توقيت القاهرة المحلي 20:21:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وسط غياب مؤسسات حقوق الطفل

أطفال ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - أطفال ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

اطفال سوريين
دمشق ـ لامار اركندي

يتدرج دل سوز في الطريق الذي كان يقتاده قبل عامين مع صديقه وزميل دراسته سعيد في كل صباح ، متوجهين إلى مدرسة الحي الذي يعيش فيه ، في مدينة القامشلي ، ووتر الابتسامة ، تزداد طربًا مع صدى قهقهتهما وهما يتبادلان أحاديثهم التي بقيت متمترسة على جدار ذاكرة دل سوز منذ السنتين وهو يحمل في صباحاته  أكياس الجوارب المتراصة ليكمل وجهته إلى السوق بعيدًا عن شارع مدرسته الابتدائية التي يتوق العودة إلى مقاعدها ، وتعطير أنفاسه برائحة الحبر والكتب.

أطفال ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

يبسط جواربه في مختلف أحجامها وألوانها وأشكالها على بسطته البسيطة على جسر المدينة الكبير ، على نهر الجغجغ ، من الثامنة صباحًا ليعود في التاسعة مساءًا منهكًا من طول يوم مليء بالكد والجهد.

أطفال ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

أجبرت الظروف المعيشية لدل سوز ،  صاحب الـ12 عامًا على ترك حقيبته المدرسية واستبدالها بأكياس الجوارب ، وبيعها في السوق مع أخيه شفان ، لتخفيف عبئ المسؤولية عن كاهل والدهما الموظف في البريد ، وعجز راتبه البالغ 35 ليرة سورية ، أي ما يعادل 80 دولار في سد احتياجات العائلة المؤلفة من سبعة أشخاص ، أربعة أولاد وبنت التي تحتاج لأكثر من 4000 ل س كمعدل يومي لثمن الخضرة.

أطفال ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

مزق الغلاء المعيشي صبر السوريين بعد هبوط الليرة السورية وارتفاع الدولار الذي سجل أعلى ارتفاع ليقابل قيمة الدولار الواحد  بـ 537 أمام الليرة السورية .

أطفال ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

يتحدث دل سوز لـ"مصر اليوم" عن خبرته في بيع الجوارب التي استغرقت اكتسابها وقتًا طويلًا لا سيما أثناء مفاصلته مع تجار الجملة نظرًا لصغر سنه ويقول "اضطر إلى سؤال العديد من التجار حتى أضمن ألا يغشوني في التسعيرة ، وأحقق  مكسبًا لا بأس به ، يتراوح بين 3500 إلى 4000آلاف في اليوم".

أطفال ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية

يتبادل دل سوز مع أخيه شفان البسطة ويتناوبان على إدارتها لا سيما في ساعة الغذاء ، وانتظاره نحو الساعة والربع قبل تسليم البسطة لأخيه بعد عودته من البيت.

ولعل البسطة الممددة على الجسر تكون نعمة أمام اضطرار بكري الذي يبلغ 15 عامًا النازح المقبل من حلب ، وفراره  مع والدته وأخوته الأربعة بعد مقتل والدهما في قصف جوي على حي الفردوس قبل نحو ثلاثة أعوام.

وقال بكري الذي يعمل في بيع المناديل الورقية ، إنه يحلم في كل ليلة بمدرسته التي قصفت ولم يبقى منها إلا الركام ، حيث أن العديد من أطفال الحي وطلاب المدرسة قد لقوا حتفهم والبعض منهم سافر إلى تركيا وأوروبا والبقية نزحوا إلى الأماكن الآمنة في البلاد".

وتجب صعوبة العيش بكري على المشي لساعات طويلة في أسواق وشوارع القامشلي ، بحثًا عن مشتري لبضاعته البسيطة ، لتقوده قداماه المجهدتين بعد انتهاء اليوم المتعب إلى محل بيع الملابس والأحذية المستعملة "الباليه" الذي يعمل فيه أخاه أحمد الأصغر منه ، الذي حالفه الحظ  أكثر من أخيه وعثر على عمل لدى أبو جميل صاحب المحل براتب أسبوعي يقدر بـ3000 ل س .

نسفت الفقر والحرب حلم بكري في أن يصبح لاعب كرة قدم  ، والتي لازمته منذ أعوامه الأولى لدخوله المدرسة كما يقول "عشقي لكرة القدم سيبقى نابضًا في قلبي ، ألازم مشاهدة القنوات الرياضية مساءًا بعد عودتي من العمل علها تطفأ رمق شوقي للعب".

وتابع بكري "ظروفي أجبرتني أن أحل محل والدي في حمل مسؤولية عائلتي وحفظ كرامتهم بعد أن خسرنا معيلنا ، و بيتنا وسيارتنا في حلب ، لم أعد أشعر بطعم الفرح والابتسامة لن ترتسم على وجهي الذي فارق تفاصيله ربيع الحياة بعد أن فقدنا كل شيء".

قرابة 630 ألف طفل يعملون ضمن شروط غير إنسانية، ليشكلوا ما نسبته 3% من إجمالي قوة العمل السورية ، وفقًا للدراسة التي أعدها المكتب المركزي للإحصاء بالتعاون مع جامعة دمشق ومعهد "فافو" النرويجي ومكتب اليونيسيف في دمشق، أشارت إلى أن عدد الأطفال العاملين في سورية من الفئة العمرية 10 -17 عامًا ، يقدر بنحو 621 ألف طفل ليشكل هذا الرقم 17.8 % من إجمالي عدد الأطفال في هذه الفئة العمرية في سورية .

وحذر محمد علي عثمان ، أخصائي الصحة النفسية و التنمية البشرية ، من الآثار النفسية والجسدية للفقر والحرب على الأطفال  مشيرًا إلى تعرض الطفل الذي يعمل في سن مبكرة لأخطار جمة تنتج عنها آثار جسدية ونفسية نتيجة ظروف العمل غير الآمنة و الضغوط والاستغلال والعنف بشتى أشكاله الجسدي، المعنوي والجنسي ، مما يؤثر سلبًا على مشاعره وعواطفه محدثة سلوكيات اجتماعية وأخلاقية جديدة تغدو بفعل الكم مكونًا أساسيًا من مكونات عملية التنشئة الاجتماعية لدى الطفل مترافقة مع اكتسابه عادات سيئة كالتدخين ولعب القمار والسرقة والجنوح وغيرها من الآفات غير الحميدة ".

وأوضح عثمان في تصريحات لـ"مصر اليوم" أن الواقع الذي تعبشه البلاد وظروف الحرب أجبرت الأسر السورية ذوي الدخل المحدود إلى تشغيل أطفالها لتحسين وضعها المادي وتأمين مصادر دخل إضافية مضحية بصحته ونموه وبراءته ، ومعرضة إياه لصنوف شتى من العنف لدرجة الاعتداء و التحرش الجنسي .

وقال الأخصائي النفسي "نظرًا لقلة دخل الأب قد تضطر الأم البحث عن فرصة عمل هي أيضًا ، وتترك أطفالها بمفردهم دون رعاية وغالبًا تكون معيشتهم ، في فترة غيابها في الشارع ، وبالتالي يصبح هؤلاء الأطفال فريسة سهلة للانحراف".

وشدد عثمان على حتمية الحذر من خطورة عمل الأطفال في البيئات الزراعية والحيوانية وتعرضهم  للإصابة في العديد من الأمراض كالبلهارسيا، والآثار الضارة الناجمة عن تعرضهم للمبيدات الحشرية .

ونوه إن العمل في مجالات التصنيع والورش يكون دائمًا مرتبطًا باستخدام مواد متعددة الأحماض والقلويات والمذيبات العضوية والمنظفات ومواد الصباغة والدباغة ، وما ينتج عن هذه المواد من التهابات جلدية وحروق وأمراض عضوية أخرى، خاصة بالنسبة للدم والجهاز العصبي والجهاز الدوري .

ومع تفاقم الأزمة وعجز المنظمات الدولية المعنية في إنقاذ الطفولة ، يبقى الأمل معولًا على الجهود الفردية التي قد يحظى بها 1 من 1000 وكان سردار ممن سخى القدر بكراماته عليه ليكون ضمن المجموعة الصغيرة المؤلفة من 40 طالبًا من اليتامى والفقراء ، لينال نصيبه من المبادرة التي تبناها بعض أساتذتهم وبعض الخيرين ممن هاجروا إلى أوربا من أبناء مدينة القامشلي وبقائهم على تواصل مع بعض طلابهم الذين جمعتهم مع غيرهم من الطلبة الآخرين ليكونوا ممن نجوا من الضياع وكتب لمستقبلهم أن يكون مشرقًا .

وأضاف سردار لـ"مصر اليوم" : "استاذي الذي هاجر إلى ألمانيا قبل الأربعة أعوام ، بقى متواصلًا معي وتكفل هو ومجموعة من زملائه وأصدقائه في أوربا وبعضهم ممن في القامشلي تحمل مصاريف دراستنا نحن الطلاب الذي بلغ عددنا الأربعين ، واتمامنا لدراستنا على نفقتهم الشخصية حتى تخرجنا منن الجامعة".

ويتلقى سردار الدعم المادي السنوي من المبادرة منذ الثلاثة أعوام ويخصص له كغيره من الطلاب من مختلف المراحل الدراسية ، مبلغًا سنويا قدره 500 دولار شرط بقائه محافظًا على تفوقه الدراسي .

وتكفل المبادرة إبعاده عن مستقبل معتم ومصير مجهول قد يواجه نظرائه ممن في عمره ، في بلد نحر الدمار آمال المغيبين في الداخل والخارج ، ممن تلونت أحلامهم بالدم ، ليكون النصيب الأكبر من الخوف على ملائكة الأرض براعم غد محفوف بالألم ومبتور الأمل ، بعد أن حفرت الحروب طريقها إلى معظم البلاد العربية وتسببت حسب إحصائية اليونيسف بإصابة 4.5 مليون بالإعاقة ، وشردت 12 مليون وعرَّضت 10 ملايين للاكتئاب والصدمات النفسية، والصدارة فيها كانت لدول العرب .

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أطفال ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية أطفال ينحرهم الفقر والدمار نتيجة القصف في سورية



GMT 21:19 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير هاري يكشف سراً عن طفليه وما ورثاه من ميغان ماركل

GMT 21:30 2024 الإثنين ,22 تموز / يوليو

بيلوسي تعلن دعمها لترشيح كامالا هاريس للرئاسة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 23:48 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
  مصر اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 14:12 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
  مصر اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 10:00 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة الفنان المصري عادل الفار داخل أحد مستشفيات القاهرة

GMT 09:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 13:08 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نيمار يشتري بنتهاوس بـ 200 مليون درهم في دبي

GMT 13:16 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها بالسعودية

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 07:27 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

هند صبري بإطلالة أنثوية وعصرية في فستان وردي أنيق

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 08:26 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 25 نوفمبر /تشرين الثاني 2024

GMT 17:22 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 07:38 2022 الخميس ,20 كانون الثاني / يناير

أشرف بن شرقي يقترب من الرحيل عن الزمالك

GMT 19:01 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كارثة في منزل رانيا فريد شوقي بسبب الأمطار

GMT 13:06 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

"Ferdinand" يُحقّق 13 مليون دولار خلال 48 ساعة

GMT 02:04 2017 الأحد ,12 شباط / فبراير

إبرام يكشف أن مسرح مصر أعطاه شهرة كبيرة

GMT 22:54 2013 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

تأجيل زفاف ابنة أميرة موناكو والمغربي جاد المالح

GMT 08:15 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29 تشرين الثاني / أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon