طرابلس - مصر اليوم
عاشت العاصمة الليبية طرابلس عشية عيد الفطر أجواء من الاحتقان والتوتر غير مسبوقة على كافة المستويات الأمنية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والصحية والبيئية.
ولم تمض إلا بضع ساعات من الهدوء الحذر أمس حتى تجددت الاشتباكات بالأسلحة الثقيلة والقذائف الصاروخية بين التشكيلات المتقاتلة في المناطق المحيطة بمطار طرابلس الدولي (جنوب العاصمة) والضاحيتين الجنوبية الغربية والغربية على مستوى منطقتي السواني وجنزور ومنطقة السراج وجميعها مناطق آهلة بالسكان المدنيين الذين وجدوا أنفسهم وسط جحيم فرضته عليهم الجماعات المتناحرة .
وذكرت "بوابة الوسط" أن سكان العاصمة وضواحيها توقعوا فجر السبت الماضي تدخلاً جويًا أجنبيا لحماية المدنيين الليبيين من جحيم التراشق الصاروخي والقصف المدفعي العشوائي الذي تفجر قبل 15 يوما بين تشكيلات محسوبة على مدينة الزنتان تسيطر على مطار طرابلس الدولي منذ سقوط نظام القذافي قبل ثلاث سنوات وأخرى محسوبة على مدينة مصراتة تساندها كتائب من غرفة ثوار ليبيا المحسوبة على تيار الإسلام السياسي، عند سماعهم أزيز طائرات حربية وأخرى بدون طيار في سماء المدينة تحلق على ارتفاع منخفض، إلا أن هذا الأمل تبدد مع مساء نفس اليوم عندما تجددت الاشتباكات واتضح لسكان العاصمة أن تلك الطائرات كانت تقوم بحماية عملية إجلاء طاقم السفارة الأمريكة في طرابلس من بينهم السفيرة ديبورا جونز، وأن توقف الاشتباكات يعود إلى تهديد أميركي بوقف العمليات العسكرية لمدة 12 ساعة (من السادسة صباحا إلى السادسة مساء) تحت طائلة "العصا الأميركية".
وذكرت شبكة "سي-أن-أن" الإخبارية الأمريكية أمس إن إخلاء السفارة الأمريكية بطرابلس تم عن طريق البر باتجاه تونس، وأوضحت أن العملية التي استغرقت قرابة ست ساعات كان يرافقها جوًا طائرتان من طراز (أف 16 ) ، بالإضافة إلى طائرات من دون طيار كانت تجوب سماء المنطقة.
كما أكدت وجود طائرات هيليكوبتر محملة بالجنود للتدخل عند الضرورة، بالإضافة إلى 80 عنصرًا من قوات المارينز على الأرض الذين كانوا يقومون بحماية السفارة.
وقال الأستاذ بكلية اللغات بجامعة طرابلس عمران سالم المريمي لبوابة الوسط :" أقولها بكل صراحة ، لقد تنفست الصعداء عندما سمعت أزيز الطائرات الحربية في سماء طرابلس لا لشيء وإنما ليعرف هؤلاء المتناحرون على المصالح والكراسي ودولارات النفط وكلهم يدعي حماية الوحدة الوطنية، حقيقة وزنهم، غير أن بارقة الأمل تلاشت عندما تأكدنا أن تلك الطائرات كانت مهمتها حماية الدبلوماسيين والموظفين الأمريكيين لدى إجلائهم من طرابلس".
وأضاف " صحيح إنه موقف كارثي أن يفرح الإنسان بانتهاك أجواء بلاده ، ولكن أين هي البلاد ؟ وأين الدولة التي حلمنا بها ؟ لقد دمر مسلحون يدعون أنهم "ليبيون" المدمر من هذه البلاد ، وانتهكوا حرمة منازلنا وسطوا على سياراتنا وأسقطوا صواريخ حقدهم وتسلطهم وصراعهم المحموم على السلطة فوق رؤوس أطفالنا وهجٌرونا من منازلنا وسرقوا سكون رمضان وفرحة العيد من أعيننا".
وأعرب ناصر على شنفير، 52 عاما ، مدير شركة لاستيراد المواد الغذائية، الذي أكد أنه لم يستطع تفقد مخازنه في منطقة الكريمية (جنوب العاصمة) منذ حوالي 8 أيام بسبب كثافة القصف الصاروخي وفرار معظم العمال من مصريين وسودانيين وغيرهم، مشيرا إلي أن معظم الليبيين باتوا مستعدين لقبول أي تدخل أجنبي مهما كانت جنسيته ، يضمن وقف تقتيل أبنائهم وهدم منازلهم وترويع نسائهم وشيوخهم على أيدي "ليبيين" كانوا بالأمس ثوارا وتحولوا اليوم إلى تشكيلات قبلية ومناطقية وجهوية وميليشيات مؤدلجة وعصبات إجرامية بامتياز".
من جهته، سخر فرج رمضان الهمالي، المهندس بشركة الزويتينة للنفط من تغول هذه التشكيلات المسلحة واستئسادها على الليبيين وفيما بينها في حين أكد، حسب قوله ، أن "هذه التشكيلات طأطأت رأسها للتهديد الأمريكي ولم نسمع في طرابلس وضواحيها طلقة واحدة من بندقية طيلة الساعات التي حددتها لهم القوات الأمريكية لحين إجلاء الموظفين الأمريكيين".
وفي سياق متصل بالأوضاع الصعبة التي تعصف بالعاصمة الليبية، وجهت جميع المستشفيات في طرابلس وضواحيها والمدن المجاورة نداءات متكررة للمواطنين للتبرع بالدم، وللكوادر الطبية والكوادر الطبية المعاونة بضرورة الالتحاق بمراكز عملهم ما يؤشر – برأي المراقبين – على ارتفاع عدد الوفيات والجرحى جراء هذه الاشتباكات المتواصلة منذ أسبوعين خلافا للبيانات الرسمية الصادرة عن الحكومة الليبية التي أفادت بسقوط حوالي 50 قتيلا و120 جريحا.
إلى ذلك تشكو العاصمة الليبية وضواحيها (حوالي 2.5 ملايين نسمة - ما يفوق ثلث سكان البلاد) نقصًا حادًا في إمدادات الوقود وغاز الطهي بسبب وقوع المستودع الرئيسي لشركة البريقة بطريق المطار، أحد محاور الاشتباكات جنوب العاصمة ، وكذلك جراء السطو المسلح على شاحنات توزيع اسطوانات غاز الطهي ما أدى إلى ارتفاع جنوني في سعر لتر البنزين في السوق السوداء( بلغ سعر جالون البنزين 20 لتر في السوق السوداء حوالي 80 دينار مقابل 3 دينارات سعره الأصلي، و سعر اسطوانة الغاز 50 دينارًا مقابل 2.5 دينار ثمنها الأصلي).
وتجاوزت طوابير السيارات والشاحنات المصطفة أمام محطات الوقود عدة كيلومترات حيث يمضي السائقون طوال اليوم في انتظار تزويد المحطات بالوقود قبل أن يعودوا مساءً إلى بيوتهم لتناول وجبة الإفطار والعودة من جديد للإنتظار إلى وقت السحور، وأكد سائقون ينتظرون أمام محطة زاوية الدهماني في قلب طرابلس أنهم على هذه الحال منذ ثلاثة أيام دون جدوى.
وتسبب نقص الوقود في ارتفاع أسعار النقل - سواء سيارات الأجرة أو حافلات النقل المشترك المعروفة باسم "الأيفيكو" - بشكل كبير الأمر الذي اضطر العديد من المواطنين أن يشتركوا في سيارة أجرة واحدة تقلهم إلى مشاغلهم.
وأكد فرج بشير الذي يعمل في مصر وعاد مساء الجمعة إلى طرابلس لتمضية العيد مع أسرته، أنه دفع 70 دينارا لصاحب سيارة أجرة لنقله من مطار معيتيقة وسط العاصمة إلى منزله بمنطقة عين زارة (حوالي 10 كيلومترا) في حين أن مثل هذه الخدمة كانت تكلف 10 دينارا على أقصى تقدير.
يشار إلى أن ليبيا تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي لا يتوفر فيها النقل العمومي سواء الحافلات أو الترام أو المترو إلى جانب انعدام النقل الحديدي قي هذه البلاد المترامية الأطراف.
ويعاني سكان العاصمة كذلك من نقص كبير في السيولة على مستوى المصارف التجارية حيث ظلت أبواب معظم المصارف مغلقة أمس الأحد اليوم الأخير في رمضان، ما سبب تكدس الآلاف من عملاء مصارف الجمهورية والوحدة والتجاري الوطني على مستوى ميدان الشهداء وشارع الاستقلال والعشرات من فروع هذه المصارف حتى الساعة 12 ظهرًا دون أي نية لديهم في المغادرة قبل العودة بمبلغ مالي من حساباتهم الخاصة لسد احتياجات أسرهم في نهاية شهر الصيام واستقبال عيد الفطر.
وانعكست أزمة الوقود وضراوة الاشتباكات على أداء مختلف الوزارات ومؤسسات الخدمات العامة مثل البريد والكهرباء والمياه التي تتقلص فيها أصلاً ساعات الدوام في شهر رمضان حيث تعطلت معظم الوزارات فيما ظلت بعض المؤسسات الخدمية تعمل بالحد الأدنى من كوادرها.
وإلى جانب الانقطاعات المستمرة للكهرباء والتي وصلت في بعض أحياء العاصمة من بينها حي قرجي وغوط الشعال (غرب طرابلس) وحي بن عاشور والنوفليين و فشلوم (شرق العاصمة) إلى 8 ساعات متواصلة بحسب شهادات من بعض السكان، ضربت أزمة جديدة قد تكون انعكاساتها خطيرة جدًا تمثلت في انقطاع المياه عن بعض المناطق .
أرسل تعليقك