كردستانـ وكالات
يعيش في ألمانيا نحو مليون كردي يؤيد الكثير منهم حزب العمال الكردستاني المحظور في ألمانيا وأوروبا، فهل ستؤدي المحادثات الراهنة بين الحزب والحكومة التركية لإعادة النظر في قرار الحظر؟ وهل سيتخلى الحزب فعلا عن الكفاح المسلح؟
اتخذ إسماعيل الذي يعيش في ألمانيا قرارا صعبا إذ أنه يؤيد حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه السلطات الأمنية الألمانية كجماعة إرهابية، لكن هذا لا يمنع أنه يحظى بتأييد الكثير من الأكراد الذين يرون فيه منصة للدفاع عن حقوقهم. ويحرص إسماعيل على خفض صوته قبل الإجابة على أي سؤال يخص حزب العمال الكردستاني في المقابلة التي أجرتها معه DWفي أحد مطاعم الشاورما التركية في حي كرويتسبرغ في برلين كما يرفض نشر اسمه بالكامل أو صورته.
تشير بيانات مكتب حماية الدستور الألماني إلى أن حوالي 800 ألف كردي يعيشون في ألمانيا كما أن شعبية حزب العمال الكردستاني هنا لا يمكن الاستهانة بها كما تقول جوليزان جوربي، أستاذة العلوم السياسية بجامعة برلين الحرة.
متظاهرون يرفعون الأعلام الكردية وصور عبدالله أوجلان أثناء احتفالات عيد النوروز في مدينة دياربكر جنوب شرق تركيا
ويصنف مكتب حماية الدستور في ألمانيا ،حزب العمال الكردستاني على أنه جماعة إرهابية ويقدر عدد أنصاره في ألمانيا بنحو 13 ألف شخص. وينحدر معظم الأكراد الذين يعيشون حاليا في ألمانيا من العراق وإيران وسوريا لكن الجزء الأكبر منهم جاءوا من تركيا حيث تعرضوا طيلة عقود لسياسة الإرغام على الانصهار في المجتمع التركي، فمن كان يتحدث اللغة الكردية أو يطلق على ابنه اسما كرديا، كان يعرض نفسه لخطورة الاعتقال ناهيك عن المطالبة بحقوق الأكراد.
وفي مدرسة القرية التي تبعد مقدار ساعة سيرا على الأقدام عن بيت عائلة إسماعيل، يجدد التلاميذ يوميا قسم الولاء لتركيا كما يتذكر إسماعيل:"كنا نتعرض للضرب إذا تحدثنا باللغة الكردية"كان إسماعيل يتمنى الانضمام لحزب العمال الكردستاني الذي أعلن عام 1984 الحرب المسلحة على تركيا، لكنه كان يدرس في برلين في الوقت الذي كان فيه الحزب يسعى لتأسيس دولة مستقلة للأكراد وكان يوجه ضربات دموية للجيش التركي.
ويصف إسماعيل انتمائه لحزب العمال الكردستاني بأنه "متعاطف" وليس "مقاتل". وينشط إسماعيل حتى الآن في إتحاد كردي ويشارك في المظاهرات المناهضة للجيش التركي "ليس أكثر" حسب تأكيده.
وبلغت الأزمة ذروتها خلال تسعينات القرن الماضي كما امتدت إلى ألمانيا من خلال سلسلة من الهجمات التي استهدفت منشآت ومكاتب سياحة ومحلات تجارية تركية في المدن الألمانية الكبرى أدت إلى حظر نشاط حزب العمال الكردستاني في ألمانيا وتصنيفه كمنظمة إرهابية في ألمانيا ثم في الاتحاد الأوروبي لاحقا. وتوجد في أوروبا صحف ومحطات تليفزيونية وجمعيات ثقافية تقوم بالترويج لحزب العمال الكردستاني. ويتم تمويل هذه الأجهزة من خلال تبرعات الجالية الكردية.
وتقدر دوائر أمنية في برلين حجم التبرعات التي يحصل عليها حزب العمال الكردستاني من داخل ألمانيا سنويا بالملايين.
ينفي إسماعيل فكرة تجنيد عناصر كردية في ألمانيا لصالح حزب العمال الكردستاني ويقول إن بعض الشباب قد يختاروا طواعية السفر إلى معاقل الحزب لكن دون إرغام. وبسؤاله عن مسألة التبرعات للحزب يصمت إسماعيل قليلا ثم يقول:"المسألة كلها طواعية .. لا يتم إجبار أحد على شيء، ربما تحدث محاولات ابتزاز لكنها تكون من عصابات يدعون انتمائهم لحزب العمال الكردستاني".
جنود أتراك في منطقة كردية
وحتى الشرطة الألمانية تتحدث هنا عن "محاولات ابتزاز فردية" كما يقول متحدث باسم الشرطة لـ DWإن آخر تحريات حول حالة مشابهة كانت قبل خمسة أعوام.
يضع الصحفي نيك براونس كتابا على منضدة مطبخه في منزله البرليني المشمس ويصفه بأنه "من أمهات الكتب عن حزب العمال الكردستاني". كتب براونس هذا الكتاب قبل ثلاثة أعوام ومؤخرا قامت الشرطة بمصادرته أثناء حملة على إحدى الجمعيات الكردية.
ويهز براونس كتفيه عندما يتذكر هذه الواقعة ويقول "ربما تكون دعاية جيدة". وبدأت صلة الصحفي الذي يعمل لحزب اليسار، بحزب العمال الكردستاني قبل 20 عاما وبالتحديد أثناء مظاهرة للتنديد بحرب الخليج الأولى. ومنذ هذا اليوم يضع براونس القضية الكردية ضمن أولوياته ويكتب عنها كما قام عدة مرات بزيارة معسكرات حزب عمال الكردستاني. يثق براونس أن السلطات الألمانية تقوم بمراقبته بسبب هذه الأنشطة.
ويرى الصحفي أنه من الخطأ إصدار قرار بحظر أنشطة حزب العمال الكردستاني ويقول إن الحزب حاول في السنوات الأخيرة تحسين صورته في أوروبا والتأكيد على اعتداله.
من جانبه يؤكد مظفر أياتا، أحد الأعضاء المؤسسين في حزب العمال الكردستاني، أن قيادات الحزب أصدرت تعليمات صارمة بالعمل في إطار شرعي خال من العنف لكن أياتا الذي يعيش حاليا في مدينة شتوتغارت الألمانية لا يستبعد بعض التصرفات من الأكراد الناتجة عن تعرضهم للاستفزاز.
ويتحدث أياتا عن التحول الذي شهده حزب العمال الكردستاني منذ نهاية التسعينات والذي جاء بناء على تعليمات من عبدالله أوجلان الذي يقبع في أحد السكون التركية منذ عام 1999. ويمكن تلخيص التحول في تعديل مسألة النضال من أجل إقامة دولة كردية إلى المطالبة بالمزيد من الحقوق للأكراد داخل تركيا.
وشهدت السنوات الأخيرة انتقال الكثير من الأكراد إلى إسطنبول والعديد من المدن التركية الكبرى للبحث عن فرص عمل، في وقت تزامن مع تعهد الحكومة التركية بالسماح بتدريس اللغة الكردية في المدارس وعدم حظر القنوات التليفزيونية الكردية.
يقول راينر هايدر من مبادرة "الحرية لأوجلان" إن حزب العمال الكردستاني تأكد من عدم إمكانية تحقيق الفوز العسكري الأمر الذي نتج عنه تعديل الإستراتيجية العسكرية للحزب لتبتعد عن فكرة "تحرير" المناطق الكردية في جنوب تركيا وتركز على الانخراط في العملية السياسية.
ويتفق إسماعيل مع هذا التوجه الجديد لحزب العمال الكردستاني ويقول "كان النضال المسلح مسألة مقبولة لكن الآن حان وقت النضال السياسي" في إشارة منه للمحادثات التي بدأت قبل عدة أشهر بين الحكومة التركية التي تتعهد بالمزيد من الحقوق للأكراد وبين حزب العمال الكردستاني الذي أعلن عن هدنة نهاية آذار/مارس الماضي كما يطرح فكرة الانسحاب من تركيا والعودة إلى شمال العراق علاوة على التخلي عن السلاح.
وإذا سارت الأمور على النحو المرجو فسيتعين على ألمانيا إعادة النظر في مسألة حظر أنشطة حزب العمال الكردستاني كما تقول أستاذة العلوم السياسية جوربي وتضيف:"حينها سنكون بحاجة لتقييم جديد" لكن مصادر أمنية في برلين تستبعد هذه الخطوة في الوقت الراهن لاسيما وأن السنوات الماضية شهدت محادثات مشابهة لكنها لم تسفر عن تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح بالكامل.
ولا يتقبل إسماعيل فكرة تخلي حزب العمال الكردستاني تماما عن السلاح انطلاقا من مبدأ الدفاع عن النفس كما يعبر إسماعيل عن عدم ثقته في الحكومة التركية ويقول إن الوقت الحالي ليس مناسبا للتخلي عن السلاح لأن المستقبل غير مضمون، حسب وصفه. ويرى إسماعيل أن أفضل وقت للتخلي عن السلاح تماما هو عندما تتحقق المساواة في الحقوق بين الأتراك والأكراد.
أرسل تعليقك