أعلن الرئيس تمام سلام، في حديث الى صحيفة "الراي" الكويتية نشر اليوم، ان "ثمة عوامل إقليمية ودولية تحول دون تأليف الحكومة، وأبرزها المواجهة الإيرانية - الغربية أو الإيرانية - الأميركية تحديدا، والتي يصادف أنها في أوجها في المرحلة الراهنة. وتاليا هذا المستوى من المواجهة لا يمكنه في رأيي أن يفسح أمام تسهيل ولادة الحكومة في لبنان".
وقال: "ان كلام وكيل الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، قبل مغادرته بيروت، عن تفعيل حكومة تصريف الأعمال، يعكس أننا لم نخرج من مرحلة العجز عن تأليف الحكومة، وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة تقف مباشرة وراء ذلك بل القوى الأخرى التي تواجهها في المنطقة وأبرزها إيران، بما لها من نفوذ يمتد من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت وغيرها. وهذا بات واقعا نجد ترجماته في أكثر من ساحة وملف".
وأشار سلام الى "ان المقارنة بين الفترة التي تطلبها تشكيل حكومته وبين المرحلة الراهنة أمر غير عادل لأن الظرف يختلف"، وقال: "الثابت أن الصراع الإقليمي والدولي قائم على قدم وساق. ومنذ أيام الوالد (الرئيس الراحل صائب سلام) رحمه الله كان يردد عبارة "تحبل في بغداد أو القاهرة أو ... وتلد في بيروت". وهذا يعكس واقع لبنان، واحة الديموقراطية والحرية والتنوع، والذي غالبا ما يتحول الى ساحة لمواجهات بين قوى إقليمية وحتى دولية، مع تسخير البلاد في سبيل هذه الصراعات".
ولفت الى "الشبه" بين أزمة تشكيل الحكومة اليوم وما ساد إبان مرحلة تكليفه في نيسان 2013 وصولا إلى ولادة حكومته في شباط 2014، قال: "حينها جاء الضوء الأخضر الإيراني بعد نحو 10 أشهر، وأدركنا لاحقا أن الأمر كان من ضمن اتفاق مع الأميركيين في ظل الدخول في زمن المفاوضات النووية التي أثمرت بعدها بنحو سنة ونصف سنة. وقد استخلصت هذا الأمر من اتصال الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما بي فور تشكيل الحكومة. علما ان "حزب الله" ترجم قرار التسهيل الإيراني آنذاك بموافقته المفاجئة على شروط التشكيل، من حكومة الثلاث ثمانيات، الى المداورة بالحقائب ولا سيما السيادية".
اضاف: "العامل المهم الذي شكلته حينها الحاجة الى تدارك الفراغ الرئاسي الذي كانت البلاد مقبلة عليه، ما جعل من تسهيل ولادة الحكومة مصلحة متعددة البعد، ناهيك عن إبدائي والرئيس ميشال سليمان أواخر الـ 2013 نية جدية بالذهاب نحو حكومة أمر واقع من 14 وزيرا".
وتابع: "حتى الآن لم ألمس أي تراجع في منسوب المواجهة الإقليمية - الدولية في لبنان يدفع للاعتقاد بأن أزمة التأليف اقتربت من الانتهاء"، مشيرا الى "أن طهران غير مرتاحة أبدا في هذه المرحلة في ظل المواجهة مع واشنطن والغرب، والمرشد الأعلى علي خامنئي أعلن وللمرة الأولى أخيرا أن بلاده تعاني اقتصاديا جراء القيود المفروضة عليها، والجميع يعرفون أن ثمة مواجهات مباشرة في سوريا والعراق، وهذا كله لا يساعد على ان تنحو طهران، كما حصل قبل نحو خمسة أعوام، في اتجاه تسهيل تأليف الحكومة في لبنان".
وأعلن عن "اصطناع ما عرف بـ"اللقاء التشاوري" في الدقائق الأخيرة في تشرين الثاني الماضي لوضعه، رغم كل التبريرات والتسويق، حجر عثرة في وجه التأليف، ثم كلام الامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله حينها عن فترة أربعة أو خمسة أشهر "قبل ان تبدأوا بمحاسبتي"، مشيرا الى عضو المجلس المركزي في "حزب الله" الشيخ نبيل قاووق قبل نحو أسبوعين الذي ألمح فيه إلى إمكان ان تطول الأزمة 8 أشهر جديدة، وهذا ما يؤكد أن الضوء الأخضر لم يصدر بعد للافراج عن الحكومة".
واعتبر سلام أن "الأفق غير مريح، ومن هنا المطلوب من القادة اللبنانيين التعقل، بقدر ما هو مسموح"، مشيرا الى "عدم بروز مؤشرات لوجود رغبة إقليمية في تسهيل ولادة الحكومة مع تحد كبير يتصل بالقدرة على الصمود الاقتصادي - المالي في البلد، وهذا أمر لم يكن مطروحا عام 2013 - 2014، مؤكدا ان "حاكم مصرف لبنان خصوصا يتولى بشطارته وكفاءته، حياكة إجراءات لتفادي بلوغ المحظور، وهو يقوم بأكثر من المستطاع ويقول "اذا لم تساعدوني سياسيا لا تلوموا إلا أنفسكم".
ولفت سلام الى "أوركسترا" "تعمل على مدار الساعة وتعمد إلى رمي العرقلة على الرئيس المكلف سعد الحريري، في حين أنه أكثر من قدم وماشى وتفهم على مدى الأشهر الماضية، ولكن النتيجة تشبه المثل القائل "قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر". فالرئيس الحريري قلبه على الوطن فيما الآخرون، الذين يفترض ان يتعاونوا معه ويكررون أنهم يرغبون في أن يدعموه ويساعدوه وأنهم يريدون حكومة، عندما يصل الأمر الى الترجمة، يضعون له العصي في الدواليب"، منبها الى "تداعيات أي قفز فوق الواقع الذي أكدته الانتخابات النيابية لجهة كون الرئيس الحريري الأكثر تمثيلا لمكون أساسي في البلد".
وأكد "أن كل القوى السياسية صارت شريكة في التأليف، وتتفاوت شراكتها، من خلال ما تمثله وحجم قوتها. والبعض يمارس ذلك على مستوى المطالبة بحصص معينة، والبعض الآخر على مستوى فرض حصص وأحجام معينة، ومع الأسف هذا لا يساعد أبدا".
ورأى "ان تمثيل اللقاء التشاوري ذريعة لعرقلة التأليف، ومن جهة أخرى هو في سياق التمادي في التعاطي داخل مكون آخر وإدعاء الحرص عليه أكثر من أبناء المكون أنفسهم. طبعا هذا البعد أيضا موجود. والجميع يذكرون ماذا حصل في إحدى الحكومات عندما تنازلوا عن وزير شيعي لمصلحة وزير سني في سابقة ضمن سياق السعي للتدخل في شؤون مكون آخر".
وردا على سؤال عن ان توزير ممثل لـ "مجموعة الستة" بات أمرا واقعا، قال سلام: "لا نعرف ذلك. كله كلام، وما أعرفه أن الرئيس المكلف منزعج الى أقصى الحدود من كل التراكمات وأهدافها وأبعادها".
وعما أعلنه الرئيس الحريري ان هذا الأسبوع هو "أسبوع حسم" حكوميا؟ ، قال سلام: "أعتقد أنه كي لا يلومه أحد في حال لم تسر الأمور كما يجب لاحقا. هم يدعون أنهم غير مسؤولين ولا يعرقلون، والرئيس المكلف وكأنه يقول "وصلت معي الأمور الى الآخر، ولكن أعطي فرصة جديدة لأرى".
قيل له: "في حال لم يحسم أمر التأليف هذا الأسبوع هل الحريري في وارد الاعتذار"، أجاب سلام: "كل الاحتمالات مفتوحة"، مؤكدا ان الحريري "يستحق كل الدعم والمؤازرة في هذه المحنة التي يمر بها"، معربا عن رفضه تعويم الحكومة ومعارضته "أن يأخذ تصريف الأعمال بعدا آخر، لأننا سنكون أمام عرف جديد قد يعتمدونه ويعومون الحكومة ستة أشهر إضافية او سنة، وتاليا تنتفي الحاجة لتأليف حكومة".
وعما قيل بأن أزمة التأليف هي صراع على الثلث المعطل، قال سلام: "رئيس الجمهورية دستوريا رأس الهرم والمرجعية التي يفترض ان يلجأ اليها الجميع، والمطلوب أن يكون على مسافة متساوية من الجميع، وأن لا يكون طرفا كي يكون لكلمته تأثير. وصودف الآن أن رئيس الجمهورية لديه حزب ممثل في البرلمان بكتلة ويجب ان تنال حصتها ككتلة. أما رئيس الجمهورية ومنطق أن تكون له حصة وزارية في الحكومة، فهذا في رأيي بدعة. ومنذ أن بدأ الرؤساء بعد الطائف يحصلون على وزراء أخذت الأمور تتجه نحو مسارات غير سليمة. فرئيس الجمهورية هو رئيس البلاد وكل مجلس الوزراء ينبغي ان يكون له".
وأوضح أنه إبان تشكيل حكومته في عهد الرئيس ميشال سليمان كانت للأخير حصة وزارية، "إذ كنا بحاجة في ظل تشكيلة الثلاث ثمانيات، الى كتلة وسطية لا تكون مع 8 ولا مع 14 آذار. وهكذا كان".
اقرأ أيضًا:
رئيس الوزراء اللبناني يحذر من احتمال تعرض البلاد لموجة هجمات إرهابية جديدة
وعن إمكانية وجود رغبة إقليمية في ترك الواقع اللبناني ينهار من البوابة المالية ليعاد تركيب نظام لبنان على وهج تقاسم النفوذ وإعادة تركيب المنطقة، قال سلام: "على مدى العامين وأكثر الماضيين شهدنا الكثير من الأعراف على صعيد ممارسة الحكم، وهي أعراف تبعدنا عن الدستور والميثاق وعن اتفاق الطائف، ومن شأنها أخذ البلد إلى آفاق مجهولة في موازاة واقعه المتردي اقتصاديا. وتاليا، في حال، لا سمح الله، حصول نوع من انهيار مالي، فإن الأمور تصبح مفتوحة على كل الاحتمالات. ربما هناك من يرغب في ذلك، ولكن حتى إذا كان يراد إعادة النظر في التوازنات والدستور، فهذا لا يمكن أن يحصل في مثل هذه الظروف".
وأشار الى الاجتماع الذي عقد في القصر الجمهوري حيث استدعى رئيس الجمهورية وزير المال ورئيس لجنة المال البرلمانية وبحث معهما في الواقع المالي، وقال: "هذا ليس دور رئيس الجمهورية بل رئيس السلطة التنفيذية أي رئيس الوزراء، وهذا عرف جديد فضلا عما شهدناه في مسار التأليف من أعراف تصدينا لها (كرؤساء حكومات سابقين) على قاعدة أن من يشكل الحكومة هو الرئيس المكلف وليس رئيس الجمهورية الذي يوقع مرسوم التشكيل مع رئيس الوزراء. أي أن موافقة رئيس الجمهورية ضرورية ولكن ليس هو الذي يتولى التأليف وفق ما أوحى به بيان كان صدر عن القصر الجمهوري، بعد تسلم الرئيس عون صيغة للتشكيلة الحكومية من الرئيس المكلف في ايلول الماضي، وتحدث فيها عن معايير حددها الرئيس عون لشكل الحكومة".
وعن عقد مجلس النواب جلسة "تشريع الضرورة" في ظل حكومة تصريف الأعمال، قال: "هذه ممارسات لا تساهم في تحصين البلد والدستور، بل تمضي في الذهاب الى بدع جديدة، حتى بتنا نرى ان وزراء هم الذين يؤلفون الحكومة، وهذا لا يجوز".
وردا على سؤال عن هواجس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حيال محاولة تغيير النظام والهوية والمثالثة والمؤتمر التأسيسي، قال سلام: "البطريرك في إبرازه هذه الهواجس عبر بكثير من الوضوح عن غيرته على البلد ومستقبله، وحذر على طريقته مما نحن فيه ولا سيما ما قد يضعف الدستور والطائف الذي دفع البلد أثمانا باهظة جدا لإرسائه. ومع الأسف، منذ إقراره حتى اليوم، لم يعط هذا الدستور فرصة جيدة لترجمته واستكمال بنوده تنفيذيا ليكون ممكنا في ضوء ذلك القول انه نجح أم لا. إذ باكرا جرى اعتماد أعراف خارج دستور الطائف، ومن أول الطريق جرى الحد من إمكان تطبيقه او تطويره".
واكد الرئيس سلام ان "التأثيرات الخارجية على لبنان ولا سيما الإقليمية لم تتوقف. وتفاعل العديد من القادة السياسيين أو الأحزاب في لبنان معها قائم على قدم وساق. والبعض لا يمكنهم أن يفصلوا أنفسهم عن هذه التأثيرات المتمثلة بدول إقليمية".
وقال: "تمدد النفوذ الإيراني أكبر بكثير اليوم مما كان عليه قبل أعوام، في مقابل انحسار وضعف عربي. وعندما يختل التوازن على هذا المستوى، ندفع الثمن".
وعما اذا كانت واحدة من المشكلات التي تعترض ولادة الحكومة الحالية تتصل بالانتخابات الرئاسية المقبلة، قال سلام: "هذا الجانب حاضر في مكان ما. وفي شكل عام الصراع الماروني - الماروني على رئاسة الجمهورية في لبنان أمر دائم وهو يضعف أحيانا ويقوى أحيانا أخرى بحسب الظروف. ولطالما شكل هذا الصراع مصدر "وجع رأس" للبنان، لأن المسيحيين والموارنة مكون أساسي، وعندما تحصل انقسامات وضعضعة في صفوفهم ينعكس ذلك على لبنان".
وعن إصرار "التيار الحر" على مطلب 11 وزيرا وهل انه مرتبط بالرئاسة، اجاب: "في رأيي أن الأمر يتصل بالتمادي في بسط نفوذ فريق معين في البلد من خلال الاستيلاء على المراكز والمناصب والمشاريع وكل ما يتبع، ربما تحضيرا لانتخابات رئاسة الجمهورية عندما يحين موعدها. ولكن في شكل عام، هذا تعبير عن منحى استيلائي تسلطي غير منضبط وغير واع يأخذ البلد الى أماكن تزعج الجميع، في موقع أو آخر، أو في قضية أو أخرى، تزعج حلفاء هذا الفريق وخصومه في الوقت نفسه".
وردا على سؤال، قال: "الكلام الذي يتردد كثيرا حول الرئيس القوي والكتلة القوية يطرح السؤال الآتي: القوة على من؟ نحن لا نحتاج الى مفردات القوة والقوي، والمطلوب التواضع في البلد. القائد والزعيم يتواضع ولا يمارس القوة"، مؤكدا ان "هذا الجبروت لا يفيد في البلد. والتجبر والمواقف الإعلامية التي نراها في شكل دائم من قبل "التيار الوطني الحر" ورئيسه ومسؤوليه، هذا لا يريح البلد. نعم يجب ان يكون العفو عند المقدرة، ليس ان تكون المقدرة للسيطرة. وحتى فائض القوة عند "حزب الله" مطلوب أيضا توظيفه لإنقاذ البلد بمشاركة الجميع وليس لفرض مواقف معينة".
وعن المسؤول عن التمثيل "الهزيل" في القمة العربية التنموية، قال: "تتحمل المسؤولية القوى السياسية في صراعها الداخلي الذي لا يوحي بالثقة لا داخليا ولا خارجيا. وبالتالي نعم، كانت هناك مجموعة من المواقف التي استفز فيها العرب بشكل مباشر أقرب إلى التحدي. فكان من الطبيعي أن لا يقدموا على المشاركة في القمة بمستوى تمثيل رفيع. ويجب أن لا ننسى أنه في فترة أعطي انطباع بأن الأمور في لبنان "فلتانة" ما أوحى بأن المناخ غير متوافر لإنضاج قمة من هذا النوع، فكان ما كان. ومع الأسف، شكلا وتنظيما، القمة مضت وأنجزت، ولكن قيمة وفاعلية وإنتاجية، فان الأمر بعيد كل البعد عما كان يمكن أن يتحقق في هكذا مؤتمرات قمة".
قد يهمك أيضًا:
سلام يدعو مجددا إلى انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية
رئيس الوزراء اللبناني يلتقي وزيرة التنمية الدولية البريطانية
أرسل تعليقك