تونس ـ وكالات
يحتدم الجدل في تونس حول سفر شبان تونسيين للمشاركة في "الجهاد" ضد نظام بشار الأسد في سوريا. في حوار مع كشف رئيس الحكومة التونسية علي العريض عن تدابير اتخذتها السلطات للتعامل مع هذا الموضوع الذي بات يؤرق التونسيين.
بعد أيام من اختفاء ابنها ياسين السعداوي، تلقت عائشة الوصيف اتصالا هاتفيا من ولدها الذي أعلمها أنه في سوريا "يجاهد" ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد. وتحت وقع الصدمة ترجّت السيدة باكية، ابنها الذي أجرى أكثر من عملية جراحية على ساقه، العودة إلى تونس مذكرة إياه بما كابدته من تعب ومشقة في تربيته وعلاجه، لكنه أجابها قائلا "أجرك على الله" ثم قطع المكالمة.
سيدة أخرى تعقّبت ابنها من تونس وحتى مطار إسطنبول التركي مرفوقة بزوجته، وهناك شرعتا في الصراخ والعويل فأجبرتاه على العودة معهما الى تونس بدل التوجه الى سوريا.ومؤخرا، ذكرت تقارير صحفية تونسية وغربية، أن شبانا تونسيين بالمئات ضمن أجانب يقاتلون ضد قوات الرئيس السوري بشار الاسد، وأن شبكات اجنبية تنشط في تونس لتجنيد مقاتلين من ابناء هذا البلد.
وخلال شهر مارس 2013 تظاهرت عائلات شبان تونسيين سافروا إلى سوريا، أمام مقر المجلس التأسيسي(البرلمان) في العاصمة تونس مطالبين السلطات "بإعادة ابنائهم" ، فيما دعا نواب في البرلمان الحكومة إلى الكشف عن "الشبكات" التي ترسل شباب تونس "لخوض حرب بالوكالة في سوريا".
ويثير موضوع مشاركة شبان تونسيين في حرب سوريا، جدلا واسعا في سائل الإعلام والمنتديات السياسية تونس، وقد كشف علي العريض رئيس الحكومة التونسية الجديدة في تصريحات لـ DW عربية ان وزارة الداخلية التونسية اتخذت تدابير في هذا الصدد وأوضح "فككت (وزارة الداخلية )عددا من الشبكات المختصة في هذا الموضوع".ويخشى محللون في تونس من استغلال بعض الجماعات السلفية المتشددة لمناخ التعاطف الشعبي في تونس مهد الربيع العربي، مع الثورة ضد نظام بشار الأسد، وتوظيفها لتجنيد شبان تونسيين للمشاركة في الحرب بسوريا.عائلات تونسية احتجت أمام مقر المجلس التأسيسي على تنامي ظاهرة تجنيد شبان تونسيين في حرب سوريا
لا يكاد الشاب محمد إقبال بالرجب يصدق ان شقيقه المصاب بشلل نصفي والذي لا يمكنه التنقل إلا بواسطة كرسي متحرك، سافر إلى سوريا من أجل "الجهاد". محمد إقبال ناشد شقيقه عبر تلفزيون تونسي خاص العودة إلى تونس رأفة بحال أمه الملتاعة لغيابه. ويوم 27 فبراير 2012 حذرت وزارة شؤون المرأة والأسرة في بيان من "ظهور شبكات متخصصة تستهدف الشباب والأطفال من الجنسين لتجنيدهم عبر ممارسة التجييش الفكري والعقائدي" ما ادى إلى "تسجيل عديد حالات اختفاء الأطفال المراهقين".ودعت الوزارة التونسيين إلى "تكثيف الإحاطة بأبنائهم وتوعيتهم بخطورة الانجراف وراء هذه الدعوات التي تستغل عوامل انعدام الفكر النقدي ونقص الثقافة الدينيّة لديهم من أجل زرع أفكار التعصّب والكراهيّة وإرسالهم إلى بلدان تعيش صراعات داخليّة بدعوى الجهاد". ومنتصف الشهر الحالي ذكرت وسائل اعلام تونسية ان طفلا عمره 10 سنوات ويكنى بـ "الفاروق التونسي" قتل في سوريا عندما كان صحبه والده الذي يقاتل مع "جبهة النصرة".
وأبلغت عائلات تونسية عن اختفاء بناتهن المراهقات وسط ترجيحات بسفرهن إلى سوريا من أجل "جهاد المناكحة". وكانت مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر قد تناقلت معلومات عن تجنيد فتيات تونسيات للقيام ب"جهاد المناكحة" لمساعدة المقاتلين، ضمن فتوى نسبت إلى الداعية السعودي الدكتور محمد العريفي، الأستاذ بجامعة الملك سعود، لكن هذا الاخير نفى أن يكون صاحب هذه الفتوى المزعومة.
تنامي نشاط السلفيين المتشددين في تونس بعد الثورةجريدة "الشروق" التونسية أفادت في عددها ليوم 15 مارس آذار 2013 ان الأمن التونسي قام بتفكيك "شبكات" تحصل من دولة قطر على "عمولة بمبلغ 3000 دولار أميركي عن كل شاب تونسي يتم تجنيده" للقتال في سوريا. واوضحت ان المجندين يرسلون إلى معسكراتفي ليبيا المجاورة للتدرب على حمل السلاح ثم يسافرون إلى تركيا ومنها يتسللون الى سوريا.
علي العريض رئيس الحكومة التونسية الجديدة قال في تصريح لـ DW عربية ان وزارة الداخلية التونسية "فككت عددا من الشبكات المختصة في هذا الموضوع" في اشارة إلى تجنيد الجهاديين دون الادلاء بمزيد من التفاصيل.وقال الباحث الاجتماعي طارق بلحاج محمد لـ DW عربية إن استقطاب الجهاديين يتم أساسا عبر جمعيات خيرية ودعاة ينشطون في المساجد وعلى شبكات التواصل الاجتماعي موضحا ان المجندين عادة ما يكونون من العاطلين والمهمشين الذين يتم اخضاعهم لعملية "غسيل دماغ" حتى يصبحوا مؤمنين بـ"قدسية" المهام التي يراد منهم القيام بها.وفي مايو 2012 أقر أحمد البرقاوي المسؤول بوزارة الشؤون الدينية خلال مؤتمر صحفي ان أئمة مساجد يسيطر عليها سلفيون جهاديون يحرضون الشباب المتدين على الجهاد في سوريا.واعتبر طارق بلحاج محمد دفع أموال مقابل تجنيد جهاديين "شكلا من أشكال الاتجار بالبشر" دون أن يستبعد أن تكون حركة النهضة التي تمسك بزمام الحكم في تونس طرفا في العملية.
لكن راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية(تقود الإئتلاف الحزبي الحاكم) نفى يوم 15 مارس آذار 2013 في مؤتمر صحفي علاقة حزبه بإرسال الشبان التونسيين إلى القتال في سوريا. وقال ان "الشباب التونسي الذي يسافر (إلى) هناك (سورية) ليشارك في هذا الجهاد، نحن لسنا طرفاً، ولم نكن طرفاً في هذه العملية، ولا ندري كيف تجري".وأضاف "اليوم الشباب الإسلامي يندفع الى ساحات الجهاد في العراق، وما زال عشرات من الشباب التونسي وربما مئات شاركوا في (الجهاد في) العراق، وآخرون يشاركون وشاركوا في أفغانستان، وآخرون يشاركون في سورية اليوم".رئيس الحكومة التونسية، كشف لـ DW عن تدابير السلطات في مواجهة "تجنيد شبان" تونسيين للجهاد في سورياعن دوافع تحول هؤلاء الشبان إلى سوريا، قال علي العريض رئيس الحكومة التونسية لـDW عربية إن أغلبهم "يذهبون بقناعة إنهم يجاهدون في سبيل الله ويدعمون الثورة السورية، وهذا ما تعرفنا عليه من خلال التحريات". ولفت رئيس الحكومة التونسية ووزير الداخلية السابق، إلى ان "هؤلاء هم بصفة عامة شبان صغار لا يستطيعون تقدير العواقب وتأخذهم الحماسة وصدق النية ونبل الهدف كما يرونه، فيذهبون (إلى سوريا) دون تقدير الجهات التي تنظم لهم هذا".وأشار العريض إلى التونسيين الذين يصلون إلى سوريا يغادرون تونس نحو ليبيا ثم تركيا ومنها إلى سوريا، وأنهم يبررون سفرهم إلى ليبيا وتركيا بالسياحة أو العمل أو البحث عن عمل أو الدراسة، ملاحظا ان القانون التونسي لا يجيز منع المواطنين من السفر. وأوضح قائلا: "نحن كسلطة لا نجد حجة قوية لنا في منع انسان يريد ان يسافر إلى ليبيا أو تركيا ويقول إنه مسافر إما سائحا أو ذاهبا للعمل أو للبحث عن العمل، أو للدراسة. نحن لا نستطيع ان نثبت أنه مسافر إلى سوريا وهذا مثّل لنا اشكالا حقيقيا".واضاف "القانون لا يسمح لنا بمنع انسان من السفر، لكننا اضطررنا إلى منع البعض (..) إثر تدخل عائلاتهم التي نبهتنا إلى أنهم سيسافرون إلى هذه الوجهات غير المدروسة، فمنعناهم من الخروج". ومضى يقول "تونس كسلطة لا تريد لشبابها ان يذهب في مغامرات وفي وجهات غير مدروسة وغير محسوبة" مذكرا بان وزارة الداخلية "تدخلت في كثير من المرات من أجل منع بعض الشبان من القيام بهذه المغامرة".
تجنيد جهاديين تونسيين في حرب سوريا، له مخاطر وتداعيات مستقبلية على أوضاع تونس نفسها، وهو ما حذر منه الرئيس التونسي منصف المرزوقي في خطابه بمناسبة عيد استقلال تونس(20 مارس آذار)، وأوضح"نخشى ان يعود التونسيون وان يشكلوا خطرا على بلادهم..يجب اقناعهم بان الجهاد الحقيقي في بلادهم هو محاربة الفقروالبطالة والجهل."
أرسل تعليقك