يعد سرطان الجلد الفاتح من الأمراض الشائعة في وقتنا الحالي، غير أن الكثيرين لا يعرفون شيئًا عن هذا المرض, لذا يسهم الإلمام بأشكاله وأسبابه والمؤشرات الدالة عليه، في الوقاية منه أو اكتشافه مبكرًا في حالة الإصابة به، ومن ثم زيادة فرص الشفاء منه.
وأوضح البروفسور إيغرت شتوكفلت من مركز سرطان الجلد التابع لمستشفى شاريتيه الجامعي بالعاصمة الألمانية برلين، أن نسبة الإصابة بسرطان الجلد الفاتح تزداد بمعدل عشرة أضعاف عن معدلات الإصابة بسرطان الجلد القاتم الأكثر خطورة.
وأضاف الطبيب الألماني أن خطورة سرطان الجلد الفاتح تكمن في أن أغلب الأشخاص يصابون به دون أن يعلموا بذلك، قائلاً "إذا تم اكتشاف الإصابة بهذا النوع من السرطان في الوقت المناسب، يُمكن حينئذ علاجه بنسبة 100%".
وأوضح شتوكفلت أن السبب الأساسي في الإصابة بسرطان الجلد الفاتح يرجع إلى الأشعة فوق البنفسجية للشمس, حيث إنها تضر الخصائص الجينية لخلايا البشرة. وصحيحٌ أنه يُمكن لجسم الإنسان تحمل هذه الأضرار بدرجة معينة، إلا أنه إذا تعرضت البشرة لأشعة الشمس بشكل مكثف لفترات طويلة للغاية فسيحدث خلل بالجهاز المناعي للجسم، ومن ثمّ تتكون الخلايا السرطانية.
ويلتقط البروفسور كلاوس غاربه من مستشفى توبنغن الجامعي طرف الحديث فيقول إن سرطان الخلايا القاعدية يُعد أكثر أشكال سرطان الجلد الفاتح شيوعًا على الإطلاق، موضحًا أنه "يعاني أربعة من كل خمسة مرضى من المصابين بسرطان الجلد الفاتح من هذا الشكل من السرطان، علمًا بأنه غالبًا ما تحدث الإصابة به في مراحل عمرية متقدمة تبدأ من 50 عاما تقريبا".
وعن سرطان الخلايا القاعدية، أوضح الطبيب الألماني غاربه أنه عبارة عن أورام تنمو ببطء وغالبا ما تظهر على منطقة الصلع لدى الرجال وكذلك على أكثر المناطق المعرضة للشمس من الوجه وهي الجبهة والوجنتين والأنف والأذنين.
ويصف غاربه أعراض الإصابة بهذا النوع قائلاً "تظهر الإصابة بسرطان الخلية القاعدية في مرحلتها الأولى وكأنها بقعة خفيفة الاحمرار يُمكن أن تكون بارزة أو مستوية، لكن مع مرور الوقت تبدأ في التقشر ويُمكن أن تنزف دمًا", وعلى الرغم من أنه عادة لا يتطور سرطان الخلايا القاعدية إلى مرحلة الانبثاث، التي تنتقل خلالها الخلايا السرطانية من العضو الرئيسي المصاب إلى أعضاء أخرى بالجسم، فإنه قد يتسبب في تدمير الأنسجة المحيطة به.
وعلى الجانب الآخر أشار البروفسور الألماني غاربه إلى أن سرطان الخلية الحرشفية هو أقل أنواع سرطان الجلد الفاتح انتشارًا, وعلى الرغم من أن الإصابة بسرطان الجلد الفاتح عادةً ما تحدث في المناطق المعرضة لأشعة الشمس، فإن سرطان الخلية الحرشفية يُمكن أن يظهر في جميع مواضع الجسم.
وعن أعراض الإصابة بسرطان الخلية الحرشفية، أوضح الطبيب الألماني غاربه "عادةً ما تبدأ أعراض هذا النوع من السرطان في صورة ظهور نتوء أحمر متقرنًا للغاية على سطح الجلد، لدرجة أن ملمس سطحه يتشابه مع ملمس ورقة السنفرة". وعلى عكس ما يحدث عند الإصابة بسرطان الخلايا القاعدية، يُمكن أن يتطور سرطان الخلية الحرشفية إلى مرحلة الانبثاث، أي أنه يتسبب في تكون خلايا سرطانية في أعضاء أخرى.
وأشار غاربه إلى أن سرطان الجلد الفاتح له شكل أولي يُعرف باسم "التقرن السفعي"، تتطور 10 % من حالات الإصابة به إلى سرطان الخلية الحرشفية مع مرور الوقت، كذلك عادةً ما تظهر الإصابة به في منطقة الصلع أو في أكثر المناطق المعرضة للشمس من الوجه، لكن غالبًا لا يتخطى حجمها عدة ميليمترات فحسب.
ونظرًا لأن التقرن السفعي يتسبب أيضا في تصلب سطح الجلد، فإن أعراضه تتشابه مع أعراض الإصابة بسرطان الخلية الحرشفية. ولكن على عكس ما يحدث عند الإصابة بسرطان الخلية الحرشفية، يظهر التقرن السفعي على الطبقة السطحية من الجلد فقط ولا ينتشر إلى الخلايا الأخرى.
وعلى الرغم من اختلاف أشكال سرطان الجلد الفاتح، فإنها تشترك جميعًا في طرق العلاج, فكلما تم تشخيص الحالة بشكل مبكر، زادت فرص المريض في العلاج من سرطان الجلد الفاتح بجميع أشكاله. لذا أوصى البروفسور أوفه راينهولد، رئيس شبكة "أونكوردرم" المكوّنة من مجموعة أطباء جلدية ألمان متخصصين في السرطان، قائلاً "ينبغي لكل مَن يلاحظ ظهور موضع غريب على بشرته استشارة طبيب أمراض جلدية على الفور".
وأضاف راينهولد أن التدخل الجراحي يكفي في أغلب الحالات لاستئصال أي شكل من أشكال سرطان الجلد الفاتح بشكل نهائي. وبديلا للجراحة توجد أيضا تقنية العلاج الإشعاعي أو العلاج بالتبريد وكذلك العلاج الضوئي الديناميكي، الذي يتم خلاله علاج البشرة أولاً باستخدام نوعية معينة من الكريمات والجِل تحتوي على مواد فعالة، ثم يتم تسليط أشعة ضوئية معينة على مواضع الإصابة. وهنا أشار راينهولد "طبيب الجلدية هو الوحيد الذي يمكنه تحديد طريقة العلاج المناسبة".
ولتجنب الإصابة بسرطان الجلد من الأساس، أوضح راينهولد أن حماية البشرة من أشعة الشمس بشكل فعال من خلال استخدام كريمات الوقاية من الشمس وارتداء الملابس التي تُغطي البشرة وكذلك من خلال تجنب التعرض لأشعة الشمس ولاسيما خلال فترة الظهيرة، تُمثل أفضل وسيلة للوقاية من الإصابة بسرطان الجلد بجميع أنواعه.
وأردف الطبيب الألماني أنه كلما كان لون البشرة فاتحا، زادت حساسيتها تجاه أشعة الشمس، مع العلم بأن الأطفال والأشخاص المصابين بأمراض تُضعف المناعة يُمثلون الفئة الأكثر تعرضا للإصابة بالسرطان. وأضاف راينهولد "يزداد خطر الإصابة بهذا النوع من السرطان لدى المرضى الذين خضعوا لجراحة زرع أعضاء"، لافتا إلى أن التعرض لحروق الشمس يزيد أيضا من خطر الإصابة بسرطان الجلد.
أما بالنسبة لمَن يرغب في مزيد من الوقاية، فيوصي الطبيب الألماني راينهولد بضرورة المواظبة على إجراء فحص سرطان الجلد بدءا من سن 35 سنة إلى جانب اتخاذ التدابير الاحترازية السابقة.
أرسل تعليقك