كفرالشيخ - إسلام عمار
قضت محكمة القضاء الإداري في كفر الشيخ، السبت، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، وعضوية المستشارين عبد الحميد متولي، وزكي الدين حسين، بإلغاء قرار الجهة الإدارية في كفر الشيخ، فيما تضمّنه من إنهاء خدمة المدعية س. ع. ط.، لإنقطاعها عن العمل، بسبب ما تعرضت له من تحرش جنسي، واختطاف، وهتك عرض، مقيّدة في جنايات كفر الشيخ، وما يترتب على ذلك من أثار، أهمها إلزام الجهة الإدارية بتمكينها من تسلّم العمل، ودفع المصروفات.
وبيّنت هيئة المحكمة، في حيثيات القرار، أنَّ "المدعية ظلّت بعد واقعة التحرّش الجنسي، التي أدمت كرامتها، طريحة الفراش، تعاني من الآلام الجسدية والنفسية، وعلى الرغم من ذلك أبلغت جهة عملها بما تعرضت له من اعتداء أثيم، وخطفها من طرف ثلاثة شباب، عند عودتها من عملها، نجم عنه هتك عرضها، وطلبت الجهة الإدارية، من مدير اللجنة الطبية العامة في كفر الشيخ، الكشف عليها، في عنوانها، لأنها لا تقوى على الحركة، إلا أنّه امتنع عن إجراء الكشف الطبي، ما ينفي نيتها نحو هجرها للوظيفة، أو عزوفها عنها، كما خلا الإنذار، الذي وجّهته الإدارة لها، من اتصال عملها، أو استلامها له، ومن ثم يكون فقد ركنًا جوهرياً لصحته، مخالفًا لصحيح حكم القانون".
وأضافت "المدعية قدمت لمحافظ كفر الشيخ طلبًا ترجته فيه أن يمكّنها من العودة لعملها، شارحة له، أنَّ انقطاعها عن عملها، لمدة لم تدم طويلاً، بسبب ما تعرضت له من تحرّش جنسي، واختطاف وهتك عرض، وهو سبب خارج عن إرادتها، وتوسلت إليه في طلبها، لأنها أم تعول طفلين، وليس لها دخل أخر، إلا أنَّ المحافظ، عوضًا عن القيام بدوره المنوط به قانونًا نحو المدعية، قام بالتأشير على طلبها، بعبارة (اتخاذ اللازم طبقًا للقواعد)، متخليًا عن اتّخاذ قرار صريح يكشف عن تصرفه نحو رعاية المرأة، ومتقاعسًا عن أداء دوره، الذي رسمه القانون، وفقًا للمادة 26 من قانون الإدارة المحلية، التي تنصّ على أنَّ المحافظ، باعتباره ممثلاً للسلطة التنفيذية في المحافظة، يكون مسؤولاً عن الأمن والأخلاق والقيم العامة، بالتعاون مع مدير الأمن، في إطار السياسة العامة، التي يضعها وزير الداخلية، كما ألزم القانون المحافظ أن يتّخذ التدابير اللازمة في هذا الشأن، وما من ريب في أنَّ رعاية هذه السيدة، في ضوء ما تعرضت له من تحرش جنسي، واعتداء على شرفها، هو من أكثر التدابير إجلالاً الواجبة عليه، فالدور الحقيقى للمحافظ ليس مجرد مسؤول إداري أو تنفيذي، بل يعد مسؤولاً سياسيًا، باعتباره رمزًا للسلطة في المدينة".
وذكرت المحكمة أنه "تلاحظ لديها أن أجهزة الدولة ومؤسساتها قد أولت ظاهرة التحرش الجنسي، ولم تسلم المدعية منه في الدعوى الماثلة، اهتمامًا بالغًا، لمجرد أن قام رئيس الدولة بمبادرة كريمة واجبة تجاه مواطنة مصرية، إزاء ما تعرضت له من تحرش بشع لمواساتها، وشمولها بالحماية النفسية، في موقف جديد نبيل، لم يتعوده الشعب من رئيسه، بما يحقق اندماجها في المجتمع، دون رواسب سيئة تجعلها ناقمة عليه، وذلك هو الواجب على كل مسؤول في الدولة، فيجب أن تدرك الحكومة أنَّ الشعب المصري قام بثورتين متتاليتين، بغية القضاء على حكم الفرد، الذي كانت تتحرك مؤسسات الدولة فيه بناء على توجيهاته وتعليماته، ويجب أن يجد الشعب ثمار كفاحه، ليحصد عصر المبادرات والقرارات، دونما الاحتماء بتصرفات الرئيس".
وأشارت المحكمة إلى أنَّ "الدعوى الماثلة كشفت عن غياب الدور الإيجابي للمجالس القومية المتخصصة المعنية بشؤون المرأة، كالمجلس القومي للمراة، الذي لم ينضم مع المدعية في كفاحها للزود عن حقوقها، وهي وحيدة فريدة، تارة تواجه العنف من التحرش الجنسي، وتارة أخرى تواجه العنف الوظيفي، عبر طردها من الخدمة".
وأكّدت المحكمة أنها "تهيب برئيس الجمهورية تعديل القرار الجمهوري رقم 50 لعام 2014، بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، الذي استحدث جريمة التحرش الجنسي، عبر إلغاء السلطة التقديرية والجوازية الممنوحة للقاضي، الذي يختار بين الحبس أو الغرامة، لتكون العقوبتين معًا وجوبية، على الرغم من أنَّ الفكر العقابي الحديث يتجه إلى مبدأ تفريد العقوبة، ذلك أنّه بالنظر إلى تلك الجريمة فإن الاختيار بين الحبس أو الغرامة يضعف من الأثر الرادع للعقوبة، ويجب أن يكون الحبس وجوبيًا دون تخيير، إمعانًا في ضبط نشاط المجتمع، وتحقيقًا لأغراض العقوبة".
واختتمت المحكمة قرارها الوثائقي بأنّه "لا يغرب عن البال أنَّ العنف ضد النساء ينطلق من تصور خاطئ لبعض دعاة التشدّد الديني، ممن استخدموا الدين في السياسة والسلطة، من أنَّ المرأة مجرّد حلية، وحرمة، وكائن بيولوجي مثير، ومصدرًا للفتنة والغواية، على سند من القول بأنها في حاجة لمن يرشدها، ويستحكم العقل فيها، حتى لا تكون سببًا في فضح الأسر، وتصورهم أنَّ مشاركتها للرجل يسلبه دوره الحقيقي في الحياة، وهو تصوّر مغلوط، يتجافى مع الفهم الحقيقي للدين، وينال من قدرتها على المشاركة والإنتاج، والمساهمة في إدارة شؤون المجتمع، وهو ما أعاق المرأة كثيرًا في إظهار قدراتها، وإمكاناتها، نحو التقدم والنمو والازدهار، الأمر الذى يلقي عبئًا تنويريًا على مؤسسات الدولة الدينية، بتجديد الخطاب الديني، ليتفق مع وسطية الإسلام، فضلاً عن الدور الجوهري المؤثر للمؤسسات التعليمية والتربويّة والثقافية والفنية، وفي مقدّمتها التلفزيون والسينما والمسرح ووسائل الإعلام، لينهض كل بدوره في استعادة القيم الإسلامية الرفيعة، التي حدد ملامحها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله في خطبة الوداع (واستوصوا بالنساء خيرًا)".
أرسل تعليقك