توقيت القاهرة المحلي 08:21:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اعتبار توليها الحكم ضمانة لغدٍ مُشرق يُعد "أوهامًا"

تولي المرأة للمناصب القيادية بين "الوهم" والحقيقة

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - تولي المرأة للمناصب القيادية بين الوهم والحقيقة

مشاركة المرأة في العمل السياسي
واشنطن - مصر اليوم

يزداد التحاق النساء يوماً بعد يوم بالعمل السياسيّ، ولم يعد مستهجناً ولا مستغرباً أن تجد منهنّ رئيسات وزراء، ونائبات مشرّعات، ورئيسات بلديّات، وقائدات أحزاب سياسيّة، بل ووزيرات دفاع وخارجيّة، ليس في الغرب فحسب، بل في كثير من دول العالم الثالث. وفي الدّولة الأعظم، فإن قائمة الترشيح لخوض الانتخابات الرئاسيّة المقبلة، في مواجهة الرئيس دونالد ترامب، تضم عّدة نساء، بعد أن كانت الوزيرة هيلاري كلينتون منافسة جادة له في الصراع على الوصول إلى البيت الأبيض بالدورة السابقة.

وتَنْظر بعض الناشطات النسويّات بعين الرضا الشديد إلى هذي الظاهرة، معتبرات أن زيادة نسبة النساء في أجهزة الحكم والسلطة مدعاة للتفاؤل بمستقبل أفضل للبشريّة عموماً، بزعم قدرتهن المميزّة على بناء العلاقات والتفاوض الفعال، وميلهن كأمهات وزوجات وحبيبات إلى السلم وتجنّب الصراعات، أقلّه مقارنة برفاقهن الرجال الذين ينزعون بحكم طبيعتهم إلى المنافسة، والسعي لاكتساب النفوذ وممارسة الهيمنة، مما يجعلهم أقرب إلى التورط بالحروب والأنشطة العدوانيّة. وقد استعيدت هذه الفكرة إلى ساحة الجدل بين المثقفين مؤخراً، إثر تولي سيّدة منصب وزير دفاع المملكة المتحدة، ومن ثمّ الأداء الهزيل لرئيسة الوزراء فيها على نحو دفعها بالنتيجة إلى الاستقالة من منصبها، مما أثار مخاوف أن يستبدل بهما رجال قد ينحون في ظلّ تصاعد الشعوبيات عبر أوروبا برمتها إلى لعب أدوار صقوريّة في فضاءات السياسة الدوليّة.

وكان الكاتب الأميركي المعروف فرانسيس فوكوياما من أوائل الذين صبّوا الزيت على النار، عندما نشر مقالته الشهيرة «النساء وتطور سياسة العالم»، عدد سبتمبر (أيلول) - أكتوبر (تشرين الأول) 1998، في مجلة «فورين أفيرز» الواسعة التأثير بأوساط النخب الأميركية، التي اعتبر فيها أن طبيعة البشر تجعل من النساء أقدر في العمل السياسي على بناء السلم والتفاهم، بينما يحتاج الرجال بحكم تكوينهم إلى المنافسة والصراع، وبناء هيكليات للقوة والهيمنة، ومضى إلى درجة الدعوة لتسليم النساء مناصب أكثر لإدارة العلاقات الداخليّة بين الولايات والإدارات المختلفة، على أن تترك المناصب التي تتعامل مع الشؤون الخارجية إلى الرجال، بوصفهم الأقدر على مواجهة أعداء الإمبراطورية بالقوة الحاسمة والعنف، إن تطلب الأمر ذلك.

اقرأ أيضأ:

تظاهرات نسائية في سويسرا للمطالبة بالمساواة في الأجور

فوكوياما، المعروف بقراءاته المتطرفة للظواهر الاجتماعية، بداية من نظريته الأثيرة في نهاية التاريخ، وانتهاء بتحليله الملتبس لمسألة الهويات، كان قد غرف في مقالته من دراسات كثيرة حول قرود الشمبانزي التي قام بها عدة خبراء مشهورين، والتي تظهر الفروق الجندريّة ذاتها في السلوك السياسي بين الإناث والذكور، لا سيما أن هذه الفصيلة من الثدييات هي الوحيدة تقريباً (إلى جانب البشر) القادرة على تنفيذ أعمال عنف وقتل واسعة ضد المنافسين من النوع ذاته. وهو قد استبق الانتقادات بذكر مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة التي شنت حروباً عبر البحار، ومارست قمعاً عنيفاً بحق مواطنيها، بوصفها استثناء يؤكد القاعدة، وأنها في الحقيقة تجاوزت طبيعتها كأنثى، وتقمصت أطباع الرجال، لتهزمهم في ملعبهم ولعبتهم الأثيرة.

بالطبع، فإن تحليلات فوكوياما - كما تفاؤل الناشطات النسويات - تبدو لدى مقابلتها بأحدث الأبحاث العلمية المتوفرة بهذا الشأن وكأنها أقرب للكسل الفكري والتمنيات أكثر منها معطيات يعتمد عليها في اتخاذ مواقف أو الوصول إلى استنتاجات يمكن الركون إليها لصوغ السياسات. فالتاريخ القريب وحده حافلٌ بأمثلة أخرى كثيرة عن تورط النساء الحاكمات في حروب وصراعات عنفية مسلحة، حيث تسجلّ ماري كابريولي، البروفسورة بجامعة مينيسوتا، عشرة كبرى منها في القرن العشرين، أدارتها أربعة من النساء، وعلى رأسهن غولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل (1969 - 1974). هذا رغم تمثيلهن النسبي المحدود داخل كوادر الحكم والسلطة. وإذا وسعنا مروحة المطالعة التاريخية، فسنجد أن تلك السلوكيات العُنفية لدى نساء السلطة، التي لا تكاد تختلف عن سلوكيات الرجال، ليست مقتصرة على نساء مرحلة الحداثة، بل هي نموذج سائد أيضاً في تاريخ العائلات الأوروبية الحاكمة خلال العصور الوسطى. 

وتشير دراسة للبروفسور أوينديلرا ديوب، من جامعة شيكاغو، غطت حكم 193 ملكاً وملكة حكموا في أوروبا بين الأعوام 1480 و1913، إلى أن الملكات - وهنّ أقل من خمس العدد الكلّي للعينة موضع الدراسة - كنّ أكثر ميلاً بنسبة الثلث تقريباً لشن الحروب، وتزداد تلك النسبة بين النساء غير المتزوجات تحديداً اللائي ربما خشين من تصورهن هشات ضعيفات في نظر قيادات الدول الأخرى. لكنّ التعميمات لا تنفع أيضاً، إذ إن إيزابيلا ملكة ليون وقشتالة التي حكمت مع زوجها فرديناند الخامس سفكت من دماء البشر، وتسببت بآلام ومارست سياسات عنفية، لا تقلّ بدرجة عن مآثر هتلر أو ستالين أو شارون الدموية في القرن العشرين. ولذا فإن عالمة أنثروبولوجيا مرموقة مثل الدكتورة كاثرين بانتر - بريك، من جامعة ييل، ترى أن مسألة تولّي القيادة - وممارسة العنف المرتبط بها - مسألة معقدة، وأن تسطيح الأمور جندرياً سيجعل أحكامنا مبنيّة على أساس من التنميطات والأحكام المسبّقة التي لا أساس لها في التاريخ ولا البيولوجيا.

ولعل أفضل توصيف علمي - وفق دراسة التاريخ المدوّن - لعلائق النساء بالسلطة هو أنهن قادرات عموماً، وربما حتى أكثر شراسة من رفاقهن الرجال باتخاذ المواقف الحاسمة، سواء في مواجهة العنف وخوض الصراعات أو التفاوض لتحقيق السلام ووقف الاقتتال. ولذا فإن النسوية الرائدة جين بيثكي إليشتين كانت عالية الصوت بمواجهة رفيقاتها الحالمات بمجاهرتها بـ«أن ذلك الفصل التقليدي المزعوم بين الرجال بوصفهم مقاتلين بطبعهم ميالين إلى الحروب والنساء بوصفهن أرواحاً جميلة توّاقة للسلام أمر لا سند له من الواقع، عندما تشن النساء القائدات الحروب، ويدفع أثمانها القاسية الرجال».

ورغم أن ثمة عدد قليل من النسويات اللائي ما يزلن يعتقدن أن الفروق الجندريّة متأتية من التكوين الطبيعي للبشر، فإنّ أغلبيتهن الساحقة يشتركن اليوم - كما التيار الغالب في العلم الحديث - بفكرة أن النساء والرجال يولدون متطابقين سيكولوجياً، وإن اختلاف السلوكيات، لا سيما اللجوء إلى العنف، هو نتيجة معمار اجتماعي متراكم يشكل وعي الأفراد في إطار الثقافة المجتمعية السائدة.

 ولعل ذلك يسمح لنا بفهم أفضل لمسائل السياسة والعلاقات الدولية، بدلاً من التمرغ بأوحال التنميطات الفوكوياميّة الطابع، نسبة إلى فوكوياما إن جاز التعبير. فالسيّدة الحسناء بيني موردونت التي تتولى منصب وزيرة دفاع الحكومة البريطانية الحالية معروف عنها نزعتها إلى دعم استخدام العنف في إدارة العلاقات الدولية، وهي كثيراً ما جاهدت بينما كانت تمسك بمهام منصبها السابق، وزيرة للتعاون والعلاقات الدوليّة، لتقليص ميزانيّة وزارتها لمصلحة بند التسليح في ميزانيّة زميلها وزير الدفاع السابق. كما أن رئيستها - المُستقيلة تيريزا ماي - التي تبجحت خلال خطاب استقالتها بأنها ثانية رئيسة أنثى للوزراء ولن تكون الأخيرة قدمت نموذجاً لا يدانيه الرجال في العناد والتنافس وعدم القدرة على التفاوض خلال ثلاث سنوات عجاف متتالية، وأسقطت واحدة من دول العالم الكبرى في قلب أزمة سياسية خانقة لا يعرف أحد إلى الآن طريقاً آمناً للخروج منها.

قد نكون بحاجة إلى مزيد من النساء في كل مواقع القيادة والسلطة، فذلك يكفل توازن اتخاذ القرارات التي تنسحب آثارها بالمحصلة تساوياً بين النساء والرجال. أما مسألة أنهن عند توليهن الحكم ضمانة لغدٍ أكثر إشراقاً، فتلك أوهام من طراز «نهاية التاريخ»، قد تبيع كتباً كثيرة لكنها لا تصلح لإحلال السلام على هذا الكوكب

وقد يهمك أيضًا:

بحث جديد يكشف رغبة النساء الأفريقيات في تحقيق استقلالهن المالي

القضاء الأرجنتيني يُعاقب مذيع راديو بإلزامه استضافة ناشطات نسويات

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تولي المرأة للمناصب القيادية بين الوهم والحقيقة تولي المرأة للمناصب القيادية بين الوهم والحقيقة



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب

GMT 11:48 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

هاشتاج أمينة خليل يشعل مواقع التواصل الاجتماعي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon