صنعاء – مصر اليوم
بدأت الحكومة اليمنية بتبني استراتيجية جديدة للحرب على عناصر تنظيم القاعدة الذين ينشطون بعدد من مناطق البلاد وذلك بعد سلسلة هجمات نفذتها تلك العناصر واستهدفت نقاط ومقرات عسكرية وأمنية وأودت بحياة العشرات من منتسبي الجيش والأمن وتتضمن الإستراتيجية بحسب مسؤولين أمنيين الإنتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم على مواقع تلك العناصر بهدف تطهير البلاد منها حفاظا على مسار العملية السياسية القائمة.
وأكد اللواء علي ناصر لخشع نائب وزير الداخلية في بيان له الأسبوع الماضي، أن بلاده بدأت بتغيير قواعد المواجهة مع الإرهاب وأنّ قوات الجيش والأمن ستمسك بزمام المبادرة ولن تقف مجددا في موقع الدفاع فقط وإنما ستنتقل إلى موقع الهجوم على الأوكار الإرهابية وعناصرها، مشيرا إلى أن أي جريمة إرهابية لن تطوي صفحتها إلا بالقبض على الجناة ومن يقف ورائهم من المخططين والممولين للجرائم الإرهابية التي تستهدف اليمن ومصالحها العليا وإفشال مسار العملية السياسية والإنتقال السلمي للسلطة.
وشدّد على أن الأجهزة الأمنية والعسكرية لن تألوا جهداً في ملاحقة هذه العناصر حتى ولو كانوا في جحور الثعابين وأن عملية ملاحقتهم ستستمر على مدار الساعة وفي طول البلاد وعرضها.
ومنذ الهجوم الذي استهدف قيادة المنطقة العسكرية الرابعة بمحافظة عدن جنوبي البلاد مطلع شهر ابريل الجاري بدأ النظام اليمني برفع الروح المعنوية لأفراد الجيش والأمن وإطلاعهم على التوجهات الجديدة لمواجهة الإرهابيين عبر سلسلة من الزيارات قام بها مسؤولون للمناطق الأمنية والعسكرية.
من ناحيته كشف اللواء علي حسن الأحمدي رئيس جهاز الأمن القومي أن لدى السلطات الأمنية العليا في البلاد توجهات أمنية وعسكرية جديدة تهدف إلى اجتثاث مختلف مظاهر الاختلالات الأمنية التي رافقت مرحلة التحول التاريخي الذي شهده اليمن وترسيخ دعائم الأمن والاستقرار وأبرزها مواجهة العناصر الإرهابية.
وقال في تصريح أدلى به مساء أمس عقب لقائه بعدد من القيادات العسكرية والأمنية بمحافظة شبوة الجنوبية "إن هذا التوجه الإستراتيجي لا رجعة عنه إطلاقا حتى يتم عودة الأمن والإستقرار إلى البلاد بأفضل مما كانت عليه، مضيفا أنّ هناك عصابات إرهابية سرية استطاعت أن تنفرد وتنفذ بعض العمليات الإرهابية بهدف إشاعة أجواء من الفوضى والرعب في عدد من المناطق ويجب مواجهتها.
وقال إن الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي يولي الهاجس الأمني في الوقت الراهن جل اهتمامه ومتابعته بشكل يومي حتى يتم تخليص الوطن من هذه العصابات والقوى الإجرامية واستعادة استتباب الأمن والإستقرار في ربوع الوطن.
وخلال الأسبوعين الماضيين تعرضت عناصر تنظيم القاعدة باليمن لسلسة هجمات عسكرية برية وجوية هي الأعنف منذ استثمرت تلك العناصر الأوضاع التي رافقت اندلاع الثورة الشبابية ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح في العام 2011 للتوسع والإنتشار.
وقالت وزارة الداخلية اليمنية في وقت سابق، إن الغارات الجوية استهدفت معسكرات لتنظيم القاعدة في محافظات البيضاء وسط البلاد وأبين وشبوة الجنوبيتين والتي ينتشر فيها المئات من مسلحي التنظيم بعد تمكن قوات الجيش من تحرير عدة مدن بمحافظة أبين منتصف العام 2012 كانت تحت سيطرتهم.
وذكرت الوزارة أنّ العمليات الخاصة التي قامت بها قوات الجيش ووحدة مكافحة الإرهاب ضد تجمعات عناصر القاعدة، حققت انتصاراُ كبيرا وأدت إلى مقتل ما يزيد عن 60 من تلك العناصر بينها قيادات ميدانية بارزة لم تفصح عنها.
وبدأت السلطات الأمنية عقب تلك الهجمات بتشديد الإجراءات الأمنية وحماية المنشآت الحيوية في كافة محافظات البلاد تحسبا لأي هجمات انتقامية قد يشنها المسلحون ردا على خسائرهم.
ولم تقف جهود الحكومة في الحرب على الإرهاب عند هذا الحد حيث تجري حاليا تحركات عسكرية وأمنية مكثفة بعدد من المحافظات الجنوبية والشرقية استعدادا لشن هجمات برية على مواقع عناصر التنظيم بحسب ما أعلنت عنه مصادر أمنية مساء أمس.
وذكرت تلك المصادر أنّ قيادات أمنية وعسكرية تقوم حاليا بالترتيب لعمليات عسكرية ضد مواقع التنظيم في محافظات شبوة وأبين كمرحلة أولى يليها تتبع العناصر النشطة في محافظات مأرب والبيضاء وحضرموت وذلك في إطار تنفيذ الإستراتيجية الجديدة للحرب على الإرهاب.
وأشارت وزارة الداخلية إلى أنّ قوات أمنية وعسكرية بمساندة اللجان الشعبية بدأت بملاحقة ومطاردة عناصر تنظيم القاعدة بعدد من مناطق محافظة أبين وذلك بالتنسيق مع قيادة المنطقة العسكرية الرابعة.
ويؤكّد عدد من المراقبين والمحللين أن الإستراتيجية الجديدة التي تبنتها الحكومة اليمنية قد تنجح في إضعاف تنظيم القاعدة ومنع تحركات عناصره في اتجاه تنفيذ هجمات نوعية لكنها قد لا تنجح في استئصاله بشكل كامل.
وقال نبيل البكيري الباحث في شؤون الجماعات المسلحة رئيس المنتدى العربي للدراسات في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا "، إنّ تبني الحكومة لاستراتيجية الهجوم على مواقع عناصر القاعدة بعد أن كثفت تلك العناصر من هجماتها على مقرات الجيش والأمن يأتي من خلال قناعة تامة بفشل الإجراءات الأمنية السابقة وأنه لا بد من خطوات تتكفل بتطبيع الأوضاع الأمنية وتهيئة الأجواء الملائمة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل، مشيرا إلى أنّ أي خطوات في هذا الإتجاه لابد أن ترافقه أولا عملية إصلاح في هيكل القوات المسلحة والأمن من خلال استكمال عملية الهيكلة التي بدأتها الحكومة في وقت سابق والتي يتوقع منها إيجاد جيش وطني يكون ولاؤه للوطن لا لشخص أو طرف سياسي بعينه.
وأكّد أنّه كان من الأجدر إيجاد الدولة الحقيقية وبسط سيطرتها من خلال مؤسساتها الخدمية والقانونية والأمنية في كافة المناطق وجر هذه الجماعات أولا للحوار الفكري والسياسي باعتبار أن ظروفا معينة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية كانت وراء التحاق الكثير من الشباب في صفوف التنظيم، معربا عن اعتقاده بأن استمرار هذه المقاربات العسكرية والأمنية وحدها لا تخدم مكافحة الإرهاب بقدر ما تخدم استمراره، ولابد من مقاربة سياسية وتنموية حقيقية حتى لا تستمر هذه الجماعات وتتمدد وتنتشر أكثر.
وتصطدم جهود الحكومة اليمنية في الحرب على الإرهاب بانتقادات واسعة وخصوصا مع ما تقوم به الطائرات الأمريكية بدون طيار من عمليات عسكرية في عدد من مناطق البلاد والتي تسفر أحيانا عن سقوط ضحايا مدنيين لا علاقة لهم بتنظيم القاعدة.
وفي هذا السياق قرر البرلمان الأسبوع الماضي استدعاء وزيري الدفاع والداخلية في حكومة الوفاق الوطني للاستيضاح حول استمرار عمليات الطائرات دون طيار في مناطق مختلفة من البلاد وقصفها لمواطنين أبرياء.
وجاء استدعاء البرلمان للوزيرين على خلفية مقتل ثلاثة مواطنين وإصابة خمسة آخرين كانوا قريبين من سيارة تابعة لمشتبهين بالانتماء لتنظيم القاعدة قصفتها طائرة بدون طيار في 19 من شهر يناير بمحافظة البيضاء وسط البلاد.
وتستعين اليمن بالطائرات الأمريكية بدون طيار عند الحاجة لتنفيذ عمليات ضد عناصر تنظيم القاعدة بحسب تصريحات أدلى بها مسؤول أمني في وقت سابق.
وقال المسؤول الأمني إن سبب استعانة اليمن بالطائرات الأمريكية هو ضعف الامكانيات في تنفيذ مثل هذه العمليات غير أن عددا من المنظمات المحلية والهيئات والقوى السياسية اعتبرت تلك الهجمات انتهاكا للسيادة اليمنية بالَإضافة إلى أنها تعزز من قوة عناصر القاعدة.
وقال الخبير اليمني في شئون تنظيم القاعدة سعيد الجمحي إن الغارات الجوية التي تنفذها الطائرات بدون طيار لا تؤثّر كثيرا على عناصر التنظيم ولكنها تُحدث إرباكا في صفوفهم وخصوصا عندما يسقط الكثير من القتلى.
وأشار في تصريح لوكالة الأنباء القطرية "قنا"، إلى أن التّنظيم رغم الضربات المتتالية التي تنفذها الطائرات دون طيار منذ تعززت الشراكة اليمنية الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب لم ينته أبدا ولايزال على الأرض ينفذ هجمات وربما يكسب تعاطفا شعبيا جراء تلك العمليات.
وأكد أن عناصر القاعدة ربما يعيدون حساباتهم من خلال تواجدهم الجغرافي وخصوصا مع الضربات القوية التي تلقوها خلال الأسبوعين الماضيين وأسفرت عن مقتل العشرات بينهم قيادات بارزة في التنظيم.
وقال "الحكومة اليمنية تدفعها حاجة ملحة لتغيير استراتيجية المواجهة وهي تطبيع الأوضاع الأمنية للشروع في تنفيذ متطلبات المرحلة الإنتقالية الثانية والتأسيس للدولة الإتحادية التي توافقت عليها الأطراف اليمنية غير أنه لا يمكن لأي استراتيجية من هذا النوع أن تنجح دون أن يرافقها تطور في الجوانب التنموية والخدمية وخصوصا في المناطق المتضررة.
قنا
أرسل تعليقك