واشنطن ـ وكالات
وجد الباحثون أميريكيون أن منطقة صغيرة من قشرة الفص الجبهي للدماغ تتولى مسؤولية التحكم لحظة تلو اللحظة بأي العادات يتم تفعيلها في وقت معين. الاكتشاف قد يمكن الإنسان مثلاً من "إيقاف" أو "غلق" عادة التدخين بسهولة مستقبلاً.
ربما سيتمكن الإنسان في المستقبل من التوجه إلى الطبيب لطلب "إغلاق" أو "إيقاف" عادة التدخين لديه. هذا التصور خرجت به دراسة جديدة لعلماء الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية تهدف لإيجاد المفتاح الرئيسي في الدماغ الذي يتحكم في العادات.
فقد وجد الباحثون أن منطقة صغيرة من قشرة الفص الجبهي للدماغ، حيث يحدث معظم التفكير والتخطيط، مسؤولة عن التحكم لحظة تلو اللحظة بأي العادات يتم تفعيلها في وقت معين.
ومن المعروف أن العادات القديمة لا تموت بسهولة لأنها تكون مزروعة في أعماق الدماغ، وهذا شيء إيجابي في بعض النواحي لأنه يسمح للدماغ باستغلال الطاقة في أمور أخرى في الوقت الذي يحدث فيه سلوك معتاد بأقل جهد من التفكير مثل قيادة السيارة إلى العمل. لكن في حالات أخرى يمكن للعادات أن تدمر حياتنا. كما يحدث أحيانا أن ما كانت تعتبر في يوم ما عادة مفيدة تستمر حتى لو لم تعد ذات فائدة.
وتمكن فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من محاكاة هذا السيناريو بإجراء تجارب على فئران تم تدريبها على الجري في متاهة على شكل "T"، وعند وصول الفئران لنقطة معينة تسمع نغمة تحدد ما إذا كانت ستجري يسارا أم يمنة، وعندما تختار المسار الصحيح يتم مكافأتها بحليب الشوكولاتة إذا استدارت يسارا، أو بماء محلى إذا استدارت يمينا.
ولإظهار أن السلوك أصبح عادة توقف الباحثون عن منح الفئران المدربة المكافأة، ووجدوا أنها استمرت في الجري في المتاهة بشكل سليم. ثم قدم الباحثون للفئران حليب الشوكولاتة وهي في أقفاصها لكنهم خلطوه بكلورايد الليثيوم الذي يسبب غثيانا خفيفا، فوجدوا أن الفئران استمرت في الجري يسارا عند سماعها الإشارة لكنها توقفت عن شرب حليب الشوكولاتة.
وبعد أن أظهرت الفئران أن هذه العادة تأصلت لديها بشكل كامل، أراد الباحثون معرفة ما إذا كان يمكن كسرها عن طريق التدخل بجزء من قشرة الفص الجبهي المعروفة باسم "أنفراليمبيك" Infralimbic (IL). ورغم أن المسارات العصبية التي ترسل شفرات السلوك المعتاد تكون موجودة في أعماق هيكلية الدماغ المعروف باسم العقد القاعدية، فإنه تبين أن قشرة "IL" ضرورية كذلك لتطور مثل هذه السلوكيات.
وباستخدام علم البصريات الوراثي (optogenetics)، وهو تقنية تسمح للباحثين بتثبيط نشاط خلايا معينة بالضوء، "أوقف" الباحثون نشاط قشرة "IL" لثوان عدة عند تجاوز الفئران النقطة في المتاهة التي تقرر فيها أي طريق ستسلك. وعلى الفور توقفت الفئران عن الجري إلى اليسار (الجانب الذي يتضمن حليب الشوكولاتة). وهذا يشير إلى أن إيقاف قشرة "IL" حوَّل أدمغة الفئران من "نمط الاستجابة الآلية إلى نمط معرفي أو تشاركي أكثر، يحلل ما الذي يجرون من أجله بالضبط"، حسب قائد فريق مؤلفي الدراسة كايل سميث.
وبمجرد كسر عادة الجري نحو اليسار، شكلت الفئران عادة جديدة بالجري نحو اليمين في كل مرة حتى عندما أشير إليها بالتوجه إلى اليسار. وأثبت الباحثون أن بإمكانهم كسر هذه العادة الجديدة مرة أخرى بتثبيط قشرة "IL" باستخدام الضوء. وتفاجؤوا بأن هذه الفئران استعادت عادتها الأصلية بالجري يسارا عند التأشير إليها بالقيام بذلك.
وحسب هؤلاء الباحثين فإن ما يعنيه هذا الاكتشاف أنه بالإمكان كسر العادات القديمة لكن لا يمكن نسيانها، فتحل محلها عادات جديدة لكن العادة القديمة تظل كامنة، ويبدو أن قشرة "IL" (المفتاح الرئيسي) تفضل العادات الجديدة على القديمة.
ويقول الباحثون إن أمامهم طريقا طويلا قبل اختبار هذه التقنية على البشر، لكن في نهاية المطاف فإن من الممكن أن تتطور التقنية إلى الدرجة التي قد يصبح فيها التعامل مع العادات خيارا مجديا لمعالجة الاضطرابات التي تنطوي على تكرار مفرط أو سلوك مدمن، وذلك حسب أستاذة المعهد آن غرابيل عضو معهد مانكغوفرن لأبحاث الدماغ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
أرسل تعليقك