ينتظر المصريون استحقاقات مهمة ستكون فارقة في مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي، إلا أنَّ الإعلام ينشغل بقضايا "مثيرة" تتدحرج من برنامج على قناة فضائية إلى آخر، ليجد الشارع نفسه أسير جدال غير مجدٍ عن "الجن والجنس والإلحاد".بات "ثالوث الإثارة" يلهي المصريين عن قرب إجراء انتخابات مجلس النواب الذي ستكون له كلمة فصل في اختيار الحكومة المقبلة، فضلًا عن الإعداد للمؤتمر الاقتصادي الذي تعول الدولة عليه لتحسين الوضع الاقتصادي واجتذاب مساعدات واستثمارات أجنبية.
وغابت استعدادات الانتخابات وتجهيزات المؤتمر عن أجندة الإعلام، لمصلحة اهتمام متزايد بالمواضيع المثيرة التي باتت وجبات دائمة على شاشات الفضائيات.
وطفت قضية الإلحاد على سطح الأحداث في مصر، قبل أسابيع، وتسابقت الفضائيات في استضافة أشخاص ملحدين، وتبارت في عقد مناظرات بينهم وبين رجال دين مسلمين ومسيحيين، ظلت تدور حول جدال عقيم تناول قضية الإلحاد بسطحية بعيدًا من أي منطلقات فلسفية أو عمق تحليلي لتلك الظاهرة التي حذر منها شيخ الأزهر أحمد الطيب ودار الإفتاء.
اللافت في الأمر؛ أنَّ الدولة بدت مستعدة للتعاطي مع هذا الجدال العقيم، فشنت السلطات حملة موسعة نالت قدرًا من الرواج الإعلامي لغلق مقهى في وسط القاهرة، أوضحت السلطات أنَّه "مقهى للملحدين"، ما منح وجبات الإثارة مكونًا إضافيًا.
وبالتزامن مع الإلحاد، كانت قضايا جنسية حاضرة بقوة في البرامج الفضائية المصرية، بعد تسريب لفضائح جنسية لأشخاص غير معروفين اعتادوا تصوير علاقاتهم مع نساء واحتفظوا بها في أفلام وجدت طريقها إلى مواقع الإنترنت، لتكون موضوعًا لبحث ونقاش لا جدوى منه في الإعلام حول ما اصطلح على تسميته "العنتيل"، وهو اللفظ الشعبي لوصف الرجل المتعدد العلاقات الجنسية.
وبعدما خفتت إثارة قضايا العلاقات الجنسية لـ"العناتيل" وجد الإعلام ضالته في المثليين، حتى أن برامج فضائية استضافت شبابًا "شواذ" ظلوا يروون كيف ولماذا سلكوا هذا الطريق، ووصل الأمر إلى حد تصوير حمام شعبي ووصفه بأنه "وكر للشواذ" دهمته السلطات وألقت القبض على رواده، في صحبة كاميرا قناة فضائية أشعل "انفرادها" معركة مع منافسين لجأوا إلى مناقشة قضايا المتحولين جنسيًا، واستضافة "الجنس الثالث" لمواكبة "حرب الإثارة".
وبعدما قتلت قضايا الجنس بحثًا، لم تجد الفضائيات المثير في عالم "الإنس"، ما اضطرها إلى اللجوء إلى "الجن" للبحث عن ضالتها، حتى بات "المشعوذون" و"السحرة" نجومًا في الفضائيات، يحاربون "قبائل الجن"، ويقتلون "أمراءهم" على الهواء مباشرة.
ويتنقل هؤلاء من برنامج إلى آخر ليروون بداية علاقتهم بالجن، بعدما خاضوا "معركة استخراج شيطان" من جسد فتاة تتصارع مع شقيقاتها في مشهد أشبه بمباريات الملاكمة.
وعلى رغم أن تلك النوعية من البرامج ليست جديدة على الإعلام، إلا أن اللافت أنها باتت تجد طريقها إلى قنوات تقليدية معروفة برصانتها بعدما كانت حكرًا على قنوات الإثارة.
ومن جانبه؛ أوضح أستاذ الإعلام، صفوت العالم، أنَّ "الإعلام المصري يشهد تحولًا في مجمله، وهناك تنوع في أشكال التحول بعيدًا من المهنية"، مشيرًا إلى أنَّ "هناك قنوات لها توجه سياسي تشهد شططًا في تناولها الأمور السياسية، ودعوة إلى انقسام المجتمع حول قضايا فرعية وتدعم توجهات سابقة على الثورة".
وأضاف أن "قنوات أخرى لجأت إلى مسالك هروبية بعيدًا من السياسة، فتناولت جوانب التابوه واللامساس وقضايا الإثارة والغيبيات التي تجذب الجمهور بغض النظر عن محتواها القيمي والأخلاقي أو فائدتها"، حسبما ذكرت صحيفة "الحياة".
ورأى العالم أنَّ "تلك البرامج تخلق إثارة بتناول العلاقة بين الرجل وزوجته والممارسات المعيبة في العلاقة الزوجية والأمور الاستثنائية في العلاقات الجنسية والمثلية، والجوانب المثيرة عن الجن ومس الشياطين، وللأسف هذه البرامج تجد نوعية من الضيوف ونماذج تمنحها الجانب المثير، لتخلق إثارة وجدلًا يهدر القيم الأخلاقية في المجتمع".
أرسل تعليقك