدمتها جبهة علماء الازهر حيث تمكن النظام السابق من تقليص دورها الى مجرد موقع على شبكة الانترنت.
وبعد وفاة طنطاوى تولى الدكتور احمد الطيب ابن قرية القرنة منصب شيخ الازهر الى الان .
أرسل تعليقك