بيروت ـ ندى الحاج
اجتمع أكثر من 100 عازف من الاوركسترا السيمفونية الأوكرانية، حول المؤلفة الموسيقية والسوبرانو هبة القواس، لينسجوا بآلاتهم نوتات خطَّتها يد هبة، ويدهشوا بها جمهورًا بدًا متعطّشًا إلى مياه تزهر
من الصحراء، وإلى نجمة تنير عتمة الآهات الدفينة، فيما خطفت القواس الأنظار بعملين رائعين هما "عُمان يا أغنيةً"، و "تقاسيم على إشبيلية". وبعد رحلةٍ سندباديةٍ دامت شهرين للتحضير من أجل حفل واحد للمؤلفة الموسيقية والسوبرانو هبة القواس، احتشدت فيه الجهود البشرية الموسيقية والفنية والتقنية في أكثر من بلد واختصاص، رستْ السفينة بسلام على شاطئ عُمان في دار الأوبرا السلطانية في مسقط، حيث الخيال يعانق أجنحة الأثير وزبَد الأمواج يبلسم سهر البحّارة وقلق المبدعين. بدت القواس، في ليلة 22 نوفمبر الماضي، أشبه بملاك أزرق يعانق سديم الوجود، مع كلمات المعلّم كمال جنبلاط في أغنية " أنتَ أنا "، وشعر عبد العزيز خوجه في أغنية " أسرى بقلبي" حيث خطفتْ الأنفاس وجْدًا وطربًا. وكفراشةٍ توهّجتْ حول النور لتحترق في أتون الحب، غنّت من شعر أنسي الحاج والحلاّج، وهدى النعماني، وزاهي وهبي، وندى الحاج وحصّة، فرِحةً بانصهارها مع المكان الأسطوري، حيث تفوّقتْ على شهرزاد التي اكتفت بترويض شهريار واحد، أما هبة فسحرتْ صالة كاملة مُصغيةً بعمق، بكل من فيها من عُمانيين ولبنانيين وأجانب. لم تكتفِ القواس بالغناء والتمايل طربًا والانتباه لكل شاردة وواردة متعلّقة بعزف الاوركسترا بقيادة النمساوي كارل سولاك، إنما ألقتْ كلمة عفوية من القلب ذكرتْ فيها المعنى الحقيقي الذي يعنيه لها هذا الصرح، الذي تقف عليه في يوم "عيد الاستقلال اللبناني"، الذي يصادف بعد "العيد الوطني العُماني"، وفي كنف الحرب الشرسة على غزّة، مؤمنةً بأن "الإبداع وحده قادر على قهر الموت والظلم"، كما أن عُمان بالتحديد تعني لها الكثير بعد أن حازت القواس على "وسام السلطان قابوس الذهبي" عام 2007 عن مجمل أعمالها الموسيقية، وهي التي قامت بأبحاث موسيقية حول التراث الغني لموسيقى عُمان التقليدية. المفاجأة التي لاقت ترحيبًا كبيرًا لدى العُمانيين، فكانت أغنية "عُمان يا أغنيةً" من كلمات الكاتب اللبناني حسّان الزين، التي الّفتها القواس خصّيصًا للمناسبة، وأدّتها لأول مرة مفتتحةً بها الحفل، مغطيةً وجهها بغلالة زرقاء رقيقة، قبل أن ترميها بأناقة لتكسر الحاجز بينها وبين الجمهور، وتكمل الأداء خلال ساعتين بفستانها الأزرق الجميل (تصميم زهير مراد)، والطالع ببساطته وتميّزه من حضارة عتيقة تليق بفن القواس ودار الأوبرا معًا. العمل الثاني الجديد الذي خصّته القواس للحفل، هو الكونشرتو للغيتار، والاوركسترا "تقاسيم على إشبيلية" الذي عزفتْه الاوركسترا لأول مرة مع الغيتاريست الأسباني العالمي خوسيه ماريا غياردو دل ري، فشكَّل هذا الكونشرتو خطوة رائدة في مسيرة القواس الموسيقية، حيث امتزجت الحداثة مع الأنغام الأندلسية والميلوديا الغربية مع الشجن الشرقي الحنون. وفي ختام الحفل نالت القواس درع دار الأوبرا السلطانية من يد كل من معالي الشيخ نصر الكندي أمين عام شؤون البلاط السلطانية، نائب رئيس مجلس إدارة دار الأوبرا السلطانية، وكذلك من معالي محمد الزبير مستشار جلالة السلطان للتخطيط الاقتصادي، وعضو اللجنة العليا لدار للأوبرا السلطانية، في حضور السفير اللبناني عفيف أيوب وعقيلته وحشد من الوزراء العُمانيين والممثلين عن الديوان السلطاني. بعد النجاح الباهر الذي حصدتْه القواس في تلك الليلة حيث بدتْ مختلفة وجديدة، من المرجّح أن تحيي في العام المقبل حفلاً مفاجئًا جديدًا في دار الأوبرا نفسها.
أرسل تعليقك