أدرك "أندرو هَنتر" - وهو منهمكٌ في إدارة نشاطه التجاري الذي كان لا يزال ناشئًا وقتذاك - أن ثمة ما يسوء بشأن حالته الصحية.
وفوجىء الرجل الذي شارك في ذلك الوقت في تأسيس موقع "أدزونا" الإلكتروني للبحث عن وظائف؛ أنه بدأ في فقدان الوزن بسرعة كبيرة، كما أصابه سعالٌ لم يفارقه.
كان ذلك منذ ثلاث سنواتٍ تحديدًا حينها، أدرك الشاب الذي لم يكن عمره قد تجاوز آنذاك 33 عامًا، أنه يجدر به الخضوع لفحصٍ طبيٍ.
ويروي هَنتر ما حدث حينذاك بالقول: "خضعت لفحصٍ بالأشعة السينية، وكذلك فحصٍ للجسم كله، وكان السرطان في كل مكانٍ.. بوسعي القول بالتأكيد، أن اليوم الذي شُخِصَتْ فيه إصابتي (بهذا المرض) هو الأسوأ في حياتي".
و قال الأطباء لهذا الشاب إنه مُصابٌ بـ"داء هودجكن"، وهو نوعٌ من الأورام الليمفاوية الخبيثة ينتشر في خلايا الدم ويمكن أن يكون مُميتاً.
ويصف هَنتر إحساسه وقتذاك بالقول: "كان الأمر سرياليًا للغاية, ففي لحظةٍ ما كنت قلقاً بشأن مشكلةٍ فنيةٍ (تتعلق بالعمل) وفي اليوم التالي، بِتُ أقبع في المستشفى وأتلقى العلاج".
اضطر مونرو، إلى اليمين، للتكيف مع حقيقة اضطلاعه بمهام العمل بمفرده من دون وجود هَنتر صديقه وشريكه في تأسيس المشروع
وجاءت محنة الرجل بعد سنواتٍ قليلة من تدشينه موقع "أدزونا" في لندن 2011، بالتعاون مع "دوغ مونرو" شريكه في العمل، وإدارة المشروع.
و فكر الاثنان في إنشاء موقعٍ إلكترونيٍ يمشط العاملون فيه شبكة الإنترنت، لجمع أكبر عددٍ ممكنٍ من إعلانات التوظيف المنشورة عليها، ثم إتاحة الفرصة للباحثين عن عملٍ، للعثور على تلك الإعلانات من خلال موقع "أدزونا".
ويقول أندرو هَنتر - وهو الآن في السادسة والثلاثين من عمره- إنه أدرك أن سوق العمل لم يكن يوفر في ذلك الوقت خدماتٍ كافيةٍ أو جيدةٍ للباحثين عن فرص توظيف، فـ"الوظائف كانت متناثرةً على مواقع التوظيف الإلكترونية، ومواقع شركات التوظيف"، ومواقع الإنترنت الخاصة بالشركات التي تتوافر فيها فرص عمل كذلك.
ويضيف بالقول "أردنا ابتكار وسيلة يمكن لك بواسطتها أن تبحث عن كل الوظائف في مكانٍ واحد".
و ترك هَنتر عمله في موقعٍ للبحث عن الشركات والأنشطة الاقتصادية المختلفة على شبكة الإنترنت، وهو ما فعله "مونرو" الذي كان يعمل بدوره في موقعٍ إلكترونيٍ متخصصٍ في العقارات.
ووظف الاثنان مطور برامج لمساعدتهما على إنشاء الموقع الخاص بهما.
وبمجرد أن اطمأنا إلى أن الموقع يعمل بكفاءةٍ كافيةٍ؛ شرعا في توسيع نشاطه عبر تأمين ما يُعرف بـ"رأس المال المُجازف".
ويتم الحصول على هذا النوع من التمويل من قبل المستثمرين في فئةٍ من سندات الأسهم تُستخدم عادةً لزيادة أنشطة الشركات الصغيرة في مرحلةٍ مبكرة من مسيرتها.
انخرط العاملون في "أدزونا" في العديد من الفعاليات والأنشطة لجمع أموال لصالح جمعية "أبحاث السرطان في المملكة المتحدة"، وشمل ذلك الطواف في مختلف أنحاء لندن على متن المركبة "بيدي باص"
نالت الشركة الناشئة بعد عامين دفعةً لا يُستهان بها، عندما فازت بعقد طرحته الحكومة البريطانية لتطوير تطبيقٍ يعمل على جهازٍ لوحيٍ من إنتاج شركة "آبل" أو "آي باد".
وكان الهدف من وراء هذا التطبيق، منح رئيس الوزراء وقتذاك دافيد كاميرون - أولاً بأول - أحدث البيانات والأرقام المتعلقة بسوقيْ العمل والتوظيف. كما قدم التطبيق لكاميرون معلومات بشأن اتجاهات الرواتب، وبيانات اقتصادية أخرى.
ومع توسع الموقع في خارج بريطانيا، بدا أن الشركة تحقق تقدمًا سلسًا لا تعترضه أي عوائق، حتى جاءت اللحظة التي شُخِصت فيها إصابة "أندرو هَنتر" بالسرطان في العام 2015.
و اضطر الرجل فور حدوث ذلك إلى التخلي عن جانبٍ كبيرٍ من الأدوار القيادية التي كان يلعبها في الشركة، بعدما بدأ الأطباء في علاجه من مرضه. وكان ذلك يعني أن شريكه "مونرو" لم يضطر فقط للتعامل مع خبر إصابة صديقه بمرضٍ خطير، بل بات عليه أيضاً أن يقود الشركة بمفرده.
ويقول "دوغ مونرو" - البالغ من العمر 43 عامًا - إنه يعتقد أنه ذرف الدموع وهو يبلغ العاملين في الشركة بنبأ مرض شريكه، واصفًا تلك اللحظات بأنها "كانت عصيبةً".
وأضاف بالقول "لكن كانت لديّ شركةٌ يتعين عليّ تولي أمورها، عبر إبلاغ حملة الأسهم وأعضاء مجلس الإدارة بالأخبار" الخاصة بمرض أحد المؤسسيْن.
واستطرد مونرو: "بطبيعة الحال، بدأت اتقمص تدريجيًا شخصية البطل (المُضحي).. مُحاولًا القيام بكل ما كنا نتولاه أنا وهَنتر معاً، ولكنني أدركت عندئذٍ أنه يتعين عليّ تفويض (بعض) اختصاصاتي، وأن على بعض أعضاء الفريق الاضطلاع بمسؤولياتٍ بدورهم".
و اعتقد مونرو والعاملون معه في الموقع - والذين كان عددهم لا يتجاوز 32 شخصًا وقتذاك - أن غياب المُؤسِس المُشارك للشركة الاضطراري بسبب المرض، لن يستمر سوى بضعة أشهر، لكن كان للحالة الصحية لهذا الرجل رأيٌ آخر.
و يقول هَنتر نفسه: رفض جسدي الاستجابة لكل أنواع العلاج الكيمياوي الذي أُعطي لي.. كان الأمر بمثابة كارثة في كل مرة".
ولإبداء مساندتهم للرجل، بدأ العاملون في "أدزونا" جمع أموال لصالح جمعية "أبحاث السرطان في المملكة المتحدة"، عبر تنظيم فعالياتٍ من بينها مسيرةٌ - رعتها بعض الشركات والمؤسسات - ومشى المشاركون فيها لمسافة 100 كيلومتر (62 ميلاً).
و قال الأطباء لهَنتر إن عقار "نيفولوماب"، هو الوحيد القادر على مواجهة مرضه بنجاح, لكن لسوء حظه لم يكن هذا العقار من ضمن العقاقير التي توفرها هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" في المملكة المتحدة.
ولكي يوفر هَنتر"بنفسه الأموال اللازمة لشراء العقار - الذي كان يكلف مُشتريه 4000 جنيه إسترليني (5303 دولارات أميركية) للحصول على كميةٍ تكفي ثلاثة أسابيع - سأل الرجل المساهمين في شركته، ما إذا كان بمقدورهم شراء جانبٍ من حصته من الأسهم، وهو ما وافقوا عليه.
وعلّق هو على ذلك بالقول فيما بعد "لقد أنقذوا حياتي.. ساعد العقار على انكماش الأورام التي كانت لديّ، بما يكفي لتمكيني من الخضوع لعملية زراعة خلايا جذعية".
وفي أواخر عام 2016، أُجريت العملية لـ"أندرو هَنتر" بعد العثور على متبرعٍ يتوافق معه في الأنسجة، وذلك عبر ما يُعرف بـ"شبكة أنتوني نولان لعمليات التبرع". وقدم له هذا الشخص بعض الخلايا الجذعية، وهي خلايا خاصةٌ ينتجها نخاع العظام، ويمكنها التحول إلى أنواعٍ مختلفة من خلايا الدم.
ولأنه ظل من دون جهاز مناعة لمدة 30 يوماً، قضى هَنتر أعياد الميلاد لذلك العام في فقاعةٍ مُعقمة، قبل أن يبدأ جهازه المناعي في العمل من جديد.
وأصبح "أندور هَنتر" في حالةٍ صحية تُمَكِّنُهُ من العودة إلى العمل، ليجد أن العامين اللذين قضاهما بعيداً عن الشركة، شهدا توسعها بشكلٍ كبير، خاصةً فيما يتعلق بمد نشاطها إلى أسواقٍ خارجية.
و يقول "دوغ مونرو": "قبل أن يبدأ هَنتر رحلة علاجه، كان ثلث نشاطنا يجري ربما على الساحة الدولية مُحاولين اقتحام السوق، وعندما عاد كان نحو ثلثيْ النشاط يجري على الصعيد الدولي".
وأبدى هنتر نفسه سعادته بالعودة إلى فريق عملٍ "أكثر اكتمالًا، ولرؤية التغيرات" التي تطرأ على مجال عمل الشركة.
وتعمل الشركة المالكة لموقع "أدزونا" حالياً في 16 دولة، ولديها نحو سبعة ملايين مستخدم مُسجل. وقد زاد رقم الأعمال السنوي لها إلى 12 مليون جنيه استرليني (نحو 16 مليون دولار)، وهو إجمالي الأموال نفسه الذي تستثمره فيها حالياً ما يُعرف بـ"شركات رأس المال المُخاطر أو الجريء".
و زاد عدد العاملين في "أدزونا" بواقع الضعف عما كان عليه في وقت تشخيص إصابة "هَنتر" بالمرض، ليصل الآن إلى 60 شخصاً.
وتحصل الشركة على الجانب الأكبر من عائداتها من شركاتٍ تُعلن عن الوظائف الشاغرة لديها على الموقع، وكذلك من الرسوم التي تُحَصِّلُها من شركاتٍ أخرى، في كل مرة تُوجه فيها الباحثين عن العمل، إلى المواقع الإلكترونية لتلك الشركات.
وقبل شهورٍ قليلةٍ، فازت "أدزونا" بعقدٍ آخر، لتوفير نظام بحثٍ جديدٍ لموقع التوظيف التابع لـ"جوب سنتر" - وهي هيئة شبه حكومية تتولى دعم خدمات التوظيف في بريطانيا نيابةً عن الحكومة - وكذلك لأجهزة الكمبيوتر التي تستخدمها الهيئة.
ولايزال هَنتر يتبع تعليمات الطبيب، بأن يحاول أن يتجنب إرهاق نفسه في العمل، ولذا فهو لا يذهب إلى الشركة سوى في ثلاثة أيامٍ أسبوعيًا.
ويقول الرجل إنه "يتولى العمل في مشروعاتٍ خاصةٍ، بدلاً من تولي المسؤولية عن شيء واحدٍ بعينه"، مُردفاً بالقول: "لكن من اللطيف أن يعود المرء في النهاية".
ويمضي "هَنتر" قائلًا إن اجتياز محنة الإصابة بالسرطان، تحدو بالمرء بالطبع إلى تحديد أهمية الأشياء وأولوياتها بالنسبة له وكذلك "النظر إلى الحياة بشكلٍ مختلفٍ تماماً.. فلم أعد اكترث بالأشياء البسيطة، التي كانت تزعجني في المعتاد، كأن أعلق (بسيارتي) وسط تكدسٍ مروريٍ".
و بات جسده الآن خاليًا من الخلايا السرطانية بشكل كامل. وينتظر وزوجته في الوقت الحالي مولودهما الأول، وهو أمرٌ كان الأطباء قد قالوا لهما إنه ربما سيكون مستحيلًا بسبب العلاج الذي خضع له خلال فترة المرض.
أرسل تعليقك