يسرد الصحافي ماثيو كاروانا غاليزيا، واقعة اغتيال والدته دافني كاروانا غاليزيا، مستدلاً بنشر تقارير قاسية عن الفساد في الحكومة المالطية. وقال ماثيو: "في كل مرة ولشهور عدة، كنتُ أقابل الشخص الذي يُشرف على التحقيق في عملية اغتيال والدتي. وكانت أسرتي قد قابلته للمرة الأولى منذ ست سنوات عندما جاء إلى منزلنا لإلقاء القبض عليها. كانت والدتي قد نشرت مدونة تسخر فيها من مرشح لرئاسة الوزارة في يوم الانتخابات، فقدم أحد مؤيديه شكوى ضدها لدى الشرطة. وهكذا أُرسل المحقق إلى منزلنا منتصف الليل وهو يحمل مذكرة إلقاء قبض بحقها، بتهمة سماها "التعبير غير القانوني عن الرأي".
وأضاف: "كنتُ وقتها أعمل في الطرف الآخر من العالم، وكان معارف يرسلون لي أشرطة تظهرها وقد أُطلق سراحها من مركز للشرطة في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل وهي ترتدي قميص والدي. ولكن، وبعد ساعات قلائل، كانت والدتي تعاود الكتابة عبر الانترنت واصفة ما تعرضت له من انتهاكات وتسخر من مخاوف رئيس الحكومة الجديد ومن مظهرها هي. وكتبت "أعتذر لمظهري غير المرتب، ولكن عندما تدهم فرقة مكافحة الجريمة منزلك لاعتقالك في الليل، لن تفكر في تمشيط شعرك أو وضع مسحوق تجميل". والآن، كلف المحقق نفسه الذي اعتقل أمي تلك الليلة بالتحقيق في مقتلها".
تابع: في اليوم الذي اغتيلت فيه، كانت أمي، دافني كاروانا غاليزيا، قد ذهبت إلى البنك لاستعادة حسابها الذي كان قد جمد بطلب من أحد وزراء الحكومة. كانت قد بلغت الـ 53 من عمرها وكانت في قمة نشاطها الصحفي الذي امتد لثلاثين عاما. ولكنها قُتلت في تلك الرحلة، إذ فجرت عن بعد عبوة ناسفة وزنها نصف كيلوغرام زُرعت تحت مقعد سيارتها.
أكد ماثيو بقوله: احتفل مؤيدو الحكومة بعملية الاغتيال علنا، وهو أمر ذكرني بأولئك الذين فرحوا باغتيال الصحفي التركي الأرمني هرانت دينك. وألمح آخرون إلى أني قد دبرت العملية، أو أن أمي خاطرت برضا بحياتها، وهو الاتهام نفسه الذي وجه الى الصحفي الأمريكي،جيمس فولي، الذي خطف وقتل في سوريا.
وأوضح ماثيو أن "الانتشار الحر للمعلومات والآراء، الذي يقع في صلب عمل الصحفيين، يخلق مجتمعات أكثر عدلا وحرية. وهذا ما قاله شقيقي أمام تجمع لديبلوماسيين أوروبيين بعد اغتيال والدتي بفترة قصيرة وعندما كنا ما زلنا في فترة التأبين.وقال "إنه يخلق مجتمعات أكثر ثراء ومرونة، أو بعبارة أخرى، مجتمعات تستحق أن يعيش المرء فيها".
استكمل: بعد اغتيال والدتنا، كان عزاؤنا الوحيد هو الدعم والمساندة والحزن الذي شعرنا به من شتى الناس. كان ذلك مفاجئا لي، وذكرني بقول لأحد الأصدقاء "الناس الجيدون موجودون في كل مكان. ما عليك إلا أن تبحث عنهم". إن الرغبة في العيش في مجتمع حر ومنفتح، مجتمع يطبق فيه القانون على الجميع دون تمييز وتُحترم فيه حقوق الانسان، هي رغبة انسانية جامعة. ولكن ككثير من الرغبات تشهد هذه الرغبة مدا وجزرا بين الفينة والأخرى. ولكن، وفي كثير من الأحيان، نستدرك بعد فوات الأوان أن الناس السيئين القليلين سيبقون معنا مثل الأمراض، ويسعون للسيطرة علينا.
وأشار إلى أن "المهمة التي كرسنا أنفسنا - أنا وأخوتي ووالدي - لها منذ اغتيال والدتي مهمة كبيرة وصعبة، إذ نريد أن نحصل على العدالة بعد مقتلها والعدالة في التحقيق، كما نريد ألا يحصل أمر مشابه في المستقبل. ولا يوجد لدينا إلا القليل من الوقت لأي شيء آخر الآن".
استأنف: "ضمن أسرتنا، نتحدث بين الفينة والأخرى عن انعدام صبرنا من التقاعس والفتور الذي تقابل به قضيتنا، خصوصا من جانب المسؤولين. ونجد صعوبة في الامتناع عن انتقاد كسلهم وعدم مبالاتهم. قال لي أبناء الصحفي التركي، أوغور مومتشو، يوما إنه بعد اغتيال والدهم بعبوة ناسفة، برر مدير الشرطة إخفاق جهازه في منع الجريمة بالقول "لا نتمكن من عمل أي شيء، إذ نُواجه بجدار من الطابوق". وكان رد والدتهم على ذلك القول: "أزيلوا طابوقة ثم أخرى حتى تزيلون الجدار كله". وهذا الذي ما نعمله منذ اغتيال والدتنا".
وقال ماثيو: "كان المبدأ الذي يقودني منذ البداية هو عمل أفضل ما نستطيع عمله مهما كانت النتائج. وأعتقد الآن أن العملية بحد ذاتها لا تقل أهمية عن أهدافها. فنحن نقود تغييرا ثقافيا ونخلق احتراما أكثر لحرية التعبير باسلوب لا يقل بساطة عن إجبار الدولة على القيام بواجبها في توفير العدالة. وانضممنا إلى آخرين يحاولون إزالة مرض "انعدام الحرية"، ويعلمون العالم كيفية احترام حقوق الانسان".
تابع: قال لنا الكاتب، يامين رشيد، قبل 5 أيام فقط من مقتله طعنا خارج بيته في المالديف في عام 2017، "الحرية تبدأ بحرية الضمير". وقال "بدون هذه حرية التفكير الأساسية هذه، ماذا عساك أن تفعله بالحريات الأخرى؟" وكما مع اغتيال والدتي برهن اغتياله على أنه لا احترام لهذه الحريات في بلداننا.
وألمح بقوله: المهمة ليست حكرا علينا، نحن أسر القتلى، للنضال في سبيل هذه الحريات. هذه المسؤولية أالقيت على عاتقنا ولكننا لن نتمكن من تحملها لوحدنا بل نحتاج إلى الناس الجيدين في كل مكان للانضمام الينا.
تابع: هدف الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة هو الدفاع عن أوضاع حرية الصحافة في العالم وتذكر الصحفيين الذين قضوا وهم يؤدون واجبهم.
في العام الماضي، قتل 95 صحفيا وإعلاميا في عمليات اغتيال وتفجيرات وغيرها من الهجمات، حسبما يقول الاتحاد الدولي للصحفيين
أعرف أن هناك المزيد منا. تذكروا أن الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، كان محبوبا من قبل كثيرين في كل مكان. ولكن كان يكفي أن يكرهه شخص واحد ليقتله.
وقال الصحافي الملكوم: وفي كل هذه الاغتيالات، بما فيها اغتيال والدتي، يغيب أي دليل على أن الدول تبذل أي جهود في سبيل مقاضاة المسؤولين عنها. ولذا بدأنا بازالة الطابوقة الأولى: أي بالطلب من مالطا بأن تجري تحقيقا رسميا علنيا للتوصل إلى سبب إخفاقها في منع اغتيال واحدة من أبرز صحفياتها. بعد ذلك، سننتقل إلى طابوقة أخرى.
وختم بقوله: أتمنى كل يوم أنه ما كان لوالدتي أن تضحي بحياتها في سبيل بلدها، وأن تكون عوضا عن ذلك على قيد الحياة. ولكن، وكما قالت الصحفية الآذرية، خديجة اسماعيلوفا، التي وصفت منظمات حقوقية احتجازها بأنه "مروع"، "إذا كنا نحب فعلا، نريد من الذين نحبهم أن يكونوا كما هم". وهكذا كانت دافني، المقاتلة والبطلة. الأمر الذي لن تعرف به أمي أن مقتلها ألهم الآلاف من الأفعال البطولية في مالطا وفي غيرها من البلدان. وأريد أن أعتقد بأن كل هذه الأفعال البطولية قد حمت صحفيين شجعان بطريقة أو بأخرى من المصير الدامي الذي واجهته والدتي.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ
مكتب التحقيقات الفيدرالي يكشف تفاصيل عن محاولة اغتيال باراك أوباما
"الجيش الجمهوري الأيرلندي الجديد" يعترف باغتيال صحافية الأسبوع الماضي
أرسل تعليقك