لم تكن حرب أكتوبر عادية، خاصة على أبناء محافظة السويس، فشاركوا فيها بكل الطرق، وكان الفدائيون أبرز ما يميز المدينة, حيث تطوعوا في "منظمة سيناء العربية"، والتى ظل التدريب فيها متواصلاً على العمليات الفدائية، حتى تمت تصفية المتقدمين، من 150 شخصًا، إلى 40 فدائيًا نتيجة التدريب الشاق، من بينهم الفدائي عبد المنعم قناوي، حيث قام بتنفيذ عمليات نهارية على أهداف متحركة، أولها سنة 1969، أثناء "حرب الاستنزاف"، ورفع وقتها العلم المصرى، لأول مرة بعد الاحتلال، فوق سيناء.
"صقر السويس"، هكذا كانوا يلقبونه، بعد مشاركته فى إنقاذ مقر قيادة "الجيش الثالث" من كارثة تدميره، بعد حادث "ثغرة الدفرسوار"، حيث رشحه البطل محمود عواد، قائد مجموعة "منظمة سيناء"، للقيام بالمهمة، بعد أن طلب منه المقدم فتحي عباس، قائد المخابرات العسكرية، أن يرشح له احد أفراد المجموعة، للقيام بمهمة فدائية سرية خاصة، داخل سيناء، وبدون سلاح.
وحول هذه الملحمة التاريخية، قال "قناوي": "المهمة كانت استطلاع تحركات العدو بدقة، وعلى الفور قمت بحمل معداتي، وآلة التصوير، وجهاز اللاسلكي، الذي كنت استخدمه لبث الرسائل، بعد سماع النداء المتفق عليه من إذاعة صوت العرب، عقب كل نشرة، وخرجت بصحبة دليل أعرابي، يساعدنى فى جمع معلومات عن مدينة السويس. وداخل دروب جبل "عتاقة"، تمكنا من اكتشاف موقع إسرائيلي سري، يوجد فيه أربعة جنود، يرصدون مقر الجيش الثالث، وقمت بتصوير الموقع، وقدمت الأفلام للقيادة، في مقر "الجيش الثالث".
وأضاف أن البداية كانت عام 1967، حينما كان أهالي السويس يزينون مركبات الجنود بالزعف والزهور، ويوزعون الشربات والمشروبات الباردة، أثناء توجههم لسيناء، لإلقاء العدو في البحر، حتى جاء خبر النكسة، فتوجه شباب السويس على مراكب ولنشات، لانتشال الجنود والمصابين، العائدين من سيناء، والعودة بهم إلى السويس وتقديم الإسعافات لهم. وكان أهالي السويس يسمعون العدو يوجه السباب والشتائم للمصريين، عبر مكبرات الصوت، مما دفع بعض شباب المحافظة لفكرة الانتقام، فتوجهوا إلى مقر منظمة "فتح" في القاهرة، للتعاون معهم ضد المحتل الإسرائيلي، وبدأ شباب السويس، وبينهم "القناوي"، التعاون مع منظمة "فتح"، حتى علمت المخابرات المصرية، وبعد تحقيق، أنشأت المخابرات "منظمة سيناء" المقاومة، والتي ضمت شبابًا، لتوجيه ضربات للعدو، خلال "حرب الاستنزاف"، وحتى وقف إطلاق النار، وكان دور شباب المقاومة في منطمة سيناء إزعاج العدو، بقطع أسلاك الاتصال، ووضع الألغام، وتدمير معسكرات الذخيرة.
وقبل حرب أكتوبر / تشرين الأول، كانت المخابرات ترسل مندوبين لها في سيناء، لمراقبة العدو وتحركاته، وكان من بين هولاء عبد المنعم قناوي، حيث تم الدفع به، في 14 سبتمبر / أيلول 1973، مع دليل من العرب، إلى مدخل ممر "متلا"، وهو منطقة استراتيجية في سيناء، لرصد تحركات العدو، وتكوين خريطة كاملة لأماكن العدو في سيناء، تستفيد منها المخابرات المصرية، والتي يرسل لها لمعلومات عن طريق جهاز لاسلكي، يتم شحنه على "بدّال" لمدة ساعتين، لإرسال يستمر 10 دقائق، حتى صدرت له الأوامر بالعودة إلى القاهرة، في 16 تشرين الثاني.
وأثناء عودة "قناوي" إلى القاهرة، فوجئ بأنه أمام سبعة ألوية إسرائيلية، تمكنت من العبور إلى غرب قناة السويس، ونصبوا ثلاثة رؤوس جسور على البحيرات المرة، لنقل الجنود إلى غرب القناة، وسط تأمين من الدبابات الإسرائيلية، وكانت هذه بداية الثغرة، وهكذا وجد "قناوي" نفسه محاصرًا بين القوات الإسرائيلية، في غرب وشرق القناة.
وبعد ذلك، قررت قيادة المخابرات الدفع بـ"قناوي" إلى السويس، ليكون عينًا على المحافظة، التي تنتظر انتهاء الحصار الإسرائيلي لها، وتم إرسال "قناوي" إلى جبال عتاقة، حتى الوصول إلى محافظة السويس، سيرًا على الأقدام، وفي هذا الطريق شاهد قناوي خسائر الجيش المصري، وجنودًا قتلى ومصابين، نتيجة الهجوم الإسرائيلي، والثغرة التي صنعها الطيران الإسرائليي، تمهيدا لدخول قواته إلى السويس، دون وجود أي قوات حماية مصرية، بعد تدميرها.
وفي الطريق، وجد "قناوي" أن كل الطرق محاطة بقوات ومجنزرات إسرائيلية، على أبواب المحافظة، وأن دخوله السويس أصبح مستحيلاً، وبعد إبلاغ القيادة بالوضع، جاءه الرد في ثلاث كلمات: "حاول ربنا معاك". وأثناء مراقبة "قناوي" للطرق، في الدروب الجبلية، حتى تسنح له الفرصة لدخول السويس، وأثناء وجود خمسة جنود في الجبل، وبعد التوجه إليهم، تبين أنهم ضابط، برتبة مقدم، ومجندين، في حالة يرثى لها، وكانوا ضمن جنود حاولوا دخول السويس لإنقاذها، وفشلوا، وأنهم في طريقهم إلى القاهرة، عبر جبال عتاقة، ومنها إلى منطقة الكريمات، وحلوان، ولكن أغلبهم ضاع في الدروب الجبلية الوعرة، وبعضهم مات في الطريق، ولم يتم دفنهم.
وبعد اصطحاب الجنود الخمسة إلى مقر قيادة الجيش الثالث السري، في منطقة عبيد الجبلية، فوجئ "قناوي" بالمقدم الذي أنقذه يطلب من الجنود القبض عليه، لأنه في الأساس يشتبه به. وتواصل "قناوي" وقتها مع اللواء عبد المنعم واصل، قائد الجيش الثالث الميداني، الذي أظهر له هويته، وأخبره بتفاصيل العملية، وأسماء القيادات ثم أكمل قائلاً له: "إذا كنت من الأعداء وأعرف كل هذه التفاصيل، فنحن لا نستحق الحياة من الأساس".
ويقول "قناوي": "وهناك أخبرته بوجود مجندين إسرائيليين على مقربة من مقر قيادة الجيش الثالث، وبرفقتهم طائرة مروحية، ويبدو أنها للاستطلاع، وإذا اكتشفوا مقر قيادة الجيش الثالث، ستتم مهاجمته، وتدميره جويًا". وبالفعل، بعد التأكد من صحة المعلومات، تم إنقاذ قيادة الجيش الثالث، ونقلها إلى مقر آخر، على بعد 50 كيلومترًا غرب المقر السابق، وبالفعل هاجم الطيران الإسرائيلي منطقة مقر قيادة الجيش الثالث القديم، ولكن بعد نقله.
أرسل تعليقك